أشار الأستاذ محمد عبادي أن المشهور في تعريف النية في اللغة والإصلاح والشرع أنها “القصد”، معقِّباً أن “المقصود هو الله سبحانه وتعالى عزّ وجلّ”، لأن المؤمن بحسبه يقصد بجميع أعماله اللهَ سبحانه وتعالى امتثالا للآية الكريمة قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.
وانطلاقا من هذا التحديد، تساءل فضيلة الأمين العام لجماعة العدل والإحسان في معرض موعظته التربوية الدعوية ضمن سلسلة سُرُج التي تبثُّها قناة بصائر الإلكترونية خلال شهر رمضان الأبْرَك، عن “أي نية نصوم بها رمضان؟” منبّها أن كثيرا من الناس تكون نيّتهم في رمضان هي تحصيل ثواب الصيام من مغفرة وحسنات وصحة بدنية إلى غير ذلك. وهذا مهمٌّ، يعلق فضيلته، لكن الأهم في نظره أن يكون “القصد هو وجه الله، ونيل رضاه سبحانه وتعالى، وتحقيق مقام العبودية والمحبوبية عند لله عزّ وجلّ”، وما دون هذه المقاصد العظمى فهو تحصيل حاصل، يزيد الأستاذ المربي توضيحا.
وتخليص النية بهذا السموِّ لا يقتصر، بحسبه على الصيام دون غيره، بل يسري على كل الأعمال التعبّدية الأخرى، بل هذا مطلوب أيضا، يضيف، في الأعمال العادية اليومية التي يقوم بها الإنسان. بل تساءل فضيلته عن كيفية تحويلنا هذه الأعمال إلى طاعات؟ وذلك “بتحسين النية فيها، بربط كل تلك الأعمال اليومية بإرادة وجه الله تعالى”؛ فالأكل تقوية على طاعة الله، والتجول في بلاد الله تأمل في ملكوت السماوات والأرض… وغيرها من الأمثلة التي استدعاها السيد عبادي في موعظته الرقيقة.
ووّجه كل عامل لعمل صالح كيفما كان إلى طرح سؤال: “لم؟ قبل البدء فيه. فإن كان القصد في نظره هو الله سبحانه وتعالى فليستمر في ذلك العمل، وإن كان القصد غير ذلك فلا بد من تجديد النية وتخليصها لله عزّ وجل قبل الدخول في العمل، ليكون هذا العمل عبادة”.
ورغم أن السؤال الأول مهم جدّا فهو غير كافٍ، يقول فضيلته، بل يجب أن يلحق به سؤال الكيف، ليكون العمل على الوجه المشروع، أي موافقا لشرع الله عزّ وجلّ وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون هذا العمل مقبولا مصداقا لقوله تعالى في سورة الملك الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وقد استدعى أستاذنا في موعظته هاته تفسيرا للفضيل بن عياض لقوله تعالى ﴿أحسن عملا﴾ أي “أصوبُه وأخلصُه لله عزّ وجل”. كما استعدى قولا لبعض العلماء رضي الله عنه أقروا فيه أن على المرء ألا يَقْدِم على عمل حتى يعلم حُكم الله فيه. مشيرا أن المقصود بحكم الله فيه هو طريقة أداء ذلك العمل ليكون موافقا لشرع الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مصداقا لقوله عليه أزكى الصلاة والسلام في حديث شريف “مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ”.
وبهذه النية العظيمة، يختم فضيلته توجيهاته النيرة، نستقبل هذا الشهر المُعظّم؛ “نطلب وجه الله تعالى ورضاه والقرب منه عزّ وجلّ، ونصوم تحقيقا للعبودية لله عزّ وجلّ”.