إن ما نعيشه اليوم من تخبطات اجتماعية وسياسية واقتصادية، وما إلى غير ذلك من مشاكل عويصة ومستجدات متنوعة، وما نواجهه من آفات وتناقضات سواء على مستوى المعاملات أو على مستوى القيم الأخلاقية، وما نراه واقعا مريرا في مجتمعنا الآني، راجع لعدم تحكيم كتاب الله تعالى وسنة نبينا الكريم في الحياة، وهو ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث شريف؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله و سنتي”.
وحري بالأمة اليوم، أمام ما يعترضها من تحديات تهدف لتمزيق وحدة الأمة وتشتيت فكرها وإبعادها عن شريعة القرآن وإرثها النبوي الشريف، أن تستعيد الأخذ بأسباب عزتها وكرامتها رجوعا إلى الله تعالى، وتحكيما لأمره المبثوث في كتابه الكريم وسنة نبيه الرحيم صلى الله عليه وسلم.
على المسلم أن يعي أن القرآن الكريم هو أصل التشريع، وهو الحكم والفاصل بين الهدى والضلالة، بين الحق والباطل. ولا يمكن للقرآن أن يتبوأ المنزلة العليا التي كان عليها في عهد رسول الله ﷺ وصحابته الأخيار، والمكانة العظمى التي كان يحتلها كإطار مرجعي، إن لم يعِ المسلمون فرادى وأمة حيثيات هذه المرحلة التاريخية الدقيقة التي نعيشها، مع إدراك الأسباب والمسببات التي أدت إلى هذا الانحدار في الدين، والبعد والفرقة عن كتاب الله تعالى، ليقفوا في وجهها منافحين عن انتمائهم لله سبحانه وتعالى ولرسوله الكريم، وليس للحضارة المسيطرة على العقل البشري، المنتصرة لفكرة “نحلة الغالب”؛ تدور معه حيث دار، وتعيد استهلاك إنتاجه الذي أكدت الأحداث الجارية قصوره عن تحقيق مطامح العدل والكرامة والمساواة في الدنيا، ناهيك عن خسران الآخرة، وهي أكبر الخسارة.
لقد كان القرآن الكريم دستور حياة في العهد النبوي وحجر الزاوية في كل الأمور، فتم بذلك التأسيس لحضارة إسلامية عريقة قوية منتسبة لربها خلقا وعبادة ومعاملة وسلوكا، مما نتج عنه تربية جيل مؤمن مستمسك بالحبل المتين، سائر وفق منهاج نبوي سليم العقيدة واضح المعالم، يعلم أن القرآن الكريم هو العروة الوثقى؛ يحكم بحكمه ويستهدي بهديه، يحل حلاله ويحرم حرامه ويبتعد عن الشبهات، وهو ما قل في زماننا هذا، فلم يعد المسلم يأخذ دينه بقوة، واختلط الحلال بالحرام بالشبهات، فقل من يعرف الحق ويعمل به وينكر الباطل ويتركه ويدعو لاجتنابه، كل ذلك بسبب البعد عن الدين والالتفات عن القرآن والسنة والانشغال بفتن الدنيا وزينتها.
أخرج رسول الله ﷺ العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، عن طريق دلالتهم على وظيفتهم التي خلقوا لأجلها، وتعليمهم دينهم وإرشادهم إلى كيفية عيش دنياهم، وربطهم بمصيرهم الفردي والجماعي، مربيا إياهم على حب الله ورسوله، والتمسك بكتابهم وبسنته، محاربا جميع أشكال التحزب والفرقة التي كانت تسود المجتمعات الجاهلية.
ودعا ﷺ إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما أصبحنا نفتقده، بل ولم يعد مستساغا بدعوى الحرية، وأدخلت النصيحة في الإكراه، وانكمش أصحاب الحق على أنفسهم وتمدد أهل الباطل، فأصبحت الأمة الإسلامية غثاء كغثاء السيل. نبذ فريق كبير من الأمة الإسلامية القرآن شرعة ومنهاجا، حفظا وتلاوة وتدبرا، فأصبحوا يتخبطون على غير هدى، فكان من الطبيعي أن يصيب الأمة الوهن، وتفقد التأييد الإلهي، فتعيش ما نراه اليوم من التخلف والضعف ومن تكالب الاستكبار العالمي على المسلمين في جميع بقاع الأرض.
إن دواء دائنا يكمن في الرجوع إلى كتاب ربنا، نقرأه ونحفظه ونتعلم أحكامه ونعمل بها؛ فهو المنبع وهو سفينة النجاة، وهو الضابط لكل شيء في الكون، نستمد منه ونتحصن به كما استمد وتحصن به السلف الصالح.
فبالقرآن تتضح الرؤية وتصفو، وبه تحسم المواقف وتعرف الأحكام، وبه يتم العمل على بصيرة وعلم واجتهاد، طامحين لما عند الله من خير الدنيا ونعيم الآخرة.