إن الطفل يتأثر بكل ما يجري حوله من الأنشطة وأشكال التعبير والتواصل التي تسري في المجتمع المحيط به؛ يتفاعل معها إيجابيا أو سلبيا، كما يتفاعل مع بقية الرسائل التواصلية التي تفِدُ عليه بشكل تلقائي، وتساهم في بناء شخصيته المستقبلية.
ولا شك أن أصداء المناسبات الدينية والوطنية والحركات الاحتجاجية التي يعرفها الشارع المغربي خاصة والعربي عامة، تصله عبر معايشته لها في الواقع، أو عبر الصوت والصورة، وتؤثر فيه تأثيرا قويا. الطفل إذن ليس بمعزل عما يجري حوله. والسؤال المطروح هو: كيف نوظف، تربويا، هذه المناسبات الدينية والوطنية والأحداث المجتمعية لتساهم في بناء شخصية الطفل شخصية مؤمنة مقتحمة، تنهل من الوحي وتستقي من التطور العلمي وذكائه الاصطناعي، ليكون فاعلا في المجتمع بما يفيد الأمة المسلمة. كيف نشركه في تلك المحطات ليتشرب منها وعيه؟
ما يراه الطفل اليوم من مشاهد احتفالية وتحولات مجتمعية تنطوي على قيم وسلوك، تنسج في وعيه مبادئ أخلاقية، سرعان ما تتحول إلى قناعات راسخة، تساهم في تسطير معالم رؤيته لنفسه ولمحيطة الاجتماعي. ما يراه اليوم يصير غدا من ذكريات طفولته، وسيرويها للأجيال المقبلة التي لم تعش الأحداث، تماما كما نروي نحن اليوم لأبنائنا الأحداث التي عشناها في النصف الثاني من القرن الماضي. هذه الأحداث تؤسس لشخصية الطفل، وبشكل تدريجي، على المنوال التالي:
أولا: فهو اليوم يرى مشهدا واقعيا لحفل ديني (إحياء ذكرى المولد النبوي، مثلا) أو وطني (إحياء ذكرى الاستقلال) أو حركة مجتمعية (وقفة احتجاجية تضامنية مع الشعب الفلسطيني) فيرى الناس يتفاعلون مع الحدث. وتنطبع في مخيلته أجزاء المشهد بكل ما تحمله من صوت وصورة ومشاعر وحوارات جانبية وردود فعل هنا وهناك. تضاف تلك المشاهد إلى مكتسباته القبلية، التي تلقاها من الأسرة أو المدرسة أو الإعلام، لتخلق لديه ميلا، ينمو تدريجيا، في اتجاه تحوله إلى قناعة راسخة.
ثانيا: وبفعل معايشته لتلك الأحداث، حضورا أو مشاركة، يصير المشهد مقبولا عند الطفل، خصوصا إذا كان الوسط الذي يعيش فيه يعطيها قراءة إيجابية. فيكون آنذاك معجبا بتلك المشاهد الاحتفالية والتحولات التي يراها في الشارع، ويقبلها كفكرة وكحدث، فيجد نفسه مشاركا فيها بشكل تلقائي. آنئذٍ تنطبع القيم المرتبطة بتلك الأحداث في عقله اللاواعي، فتصير جزءا من شخصيته وتحكم تفكيره. وأما إذا كان محيطه الأسري يعطيها قراءة سلبية فإن الطفل غالبا ما يتأثر بتلك القراءة السلبية، فينفر من تلك المشاهد وتلك الأحداث، وبذلك فهي ستبقى في ذاكرته كبقية ذكريات الطفولة، ولكنها لن تشكل مكونا من مكونات قناعاته. نأخذ النموذج الأول (نموذج الطفل المشارك) كمثال لتحليل فعل ما يحدث وأثره في نفسية الطفل.
ثالثا: تجتمع لديه، بشكل تلقائي دعائم تعزز ما أصبح معجبا به، وهذه الدعائم تتنوع مصادرها، فتكون إما برامج تلفزية يرى فيها بالصوت والصورة، الاحتفال بذكرى المولد النبوي أو الاحتفال بذكرى الاستقلال أو حديثا عن القضية الفلسطينية. وقد تكون الدعائم كلاما تم تداولها في الأسرة أو مع أصدقاء الأسرة حول الاحتفال بالذكرى أو الحدث، وقد تكون إعجابا بحديث تداوله الأطفال الأقران بينهم حوله، كل هذه المشاهد تدعم ما أصبح مقبولا عنده.
رابعا: بعد أن تكتسي تلك المشاهد صفة المقبولية لدى الطفل، تتحول إلى صور ذهنية وتخيلات تتردد في ذهنه، فيعيش الذكرى أو الحدث بداخله في يومه أو في نومه أو في أحلام اليقظة. ويعيشها واقعيا خارج المنزل متى أتيح له ذلك.
خامسا: وبفعل التكرار تشكل الذكرى أو الحدث قناعة لدى الطفل، تعزز إيمانه وتنسج في بناء أفكاره، فيتحمس للمشاركة في تنظيم محطات مشابهة تسقي إيمانه وقناعته وتتشرب منه شخصيته. وبفعل التكرار يشكل الحدث قناعة. مثلا: “الاحتجاج على الظلم طريق لتغييره”. ويندفع بقوة نحو المشاركة في الوقفات والمسيرات الاحتجاجية.
سادسا: ومع تطور النمو تصبح هذه القناعة جزءا من شخصيته، يدافع عنها أمام أقرانه بأسلوبه الخاص. فلا يدع لقاء ولا مجلسا إلا عبر عنها، ودافع عنها بكل ما أوتي من حجج.
سابعا: تنمو شخصيته مع هذه القناعة وتتشكل لديه شخصية مقتحمة، بفعل عوامل أخرى داعمة يصادفها في شبابه.
واضح إذا أن حضور الأطفال في المناسبات الدينية والوطنية والأحداث المجتمعية يساهم في تكوين الشخصيات القيادية المقتحمة، وصناعة أجيال تبني مستقبل الأمة.