نظمت جماعة العدل والإحسان، اليوم السبت 21 شتنبر 2024، الموافق لـ 17 ربيع النبوي 1446، حفل تأبين للأستاذة الراحلة حبيبة حمداوي التي كانت قيد حياتها أمينة الهيئة العامة للعمل النسائي للجماعة، وكان التأبين في بيت زوجها الأستاذ محمد أوراغ بمدينة سلا. بحضور العائلة والجيران والمعارف، بالإضافة إلى أعضاء وقيادات من الجماعة، في جو مفعم بالمحبة والوفاء، احتفاءً بحياتها ومواقفها وأخلاقها، ودورها الكبير في الدعوة والتربية والعمل الاجتماعي والسياسي والنقابي كذلك.
كانت أما وأختا وطبيبا نفسيا لكل من حولها
استُهل الحفل بقراءة جماعية لسورة ياسين، بمشاركة الحاضرين في أجواء روحانية تضفي سكينة وطمأنينة على المكان، تلتها كلمة للدكتور عبد الرحمان حرور الذي أدار الحفل إلى جانب الأستاذة أمال الوكيلي، قدم فيها العزاء لعائلة الفقيدة وجيرانها ومعارفها، ووضع الحضور في سياق هذه المناسبة، مذكّرًا بالقيم والمبادئ التي عاشت من أجلها الراحلة.
ثم تناول الكلمة زوج الفقيدة، الأستاذ محمد أوراغ، ليقدم شهادته المؤثرة في حقها، ووصفها بأنها كانت “ملاكًا على وجه الأرض”، موضحًا أنه عرفها منذ أيام الدراسة قبل أكثر من سبعة وثلاثين عامًا، ولم ير منها سوى الخير والصلاح.
وأكد أوراغ أنها لم يسبق لها في حياتها معه أن كانت مصدرا لأي مشكل في البيت مهما كان نوعه، بل كانت لينة الجانب سهلة المعشر، وكانت في محيطها بمثابة الأم والأخت والطبيب النفسي لكل من حولها، حتى لمن كان يرافقها في العيادة الطبية.
وفي حديثه عن أيامها الأخيرة، أشار إلى أنها كانت تجيب عن تفاؤلهم بالشفاء، وبعودتها معهم إلى البيت؛ بكلمات الوداع بقولها: “لن أنساكم في الأرض ولا في السماء”، معبرة بذلك عن وداعها لهم في هذه الدنيا.
نفْسٌ طيبة وهامة من هامات الدعوة
تضمن الحفل عرض شريط مصور للأستاذة حبيبة رحمها الله، تحدثت فيه عن الإمام المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله وصحبتها له، كما عرضت لها كلمةٌ عميقة في إحدى الملتقيات وجزءٌ من حفل تكريمها بمناسبة تقاعدها. وختمت الأستاذة أمان فقرة الأشرطة المعروضة بكلمة مؤثرة ووصفت الفقيدة بأنها كانت “نفسًا طيبة مطمئنة وهامة من هامات الدعوة”، وأشادت بدورها باعتبارها زوجة وسندا لزوجها ولأسرتها.
وتخللت هذا الحفل التأبيني؛ قراءات قرآنية كريمة ووصلة طيبة من فرقة السماع والمديح، قبل أن يدلي الأستاذ جمال صبري بشهادته حول الفقيدة، مؤكدًا أن الفيديو المعروض ما هو إلا جزء يسير من حياتها الزاخرة بالعطاء، وذكر في كلمته معاناة الفقيدة خلال فترة اعتقال زوجها التي استمرت ثلاث سنوات، وكيف كانت تعيش صبرًا ورضًا رغم ظروف المرض والاعتقال.
وقدمت السيدة نجية حمداوي، شقيقة الفقيدة، شهادة مؤثرة وصفت فيها الراحلة بأنها كانت “أختًا مثالية وأمًا حانية لا تعرف الملل ولا الكلل”، مؤكدة أنها ملأت حياتهم بالمحبة والعطاء، وقالت إن رؤيتها تغذي القلب والروح، وقد تركت إرثا من العطاء لا يجف ولا ينضب، وأضافت إحدى جاراتها شهادةً أخرى في حق الفقيدة، أشادت فيها بخصالها وبدورها باعتبارها جارة خيِّرة.
ومن جهتها وباسم الهيئة العامة للعمل النسائي، أدلت الأستاذة زينب الجوهري بشهادة استهلتها بقولها بأن الراحلة كان لها نصيب كبير من اسمها، فما عرفها أحد إلا دخلت قلبه بلا استئذان. وبحكم صحبتها الطويلة لها كشفت أنه وطيلة أربعة عقود من العمل والعطاء كانت بمثابة الأم الرؤوم للكثير من نساء العدل والإحسان فربت واحتضنت، كما كانت مؤمنة شاهدة بالقسط قوية من غير عنف ورفيقة من غير ضعف، خصها المولى الكريم بهمة وعزم وصبر. واسترسلت الأستاذة زينب قائلة: عهدناها مُحبّة لله ورسوله وللمؤمنين، كانت من أحاسن الناس أخلاقا، كما حرصت على العلم فاستكملت دراستها رغم العمل والمرض، وكذا استماتت في الدفاع عن أمتها، مؤكدة بأنها ستظل حية بيننا بآثار أعمالها.
