طوفان الأقصى
هو عنوان عملية عسكرية شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعلى رأسها كتائب عزالدين القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس فجر السبت 7 أكتوبر2023م؛ إذ أعلن محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام، بدء العملية ردا على الانتهاكات الإسرائيلية في باحات المسجد الأقصى المبارك واعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على المواطنين الفلسطينيين في القدس والضفة والداخل المحتل.
بدأت عمليَّة طُوفَان الأقصى عبر هُجومٍ صَاروخي وَاسعِ النطاق شنّته فصائل المقاومة على المستوطنات الإسرائيلية بالتزامن مع اقتحام بري من المقاومين عبر السيارات رباعية الدفع والدراجات النارية والطائرات الشراعية للبلدات المتاخمة للقطاع حيث سيطروا على عددٍ من المواقع العسكريّة خاصة في سديروت، ووصلوا إلى أوفاكيم، واقتحموا نتيفوت، وخاضوا اشتباكاتٍ عنيفة في المستوطنات الثلاث وفي مستوطنات أخرى كما أسروا عددًا من الجنود والمدنيين واقتادوهم لغَزَّة فضلًا عن اغتنامِ مجموعةٍ من الآليّات العسكريّة الإسرائيليَّة.
الذكرى الأولى: ضريبة الخطوة المباركة
سنة كاملة، لياليها كأنهُرِها مكتظة بشتى أصناف الظلم والطغيان والإفساد في الأرض من تقتيل وتهجير وتجويع وتدمير مارسته الآلة الجهنمية لكيان اللقطاء مدعوما بكل الوسائل العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والحماية من قوى الاستكبار العالمي على بقعة جغرافية على شكل شريط طوله واحد وأربعون كلم وعرضه يتراوح بين ستة إلى إثني عشر كلم وتبلغ مساحته خمسة وستين وثلاثَ مائة كلم ويسكنه حوالي مليوني فلسطيني محرومين من أي دعم مادي أو معنوي.
حرمان -كان وما زال يتنكر لمبادئ حقوق الإنسان التي طالما تغنى بها، بل اكتسح دولا وأسقط أنظمة بدعوى انتهاكها لهذه الحقوق- قد يكون مفهوما إذا تم استحضار الاختلاف معه في العرق والعقيدة والقيم الأخلاقية، وهو أصلا يناصبك العداء لكونه يعتقد أنك بمرجعيتك الدينية وقيمك الأخلاقية وماضيك الحضاري تشكل تهديدا لوجوده العقدي والقيمي والحضاري، لكن الأنكى والأشد إيلاما ليس فقط أن يخذلك من تعتبره من بني جلدتك يجري في عروقه مثل دمك ويتكلم لغتك ويدين (زعما) بدينك بل أن يتواطأ مع عدوك في السر وبالمكشوف يمده بكل أسباب القوة ليقضي عليك بدعوى أنك إرهابي مخرب تسعى للسلطة لتفرض على الناس معتقداتك وأسلوبك في الحياة.
يقين في النصر لا يتزعزع
وفي المقابل ثلة من المؤمنين المجاهدين الصابرين المتوكلين على الله الموقنين بالنصر المبين يقينا لا تخالطه ذرة شك يحتضنهم شعب عانى الأمرين من عصابات الإجرام الصهيونية؛ لاتعرف الرحمة بالرضيع والضعيف والمرأة والأعزل إلى قلوب أعضائها سبيلا؛ بل يشحنهم حاخاماتهم بمعتقدات توراتية فاسدة لعل أبرزها مامعناه ” تتقرب إلى الله كلما أجهزت على مسلم”، شعب يخرج أفرده رجالا ونساء شيبا وشبابا من تحت الأنقاض رافعين السبابة صابرين محتسبين يحمدون الله قائلين بصدق “نحن نفدي الأقصى ونفدي المقاومة”.
تجليات الانتصار المرتقب بإذنه سبحانه وتعالى
وتلكم واحدة من بشائر النصر المبين الذي يُعِدُّه الله الذي لامعقب لحكمه لأحبابه في غزة العزة؛ التوكل على الله والاعتماد عليه بعد الأخذ بالأسباب وإعداد ما بالإمكان من أسباب القوة المادية والمعنوية مصداقا لقوله سبحانه وتعالى في محكم كتابه ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم “[سورة الأنفال الأية 61] في التحام منقطع النظير مع الحاضنة الشعبية الصابرة المحتسبة الواثقة بالمقاومة رغم ما يلحقها عقابا لها بسبب ذلك من أصناف التنكيل والتدمير والتهجير المتكرر، ويعبر عن ذلك الوثوق الصغيرُ قبل الكبير مثل قول صبيَّةٍ بعد سماعها صوت القصف (أنا ما بنخاف، تحرسنا المقاومة) وعن الصبر يعبر الرجل والمرأة والشاب والشيخ والعجوز بصيغ مختلفة لعل أهمها الحسبلة والتفويض وعبارات التحدي للمحتل بعبارات مثل ( لن نرحل عن أرضنا نظل بها إلى آخر لحظة من أعمارنا) . وفي عبارة واحدة تلخص هذا كله: إنها العقيدة الراسخة في الايمان بالله العزيز الحكيم .
