قال الله تعالى يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].
فالنفس الواحدة المقصودة هي آدم عليه السلام، وحواء هي بعضه وجزء منه. فكيف يتصور أن ينفصل البعض عن الكل أو أن يتنكر الكل لجزء منه؟
لم تسد الفرقة والاختلاف في العلاقات الزوجية إلا عندما غابت المودة والرحمة، الموصوف بها هذا الرباط القوي الذي يجمع الزوجين ليحقق كل منهما عبوديته لله ويمتثل أمر الله تعالى بابتغاء الدار الآخرة فيما أتاه الله وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (القصص 77). فالإحسان إلى الزوج (المرأة \ الرجل) هو سبيل الفوز في الآخرة والارتقاء في الدرجات.
إن لم يكسب إنسان خيرا في أقرب ما آتاه الله فكيف ترجى خيريته في ما دونه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “خيركم ,خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي” رواه الترمذي وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها. وفي كتاب الله تعالى وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ سورة الروم -21.
المودة، ذلك اللقاء الدافئ، لا تكون إلا برحمة، ولا تتحقق إلا بأمور أساسية أهمها:
– التواصل الفعال الذي يعد أساس أي علاقة، فإذا تجمل بحسن الظن والوضوح والإصغاء باهتمام طبع بطابع الإحسان، وكان سببا في بناء الثقة المتبادلة بين الزوجين، وتقوية العلاقة بينهما، وتثبيت الاستقرار الأسري والاجتماعي للأسرة.
– مراعاة الاختلاف بين الزوجين (الجنسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي…) الذي وجب مراعاته عند اختيار الزوج أو التعامل معه بعد ذلك بتفهم سلوكات شريك الحياة والوعي بطاقة تحمله، فربنا عز وجل يقول لا يكلف الله نفسا الا وسعها، هذا في أمور الدين. فكيف بشؤون الحياة الفانية؟
– التعامل بالفضل بابتغاء الأجر عند الله، فهو المعين لأحد الزوجين أو كليهما على التغافل والمداراة لتجاوز هفوات شريك الحياة حتى لا تتطور إلى خلافات، وإلا فتدخل طرف ثالث استشاري وخبير يصبح ضروريا لعلاج ما يمكن علاجه.
– التجرد من الأنانية والكبرياء الذي يدفع صاحبه للانتصار للنفس ونسيان الهدف الأسمى من هذه العلاقة المحروسة بعين الله ترعاها ما رعاها أصحابها بالدعاء والتضرع للمولى جلت قدرته أن يحفظ ويبارك. فحتى مع الحيلة والقدرة، لابد لنا من عون الله على نوائب الدهر.
الأمر أعظم من أن يرى المؤمن والمؤمنة في زوجه وأسرته متاع وزينة الحياة الدنيا فقط، بل وجب عليهما الوعي بمسؤوليتهما المشتركة في بناء الصرح الذي سيسكنانه عند لقاء ربهما يوم ينظر هل وفّيا أم ضيعا الأمانة، قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ سورة التحريم -6.
هذا ما ينبغي لعباد الله أن ينظروا إليه فإذا كان القصد والوجهة الله، هان ما دون ذلك، لأن المطلب عظيم والغاية أسمى، وإلا فالخبراء الأسريون قد ألفوا ما ألفوا ولم يستطيعوا الرقي بالأزواج إلى ما أراده الله لهم من خيري الدنيا والآخرة باتباع الهدي النبوي في المعاملات الأسرية.