وفي مدينة بوعرفة الكئيبة البئيسة المكتوم على أنفاسها تحل هذه الذكرى بعد أيام، ففي ليلة، مباركة، ليلة 13/06/2006، كان رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، شباب في العشرينات والثلاثينات من العمر لا يخشون في الله لومة لائم، يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتدارسون القرآن العظيم في مجلس عظيم من المجالس التربوية لجماعة العدل والإحسان وهو “مجلس النصيحة”، في بيت أخيهم السيد حسن عطواني. وبينما هم على حالهم ذاك طرق باب المنزل رجال نظام لا يخشى في الظلم لومة لائم: أصناف ودرجات – أو دركات لا ندري – مختلفة من رجال الأمن اضطروهم إلى التوقف عن ذكر الله عز وجل ومدارسة القرآن ونقلوهم إلى مقر الأمن، حيث أتموا ليلتهم الربانية بقيام الليل وسط باحة مقر الأمن في مشهد لم يشهده ذلك المكان أبدا باعتراف العاملين به.
اتهم هؤلاء بعقد تجمعات عمومية بدون ترخيص وحوكموا وعوقبوا، وقاموا بتشميع منزل السيد حسن عطواني لأنه آوى تجمعا عموميا حسب فهم قانونيو النظام، علما أن ظهير 377-58-1 المتعلق بالحريات العامة في مادته الأولى يعرّف التجمع العمومي بكونه جمع مؤقت مدبر مباح للعموم، في حين أن الشباب أعلاه كانوا في جمع خاص بأعضاء جماعة العدل والإحسان ولم يحضره سواهم وكان باب المنزل مغلقا تعبيرا عن خصوصية المجلس. وهذه الخصوصية وكون باب المنزل مغلقا هو الحيثية التي استندت إليها مجموعة من المحاكم المغربية للحكم ببراءة أعضاء جماعة العدل والإحسان في مجموعة من ملفات مثل هذه. ومن جهة أخرى فإن نفس القانون أعلاه في المادة الثانية وما بعدها والتي تنظم تلك التجمعات لا تنص على أي مقتضى اسمه الترخيص وإنما تتحدث عن التصريح، وشتان بين الترخيص والتصريح، فالأول يفترض تقديم طلب عقد التجمع إلى الجهة المعنية ويعطي بالتالي لهذه الأخيرة حق القبول أو الرفض… في حين أن التصريح هو مجرد إعلام وإخبار للجهة المعنية بالنية في عقد الجمع، وهذا القول طبعا يسري على الاجتماعات العمومية، أما اذا كان الأمر يتعلق بالتجمعات الخاصة كما هو حال الشباب أعلاه فلا يسري ولا ينطبق عليه.
والخرق الثالث فخرق فج وهو إغلاق وتشميع البيت منذ ذلك التاريخ (13/06/2006)، لأنه من جهة ليس في النصوص الجزائية للقانون أعلاه أي نص يسمح للسلطة بتشميع البيوت ولو في حالة مخالفة القانون أعلاه فبالأحرى عندما لا يرتكب الشخص أي خرق، كما أن القانون الجنائي نص على تدبير التشميع في حالات خاصة ومحصورة كوقوع جريمة قتل مثلا أو ما يشكل خطرا على النظام العام… وهذا لا ينطبق على حالة الشباب الموصوفة أعلاه.
ومن جهة أخرى اعتمدت السلطة أسلوب الإبهام والغموض في التشميع الظالم إذ انها لم تبين المسطرة المنجزة طبيعة الإجراء في أول الأمر، أهو إجراء قضائي؟ أم إداري؟ لأن المسطرة التي أنجزها الأمن لم تتضمن ذلك كما أن النيابة العامة غضت الطرف عن ذلك عمدا لكي لا تتمكن المحكمة من البت في هذه النقطة، كما أنه من جهة رابعة لم يتم تحديد الجهة التي أمرت بالتشميع، والدليل على ذلك هو أن السيد حسن عطواني وكذلك الأستاذ محمد عبادي وجه كل واحد منهما رسائل وتظلمات إلى السادة وكلاء الملك بالمحاكم الابتدائية والسيد الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بوجدة والسيد وزير العدل، إلا أن الجواب الذي تلقاه السيد حسن عطواني من السيد الوكيل العام هو أن جهات إدارية عليا هي التي يعود إليها الأمر دون بيان هذه الجهة ولا بيان الوثيقة أو الأمر قضائيا كان أو اداريا الذي بمقتضاه تم التشميع، حتى يتسنى للمعني بالأمر ممارسة حقه الدستوري في التقاضي.
قصد الأستاذ محمد عبادي وكذا الأستاذ حسن عطواني المحكمة الإدارية بوجدة فقضت بعدم الاختصاص أما المحكمة الجنحية فلم يجز لها قانونا البت في الموضوع لعدم توفر الملف على وثيقة تثبت أن إجراء التشميع عمل قضائي.