وثاني بشريات النصر الموعود الصمود الأسطوري للمقاومة في الميدان؛ لا بل تفوُّقُها على العدو في الهجوم والدفاع على الرغم من فارق العدة والعدد عند الطرفين؛ فبالنظر لصورالعمليات العسكرية التي تنقلها الشاشات التلفزية من الميدان تتجلى الحنكة العسكرية للمقاومة وطول نفسها وقدرتها على المناورة وبراعتها في التنبؤ بخطط العدو وجرأة أفرادها في الهجوم على آليات الصهاينة وقنص جنودهم من مسافة الصفر. قدرات تكتيكية أجمع المحللون العسكريون أنها جديرة بأن تُدَرَّسَ في الكليات الحربية العالمية، على عكس ما ينقله جيش الاحتلال من صور القصف وتدمير البيوت على ساكنيها وتقتيل الأطفال والنساء والشيوخ وتهجيرهم من مكان إلى آخر؛ إذ لم نر على مدى سنة كاملة من الحرب صورة للجنود الصهاينة في مواجهة مباشرة مع أبطال المقاومة.
ثالث البشريات تتمثل في فشل العدو الصهيوني في تحقيق أي هدف من الأهداف المعلنة لحربه العدوانية على قطاع غزة؛ إذ لم يتمكن من تحرير أسراه من قبضة المقاومة كما لم يفلح في القضاء على حماس؛ فكلما أعلن عن انتهاء حملة من حملاته على جهة من جهات القطاع وانسحب منها أو أعاد نشر قواته فيها إلا وباغتته المقاومة في نفس المنطقة بعمليات نوعية مكذبة بذلك ادعاءاته الفارغة من المضمون.
رابع البشريات تفكك الجبهة الداخلية للعدو وظهور انقسامها واختلافها للعلن؛ فالنتن ياهو كل همه الاستمرار على كرسي السلطة تهربا من تحمل مسؤولية الفشل الذريع الذي مُنِيَ به جيشه واستخباراته صبيحة السابع من أكتوبر 2023م لذلك يعمل جاهدا على إطالة أمد الحرب ويدعمه المتطرفان بن غفير وسموتريتش بينما وزير دفاعه ورئيس الأركان وقادة الأجهزة الأمنية يرون أن إسرائيل قد استنفذت كل إمكانات تحقيق انتصار في غزة دون جدوى، في حين أن ذوي المحتجزين في غزة يواصلون التظاهر في شوارع مدن الكيان المحتل وأمام وزارة الدفاع ومقر سكنى النتن ياهو مطالبين بعقد صفقة تبادل لإعادة أبنائهم لكون ذلك السبيلَ الوحيدَ الناجحَ في تحقيق الهدف.
خامس البشريات التي تبشر بالنصر المبين لغزة وللقضية الفلسطينية عموما أن طوفان الأقصى أعاد للقضية جذوتها ليس في الأمة العربية والإسلامية فقط بل في العالم أجمع.
فقد شهدت شوارع المدن العالمية على مدى سنة كاملة مظاهرات مساندة لغزة ومنددة بالإجرام الصهيوني؛ وعلى رأس هذه الفعاليات التضامنية مع غزة المظاهرات والاعتصامات الطلابية في أرقى الجامعات الأمريكية والبريطانية، لكون هؤلاء الطلبة قد تغيرت لديهم القناعات الزائفة التي أشربوها منذ عقود من خلال التقارير الإعلامية المضللة التي تروجها القنوات والصحف الداعمة للمشروع الصهيوني في الشرق الأوسط.
سادس البشريات ولعلها أهمها هو أنه قبل عملية طوفان الأقصى بأقل من شهرين وبالضبط في 15/08/2023 انطلق في مسجد الإمام الشافعي في غزة بعد صلاة الفجر مشروع صفوة الحفاظ 2 والذي قام فيه 1471 حافظ وحافظة بسرد القرآن كاملا غيبا في جلسة واحدة استمرت زها 12 ساعة: مقدمة روحية متميزة وقربان عظيم قبيل ملحمة طوفان الأقصى استمطارا لرحمة الله وطلبا للنصر استبسالا وثباتا وشهادة ونصرا. كل ذلك في تناغم عجيب مع الإعداد المادي والمعنوي يشترك فيه أبطال المقاومة والحاضنة الشعبية.
هذا غيض من فيضِ بشرياتِ النصر المنتظر تغذيها أحاديث نبوية شريفة من الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى نومن به ونصدقه، كالحديث الذي أورده ابن جرير الطبري في مسند عمر عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحقِّ لعدوِّهم قاهرين لا يضرُّهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأْواءَ فهُم كالإناءِ بين الأَكَلةِ حتى يأتيَهم أمرُ اللهِ وهم كذلك قالوا يا رسولَ الله وأين هم قال: ببيتِ المقدسِ وأكنافِ بيتِ المقدسِ” 1
الحديث في حد ذاته بشارة عظيمة للنصر العظيم ( لعدوهم قاهرين)، وإعجاز نبوي يصف ما عليه حال أهل غزة اليوم من صمود وثبات رغم قلة النصير وتكالب القريب والبعيد (فهم كالإناء بين الأكلة) صابرين على ما أصابهم من أذى، مستمسكين بوعد الله الذي لا يُخْلَف :
“وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا، ومن كفر من بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون”[سورة النور الآية 53]
يشكل طوفان الأقصى، على حد قول أبي عبيدة الناطق الرسمي باسم كتائب الأقصى، بداية زمن انكسار الصهيونية وإيذانا بحلول لعنة العقد الثامن على الصهاينة المغتصبين.
نسأل الله الكريم أن يمن على المجاهدين بالنصر المبين وأن يعجل لشعب غزة الصامد بالفرج وأن يتقبل الشهداء ويشفي الجرحى وأن يكون للأرامل والأيتام والمشردين، وأن يجعل هذه العملية المباركة لبنة في تحقيق ما أشار إليه سيد المجاهدين الشيخ أحمد ياسين رحمه الله في أحد حواراته على قناة الجزيرة الفضائية لما قال بزوال الكيان الغاصب في متم 2027 م بانيا تنبؤه على ما أسماه استشفافا قرآنيا.