بقلم: بشرى أبو الطيب
وأنت تشاهد المسجد الأقصى في ليالي الشتاء الباردة، غاصا بالمصلين المقدسيين في صرخة نصرة لبيت المقدس تلبية لنداء “الفجر العظيم”، أمام تنكيل وتدنيس الآلة الصهيونية للمقدسيين والمسجد الأقصى، تستبشر خيرا بأمل وشيك في انبعاث هذه الأمة الغثاء، ونفض غبار انحطاط قروني عنها. قد نقضت عرى دينها وآخر عروة الصلاة.
الخيرية باقية ما بقيت طائفة من هذه الأمة تدعو إلى الله تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. وفي ذات الوقت وأنت تتدبر كتاب الله عز وجل تصفع قلبك الغافل عن سنن الله في كنه قوله تعالى فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا 1، تتساءل أيعقل أن نكون من هذا الخلف الذين ضيعوا الصلاة؟ وهل ضياعها أحد أسباب تحول الأمة من العزة إلى الذلة؟
1- وأقم الصلاة:
الصلاة عمود أبنية الإسلام الخمس وأول باب يدخله التائب إلى الله بعد الطهارة والإقبال عليه. محراب الصلة والسجود والتوبة، وتوثيق العروة بالله. يكررها العبد خمس مرات فريضة، ويتزلف بها نافلة في نهاره وليله. مجمع الذكر والدعاء “ولذكر الله أكبر”. اعتبرتها النبوة عروة من عرى الدين لأنها جامعة المسلمين على التوحيد مانعة عن تفشي الفحش والمنكر، بكثرة الخطى إلى المساجد في الجماعات والجمع لتأديتها، فهل هي محصورة في حركات الركوع والسجود فقط؟ أم هي إقامة لبنيان الإيمان والإحسان في الفرد والجماعة والأمة؟
يقول تعالى في سورة العنكبوت وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر 2. إقامة الصلاة شاملة للصلاة بطهارتها وخشوعها الظاهر والباطن، وبأن تكون الباعثة على إقامة حدود الله في الأرض مع النفس والخلق. “وأقم” تكررت كثيرا في سور القرآن، وارتبطت بالقبلة والصلاة؛ إقامة الوجه والجوارح الظاهرة للقبلة ابتغاء مرضاة الله ذكرا ودعاء وتذللا في المحراب وأقم الصلاة لذكري 3 يقتضي امتثال القلب للمعبود: الله جل جلاله، فلا تُنتهك حرماته ولا تؤتى معصيته ولا يؤذى خلقه. فالإقامة قيام لله بالحق أثناء الصلاة وبعد الانتشار في الأرض. عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا صلاة لمن لم يطع الصلاة، وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر” 4.
فما بال صلاة المسلمين اليوم في خصام تام مع أخلاقهم وفعالهم، وقد اعترى النفاق والشقاق الأقوال والمعاملات؟ فكأن المسلم يقضيها في المسجد أو في محراب بيته، ويسارع الخطى ليذوب في فتنة لا يتبين حلالها من حرامها وشبهها؟ قال الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن فلانا يصلي بالليل فإذا أصبح سرق؟ فقال: “إنه سينهاه ما يقول” 5، بمعنى ستنهاه صلاته عن فعلته.
2-خلف بعد النبوة
جاءت الآية الكريمة فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، بعد تسلسل حكيم لعهد الأنبياء والرسل عليهم السلام “ومن اتبعهم من القائمين بحدود الله وأوامره المؤدين فرائض الله، التاركين لزواجره”. والخلف “هم في هذه الأمة في آخر الزمان” 6، كما قال مجاهد وأضاف: “عند قيام الساعة وذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينزو بعضهم على بعض في الأزقة. ويتراكبون تراكب الأنعام والحمر في الطرق، لا يخافون الله في السماء، ولا يستحيون الناس في الأرض” 7 نفاقا وفجورا.
وقال الزجاج: “خلف بتسكين اللام” عقب سوء. وقال أهل اللغة: “يقال لعقب الخير خلف بفتح اللام، ولعقب الشر خلف بسكون اللام” 8. واقع الحال ينبئ عما تحمله الآية من معان الخلف المضيعين للصلاة في هذه الأمة ضياع أوقات وإقامة حدود وأمانة حقوق، وعدم إنكار للمنكر وأمر بالمعروف وتفشي المظالم وغيره من فساد الذمم.
ولنا في منهاج رسول الله البشارة العظمى بيقظة صادقي هذه الأمة المؤمنين في القيام بالقسط بين الناس، بدءً من الصلاة فلا يعمر مساجد الله منافق ظالم. فالصلاة يقظة قلبية وموعظة في زمن الغافلين.
في سورة (المؤمنون) تكرر الحث والتأكيد الشديد على الصلاة، وأنها من صدق برهان إيمان المؤمنين بينهم وبين مولاهم وإبان اختلاطهم بالناس قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون 9. ويشمل التعبد والمعاملات والأخلاق، لا فصام بين خشوع المؤمن في الصلاة وإحسانه بين الناس وبين حفظه الأعراض وإقامته الصلاة ورعاية الأمانة. وأعظم الأمانة تبليغ الدعوة للناس والذود عن قضايا الأمة ومقدساتها.