أجمع باحثون على أن الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله كرس حياته لخدمة الأمة الإسلامية ووضع إطارا واضحا لتوحيدها، وذلك في ندوة بعنوان: “وحدة الأمة في فكر الإمام المجدد”، اليوم، السبت 4 يناير 2025، نظمتها جماعة العدل والإحسان بالدار البيضاء في إطار تخليد الذكرى الثانية عشرة لرحيل الإمام المجدد.
وشارك في هذه الندوة الفكرية، كل من الدكتور محمد رفيع، والدكتور أحمد الزقاقي، والدكتور عثمان غفاري، كما ألقى فيها الدكتور عمر أمكاسو كلمة ختامية. وقد أدارت فقراتها الأستاذة أمال الوكيلي، التي رحبت بضيوفها وبالحضور، وأكدت أن ذكرى الرحيل تتجدد لتذكرنا بسيرة رجل ومسيرة مشروع، ومسير وعهد، عسى تتجدد منا الإرادات وتنبعث فينا العزائم.
مقومات النموذج الوحدوي المنقود
وتحدث أول المتدخلين، الدكتور عثمان غفاري، في جزء من مداخلته عن “مقومات النموذج الوحدوي المنقود”. موضحا أنه النموذج الوحدوي الذي يرنو إليه المنهاج النبوي، ويسعى لرسم حلقاته، وتسطير خطوات إحيائه. واصفا إياه بأنه “قطب الرحى وطوق النجاة الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم”.
وأسماه بالـ “منقود” لأنه لم يعمر بعد النبوة إلا قرابة عقدين وبضع سنوات. مشددا على أنه لا ينبغي خلطه مع التجارب التاريخية والحاضرة التي كرست الوحدة بالقهر وغلبة العصبيات. وتابع: “ونسميه أيضًا أفقًا منشودًا لأنه يتعين علينا جميعًا العمل على تجديده وإعادة بنائه باستلهام أُسسه ومقوماته وأصوله”.
وأشار إلى أن هو النموذج قد يتغير مبناه بتغير الزمان والمكان “لكنه ثابت في معناه لثبات أصوله ومقوماته”. وحصر هاته المقومات في خمس بدءا بالمواطنة الإنسانية، ثم المواطنة الإيمانية، واعتبر في المقوم الثالث أن الوحدة ضرورة شرعية، ثم بعد ذلك استحضرها على أنها حاجة اجتماعية، وفي آخر المقومات أكد أن الوحدة حكمة عقلية.
الرسول عليه الصلاة والسلام نقل العرب لأول مرة في تاريخهم إلى النبوغ الحضاري
أما الدكتور أحمد الزقاقي، وهو أستاذ زائر بالمعهد الأوروبي للعلوم الإسلامية ببروكسل، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فأكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله بالدين الحق وفهم من رسالته وأفهم أصحابه وأمته أنه ليس بصدد تأسيس دولة تتعاقب على حكمها سلالته أو عشيرته. فلم يعهد بالحكم إلى أحد، وإنما ترك الأمر شورى بين الناس، مشددا على أنه “نقل العرب لأول مرة في تاريخهم من محاور الولاء القبلي والعشائري والتعصبي إلى فضاء الدولة والأمة والنبوغ الحضاري”.
ولفت المتخصص في الفقه وأصوله والخلاف بين السنة والشيعة إلى أن هذا النبوغ الحضاري مبني على الإيمان والإسلام والإحسان. وقد تخرج من مدرسته صحابة لم يكونوا نسخًا مكررة، وإنما كان لكل واحد منهم اجتهاده الخاص في إطار المرجعية الإسلامية الإيمانية، وفي إطار الوفاء للأخوة الدينية والبعد عن التعصب، حيث كان عليه الصلاة والسلام يقول لهم: “دعوها فإنها منتنة”.
وأشار إلى أن المسلمين استمروا في فترة النبوة يسيرون في الأرض على هدى من الله سبحانه وتعالى وهم متوحدون. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتصدى للحكم والرسالة والنبوة، إما بالفُتية أو من مقام الرسالة أو من مقام الحكم كما يعرف ذلك الأصوليون، وهو ما لم يستمر للأسف بعدما انقلب الأمر إلى حكم عضوض.
لا سبيل إلى استعادة القوة إلا بوحدة دار الإسلام
من جانبه الدكتور محمد رفيع، أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تناول الشروط التأسيسية والعملية لوحدة الأمة، وشدد على أن “قضية توحيد الأمة تمثل في نظر هذا الرجل رحمه الله القضية الاستراتيجية الكبرى، والكلية العظمى”، وأضاف: “أزعم أن كل ما تناول من قضايا على جلالة قدرها وعلى أهميتها تندرج تحت هذا المسمى: وحدة الأمة أو توحيد الأمة”.
ولفت رئيس المركز العلمي للنظر المقاصدي في القضايا المعاصرة إلى أن توحيد الأمة عوَّل عليه الأستاذ عبد السلام ياسين في وحدة دار الإسلام ويعتبر ذلك واجبا شرعيا، وقد علل هذه المكانة بقوله: “لأنه السبيل لاستعادة القوة”.
ولماذا القوة؟ يتساءل رفيع، الذي أكد أنها مرتبطة بوحدة المسلمين. ويعالج الإمام هذه المسألة في أكثر من موضع، لأن الأمة مسؤوليتها مسؤولية حضارية كبرى، وهي تبليغ رسالة رب العالمين إلى خلق الله أجمعين. “فهل تبلغ الأمة هذه الرسالة الحضارية العالمية إلى خلق الله أجمعين في كل مناحي الدنيا، وهي مشتتة متناثرة؟ لا يمكن”.
طوفان الأقصى وضعنا بالمكشوف أمام الواقع المأزوم الذي تعيشه أمتنا
وفي كلمة ختامية للدكتور عمر أمكاسو، عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، ورئيس مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين للأبحاث والدراسات، أكد أن اختيار هذا الموضوع في هذا الوقت له راهنيته وله أهميته، حيث إن وحدة الأمة تعيش في ظلال طوفان الأقصى.
وأشار عضو منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة وعضو مؤسسة القدس الدولية، إلى أن طوفان الأقصى كشف اللثام عن كل الثقوب التي نتجت عن غياب هذه الوحدة في الأمة، ووضعنا بالمكشوف أمام الواقع المأزوم الذي تعيشه أمتنا. موضحا أن هذا الطوفان أشعل لنا منارة استرداد عزة الأمة إن شاء الله عز وجل.
وتوجه الدكتور أمكاسو بالثبات للمجاهدين وبتعجيل إيقاف العدوان الصهيوني عليهم، وأن يجعل عاقبته نصرًا مؤزرًا للمجاهدين وكسرا لشوكة الصهاينة.