تحصين العلاقة بين الزوجين

Cover Image for تحصين العلاقة بين الزوجين
نشر بتاريخ

تقديم :

تنوير الأمة بمقومات شريعتها وصيانتها من الفساد والانحلال من الأمور اللازمة خاصة في عصر كثرت فيه المؤثرات والمفسدات بما في ذلك قنوات الإعلام السمعية والبصرية وما تفرزه من سموم تفسد شخصية الإنسان وتذهب أصالته .

ومن الأمور الواجب تناولها، العلاقة بين الزوجين وكيف نظر إليها الإسلام ونظّر لها خاصة ما يتعلق بالنداء الفطري الغريزي الجسدي، وكما هو غير خاف على أحد فإن الإسلام وضع غريزة الجنس موضعها ولم يحتقر ذلك النداء الطبيعي، بل نظر إلى علاقة الرجل بالمرأة نظرة سامية بقدر ما هي واقعية.

سمو العلاقة الحميمية بين الزوجين :

الرغبة في ما يُسعد جسم الزوجين من الناحية النفسية تشبه تماما الرغبة في الطعام والشراب وهي تتضاعف كثيرا بالامتناع عن ممارستها أو الاستغناء عنها ويقل أثرها مؤقتا بالإشباع، وعندما تلح على المرء فإنها تطغى على كل شيء في إدراكه، فتتوارى كافة الرغبات الأخرى ويأتي أعمالا يظهر بعد ذلك أنها غير سليمة بل قد تدفعه لارتكاب المحرمات والكبائر.

والإسلام حف العلاقة الحميمية بين الزوجين بسياج متين وربطها بالجانب النفسي والخلقي حيث يقول عز وجل: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة 1 فالحياة الزوجية السليمة أساسها علاقة سليمة بين الطرفين الزوجين كي تكون واحة للسكن النفسي والجسدي لأن العناية بحسن العشرة والعمل على إكرام الزوجين لبعضهما البعض من كمال الإيمان، وحسن المنزلة في الإسلام، ولأن سمو ونجاح العلاقة العاطفية والحميمية بين الزوجين له تأثير على الحياة الزوجية في ديمومتها وهيمنة السكينة عليها، ولأن القصور وتقصير الطرفين أو أحدهما قد يؤدي الى ضعف هذه العلاقة ونشأة بذرة الكراهة والنفور بينهما فيتسبب ذلك في الخصام والشجار ثم الفراق.

شرعية النكاح:

ان النكاح شرع لأجل التحصين من جريمة الزنا، والبعد عن الوقوع في الفاحشة، وكل ما يدعو الى التمكن من هذا التحصين والإعانة عليه فهو واجب بلا خلاف، قال تعالى: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن 2 فكل طرف – من الزوجين – متعفف بصاحبه، ولا يحصل هذا إلا بتمكن كل واحد منهما بجميع ما يحصل به العفاف عن التطلع إلى سواهما.

يشتكي الكثير من الأزواج من امتناع زوجاتهم عن الجماع وفق أوضاع معينة وفي أوقات مختلفة، وتشتكي الزوجات من غلظة أزواجهن وجفائهم وعدم معاشرتهم بالمعروف والإحسان، فتفتقر الحياة الزوجية إلى الحب والمودة اللذان هما الشرطان في تمتع كل منهما بالآخر فتكفهر سماء السكينة والمودة ويحل محلهما العواصف والزوابع التي من شأنها أن تعصف بهذه العلاقة الزوجية نهائيا أو تبقي على شكلها الظاهر لأسباب اجتماعية أو غيرها وهي في جوهرها خربة، ما قد يفتح الباب على مصراعيه لأحدهما أو كليهما للسقوط في رذيلة الزنا التي تعتبر من الممارسات التي طلب من المسلمين تركها بل نهوا حتى من الاقتراب منها ، قال عز وجل: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا 3 ، وهي كذلك من الوصايا التي وردت في القرآن الكريم بخصوص بيعة النساء في سورة الممتحنة، قال تعالى: يا أيها النبيء إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم 4 .

التمتع المتبادل بين الزوجين :

قال تعالى: نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم 5 ، فالأمر متروك لجميع ما يكون فيه كمال اللذة والتمتع ببعضهما البعض مفتوحا فيما يرجع لرغبة الزوجين إلا ما تم تحريمه كالمباشرة في حلقة الدبر والمباشرة أثناء الحيض والنفاس، مع العلم أن كل كلمة أو حركة تصب في اتجاه تحصين الزوجين لبعضهما البعض يكون لهما أجر وفق ما ورد في الحديث النبوي التالي: قال صلى الله عليه وسلم: “وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إن وضعها في الحلال كان له أجر” رواه مسلم.

وبالعودة إلى الارتباط الوثيق بين العلاقة الحميمية بين الزوجين والمودة والرحمة وحسن الخلق، كفل الشرع مصلحة الزوجين، قال تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف 6 ، كما أن الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، شدد على أهمية حسن الخلق والمعاملة الحسنة كسلوك نفسي وأخلاقي لا ينفصل عن العلاقة الحميمية، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: “يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر يومه ألا يستحي ألا يستحي”، فالأمر قد يتجاوز الجلد المادي إلى كل أنواع الجلد المعنوي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي.

وأخيرا يبقى سعي الزوجين الحثيث لدفع الضرر عن بعضهما البعض وبذل قصارى جهدهما لتحصين العلاقة بينهما وجعلها في حصن حصين وحرز حريز من كل ما من شأنه إحداث تشققات وتصدعات قد تتسع فتؤدي الى الانهيار لا قدر الله، الدرع الحامي لزواجهما وأسرتهما ومجتمعهما، ويجعلهما في مأمن مما حرمه الله أما قرب إليه.


[1] سورة الروم الآية 21.
[2] سورة البقرة الآية 187.
[3] سورة الإسراء الآية 32.
[4] سورة الممتحنة الآية 11.
[5] سورة البقرة الآية 223.
[6] سورة البقرة 228.