هكذا تهدر حقوق المواطنين وتخرق حقوق الإنسان في بلد دستر حقوق الإنسان!! هكذا ينبذ النظام القوانين التي سطرها وراء ظهره ويتعامل مع المواطنين ب”مدونة الظلم والفساد والاستبداد” مدونة رسّبها منذ قرون مدونة غير مكتوبة ويمارسها أشباح بواسطة مؤسسات وأشخاص معلومة.
هكذا يقول المخزن لابن العدل والإحسان قف، أنت متهم بالانتماء إلى جماعة العدل والإحسان، ليس لك الحق أن تقيم وليمة كباقي المواطنين، إذا ازداد لك مولود فليس لك حق إقامة العقيقة، وإن كانت العقيقة سنة وإلا عوقبت بالتجمع العمومي، وإذا تزوجت فافعل في صمت وإلا… وإذا مت أنت أو مات أحد من ذويك فموتوا سرّا وإلا… وإذا قصدت الحج ف… وإلا… وإذا دعاك جارك إلى وليمة فإن تلبيتك الدعوة وإن كانت سنّة تُعرّض جارك للخطر…. لا تتحدث في المساجد ولو بالموعظة الحسنة، لا تتظاهر، ولا تحتج في الأماكن العمومية، وليس لك حق ذلك، ولا تجتمع بغيرك داخل بيتك ولا خارجه… أكتم أنفاسك حتى لا يعلم غيرك أي نسيم تتنسمه ولا أي حديث تحدّث به، لا تتصل بالغير واحذّر الغير منك…
هكذا يسعى النظام إلى محاربة الجماعة وتشويهها بكل ما أوتي من قوة مستعملا القنوات والجرائد والمجلات والأقلام والدعاية المأجورة… أكيد أن كل ذلك سقط ويسقط وفي الوحل، وتذهب الدعاية الكاذبة والمأجورة سدى، فالناس عرفوا النظام وخبروه وجربوه لما يزيد عن نصف قرن وأيقنوا أن وعوده المعسولة كلها كذب وسراب وعرف الناس بفطرتهم التي فطرهم الله عز وجل عليها من يخدم هذا الدين ومن يهدمه ويخرّبه من الداخل، ومن يسعى لعزة هذا الوطن العزيز بصدق، ومن باع المجالات الحيوية والاستراتيجية وأفسد التعليم والصحة… ورهن البلاد والعباد وأحدث نزيفا في مستقبل الأجيال القادمة من أبناء هذا الوطن العزيز.
ست سنوات على تشميع بيت الأستاذ حسن عطواني ذلك الرجل الوقور ذي الطلعة البهية القوي البنية، الأصلع الرأس والأبيض اللحية… ستة سنوات من الظلم البغيض في حق هذا الرجل وعائلته الصغيرة والكبيرة.
ست سنوات على تشميع ذاك البيت المعمور، كان معمورا بذكر الله عز وجل، معمورا بمجالس تحف أصحابها الملائكة تغشّيهم الرحمة ويذكرهم الله في من عنده، مجالس تبحث عنها ملائكة الله السيارة، مجالس جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتعا للمؤمنين…
ست سنوات على تشميع ذاك البيت المعمور، حرمت منه الأجساد وبقي معمورا بأرواح من كان يرتاده وحبسهم العذر وبالملائكة التي كانت تحفهم وتغشيهم وتذكرهم في من عند الله عز وجل… ويبقى البيت معمورا رغم أنف من إدّارك علمه في الآخرة: الظالمين والفاسدين والمفسدين والمستبدين .
ست سنوات من إهمال البيت ممن شمعه وحرمان صاحب البيت من تفقده وإصلاحه، ستة سنوات من تعمدهم الإضرار بالبيت وصاحبه وهم يتحملون قانونا مسؤولية أي ضرر يلحق بالبيت ويتحملون مسؤولية جبره… تلكم قصة هذا “البيت المعمور” ببوعرفة، وهي تختزل الظلم والقمع والقهر المستمر والتهميش وسياسة اللامبالاة والحكرة الممنهجة المتعمدة التي تمارس ضد المدينة وأهلها في الوقت الذي تحتاج فيه إلى مناصب الشغل وتحسين الخدمات الاجتماعية خاصة الصحة والتعليم… لا إلى مظاهر براقة مقابل جيوب وثلاجات إن وجدت وموائد تشكو إلى الله وتحتسب.
ست سنوات على تشميع البيوت لكن تبقى القلوب حرة طليقة موصولة بالله عبودية وموصولة ببعضها البعض حبّا في الله عز وجل، وهذا ما لن تشمعه الأقفال ولن تشتته الأسلحة، وما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل. يقول الله عز وجل: فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، ويقول أيضا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون صدق الله العظيم.