كلما استعصى علي أمر، إلا وأجد بغيتي عند مرشدي ومعلمي الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله من خلال صحبتي له عبر ما خلفه من إرث علمي تربوي، وهو الأب الحنون والمرشد الحكيم، كان آخر ما أقلق فؤادي: الاستحواذ الكبير للإنترنت والعولمة الثقافية المرتبطة بتدفق كم هائل من المعلومات على عقول الشباب وقلوبهم، وما فرضته عليهم من أفكار وقيم.
فشباب اليوم أصبحوا فريسة سهلة لمنصات التواصل الاجتماعي، إذ يعيشون تضاربا في المشاعر بسبب تصفحهم لمجموعة من المقاطع الموجودة في مختلف الصفحات الإلكترونية بشكل سريع وملفت، ففي نفس اللحظة التي يشاهد فيها مقاطع من تجويد القرآن الكريم، تمر عليه مقاطع متناقضة، إما لفتاة ترقص أو امرأة تطبخ أو موسيقى صاخبة أو إعلان عن ماركات عالمية معينة أو اختفاء طفلة في ظروف غامضة أو صور لشهداء غزة… وهو ما تسبب في تبلد المشاعر، وفقدان البوصلة.
يتساءل الإمام في هذا الباب: “كيف أكتمل راشدا في ظروف سفيهة؟ … بأية عقيدة؟ لأية غاية؟ لأية أهداف؟ مع أي سراب؟ بأية أخلاق؟” (رسالة إلى الطالب والطالبة إلى كل مسلم ومسلمة، ص8)، تساؤلات الإمام تحمل في طياتها إجابات واضحة لمن يعقل بقلب سليم، وتؤكدها دعوته إلى ضرورة استعادة “التربية الإيمانية الإحسانية العلمية الجهادية شتاتها على امتداد القرون الفتنوية الطويلة. تشتَّتَت التربية وانبهمت لتشتت العلم وأهل العلم حتى أصبح علم التربية ووجود مؤهلات خاصة للتربية عطاء، وتلقيا، أمورا غريبة غربة الإسلام نفسه” (سنة الله، ص260).
نعم، إن التربية الإيمانية الإحسانية العلمية الجهادية هي تربية شاملة كاملة غير هاملة، وهي ما يجب الحرص على تلقينه للشباب، فالتغيير الذي يحتاجه الشباب يجب أن يوجه أولا نحو القلب، تلك المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وجسد الأمة قوامه الشباب وهو أحوج إلى هذا التغيير، خاصة في عصرنا اليوم وما تعيشه من هوان وغثائية وضعف.
لكن، هل تكفي التربية؟ هل سنواجه المستقبل بشباب تربى على الأمانة والصدق ورصيده العلمي صفر؟ وجدت الإمام ينبهني بأن “مسؤوليتنا أن نجند الشباب لمعركة العلم، وأن نسترجع أدمغتنا من بلاد الجاهلية، ونحبك شبكة علمية نجمع فيها الخبرات المتاحة، لنبدأ عملية تأثيل التكنولوجيا في بلادنا، وتوطينها، وتغذيتها، وإشاعتها، وتصنيعها” (المنهاج النبوي، ص326). يعد العلم من أهم الوسائل التي تبعد الشباب عن التفاهة والعبثية، وغيابه سيضعف الإرادة الحرة، بل وسيشكل عقبة أمام تطور أمة الإسلام، بل وعدها الإمام ثغرة “فقر الأمة من الرجال المسلحين بالإرادة الإيمانية والعلوم التكنولوجية الكفيلة بخدمة تلك الإرادة وتنفيذ عزماتها حتى تتحول أماني الأمة من عالم الأحلام إلى عالم الواقع” (المنهاج النبوي، ص223).
لقد أشار الإمام إلى مسؤوليتنا في توجيه الشباب وإرشادهم، فما المقصود بنا الدالة على الجماعة؟ إنهم الآباء والأمهات، والعلماء والمدرسة والإعلام… فكلنا مسؤولون عن هذه الواجهة، فمرحلة البناء محتاجة إلى تضافر الجهود من الجميع لإنشاء جيل صالح للدعوة إلى الله عز وجل، مشبع بمعاني الخوف من الله والحياء منه واتباع سنة رسوله الكريم، يعيش في توبة دائمة متجددة تعصمه من الاستسلام الكلي لشروط الواقع المفتون المحيط به.