وتزين هذا الحفل بإلقاء الأستاذ الشاعر منير ركراكي قصيدة شعرية بالمناسبة، تلتها كلمة للأستاذ عبد الخالق الأنباري، الذي أشاد بالراحلة ووصفها بأنها كانت “من بنات الآخرة”، مؤكداً أنها كانت تتحلى بالصبر والهدوء رغم معاناتها مع الفشل الكلوي، وكانت حاضرة في مختلف الفعاليات الدعوية والتربوية، داعية ومربية.
كثرة الشهادات خير دليل على حسن خاتمة أختنا
وكان مسك ختام فقرات الحفل، كلمة لفضيلة الأمين العام لجماعة العدل والإحسان الأستاذ محمد عبادي، أشار فيها إلى سيرة الراحلة وخصالها الحميدة، مسلطًا الضوء على حسن خاتمتها وأثر حياتها الدعوية. وقال إن اجتماع الحاضرين في هذه الليلة المباركة هو نوع من الشكر لروح الفقيدة التي كانت جزءًا مهمًا من حياة الدعوة والجماعة، واستحضر الجنازة التي مرت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال وجبت مرتين أو كما جاء في الحديث، وفسر ذلك بأن الثناء الحسن على المؤمن بعد وفاته من علامات القبول عند الله ودليل على حسن الخاتمة.
وأشار الأستاذ عبادي إلى أن مرض الفقيدة، خصوصًا في أيامها الأخيرة، هو نوع من التعسيل، وأضاف أن الابتلاءات التي تصيب الإنسان تجعله يقترب أكثر من حقيقة العبودية لله تعالى، حيث يعيش المؤمن “العبودية الاضطرارية” التي تقوده إلى تحقيق الغاية من هذه الحياة، بالاتصاف بصفات العبودية والذلة والافتقار والتسليم لله عز وجل.
وتابع الأستاذ عبادي معتبرا أن كثرة الشهادات خير دليل على حسن خاتمة أختنا التي فاضت روحها يوم الجمعة. وذكر أن الحياة الدنيا ليست إلا دار ابتلاء واختبار، وأن الإنسان مهما عاش في نعيم الدنيا فإنه لا يساوي شيئًا أمام ما أعده الله للمؤمنين في الآخرة.
استراحت من هم الدعوة وألقته على عاتقنا لنسلمه لمن بعدنا
وأضاف فضيلة الأمين العام أن الموت تحفة المؤمن، إذ ينتقل من سجن الدنيا إلى دار النعيم في الآخرة، مستشهداً بقصة سيدنا خالد بن الوليد الذي قال في آخر أيامه: “غدًا ألقى الأحبة، محمدًا وصحبه”. كما أشار إلى حال أهل غزة الذين يواجهون أعداءهم بصدور عارية غير مبالين بالموت، مستمدين القوة من إيمانهم وثقتهم بوعد الله.
وفي سياق حديثه عن الموت، قال الأستاذ عبادي إن الناس صنفان: صنف يموت فيستريح، وصنف يموت فيستراح منه. والفقيدة كانت تحمل هم الدعوة والتبليغ، فهي استراحت من هذا الهم ولكن ألقته على عاتقنا لنسلمه لمن سياتي بعدنا.
واسترسل موضحا أن من يهلك الحرث والنسل بما يقترفه من آثام هو من يستراح منه ويتخلص الكون منه ويفرح الكل بذهابه، بينما المؤمن يبكيه الناس ويحزنون ويتأثرون لفقده، وتبكيه السماء والأرض افتقادا لعمله الصالح الذي يبعث الحياة في كل شيء، لذلك يفرح به أهل الآخرة عكس أهل الدنيا.
وختم فضيلته موضحا أنه ينبغي أن نبكي على من قضى حياته بعيدًا عن الله، أما من عاش حياته في طاعة الله وفي إقبال عليه، فلا يجب أن نبكي عليه بل نفرح له، لأن الآخرة هي دار الكرم والضيافة للمؤمنين.
وخُتم الحفل بالدعاء للفقيدة بالرحمة والمغفرة، وسط أجواء مفعمة بالتأثر والحزن على فراق شخصية حاملة لهمّ الدعوة ولهمّ تربية أبناء الجماعة وبناتها وأبناء أمة رسول الله أجمعين، امرأة أثرت في محيطها وكانت قدوة في العمل التنظيمي والدعوي.