بقلم: صلاح الدين المساوي
في زمن العولمة والهيمنة التكنولوجيا قد يصعب على المرء تحديد طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه، فهو يضرب في الأرض، ويمر على أقوام، ويرى مشاهد شتى، بل ويشارك ويخوض معارك جمة، ثم يعود إلى مقعده فيجده لازال دافئا!!
إنه زمن الخوارق حقا! أو قل زمن القطيعة أو الطفرة! نعم في الماضي القريب كان الطفل مثلا يخاف من (ببوع)، ويعتقد في أبيه أنه المخلص و(القادر على كل شيئ)، حتى إذا حاول أن يعتدي عليه أحد يرد تلقائيا: سأقولها لبابا!! وهكذا يحمل في فكره البسيط أن الأب والأخ الأكبر والعم والجار… قادرون على أن ينفعوه بشيء ولو بعد حين، ولهذا السبب تجده ينقاد لبعض توجيهاتهم، ويستحيي منهم ويعظمهم، لأنهم أصحاب الفضل في نظره. لكن اليوم، وفي ظل هذا الانفجار التكنولوجي، والانفتاح العولمي صار الصبي الصغير معلما لأمه وأبيه، وفصيلته التي تأويه! لذا تغيرت موازين الضبط والتحكم داخل الأسرة ثم المجتمع.
إنها القطيعة الإبستمولوجيا -إن صح التعبير- مع ماض ضعيف بسيط يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، إلى واقع جني يملك ويخترق كل شيء!!
-1-
في ظل هذه التحولات العميقة في الكون التي تسعى إلى هدم الإنسان في جوهره وطمس فطرته “فطرة الله التي فطر الناس عليها”، تطرح تحديات تربوية عميقة، ويزداد القلق على مستقبل الإنسانية جمعاء.
وهذا التوجس يستوي فيه كل إنسان حر غيور على إنسانيته، وطبيعته الآدمية، بغض النظر عن هويته وعقيدته، فقد فاجأني يوما رجل سلطة في مرتبة عمدة المدينة في إحدى الدول الأوروبية، حينما اتصل برئيس المسجد يعرض عليه ويلح؛ لأجل المشاركة في إحدى الأنشطة المحلية قصد توعية الشباب بخطورة المخدرات التي أفقدتهم عقولهم وصحتهم وذهبت بمستقبلهم!
قلت: انظر كيف يستنجد الغرب بقيم المسلمين تصريحا أو تلميحا. نعم إنك لا تستطيع أن تتصور حجم معاناة الإنسان المعذب في الأرض، والتي يخفيها في ضميره استجابة لسلطة الأهواء، وتعايشا مع نداء الحرية الدوابية الذي يملأ العالم!
ولهذا شاء الغرب أم أبى، فإنه لن يجد حلا لمعضلاته الأخلاقية والنفسية إلا بالاستعانة بطبيب الوحي وصيدلية النبوة. وقد جرب هذا رجال منهم وهم كبار العلماء والأطباء النفسانيون الذين قرؤوا القرآن بعين التجرد والبحث عن الحقيقة، فلما أدركوا كنهه صاحوا بأعلى صوتهم من هنا الطريق، من هنا الطريق، واقرأ إن شئت للمفكر والفيلسوف الفرنسي رجاء جارودي بماذا يصرح في كتابه “الإسلام في الغرب” و”كيف نصنع المستقبل”، وأيضا الكاتب الألماني مراد هفمان في كتابه “رحلة إلى مكة المكرمة” و”الاسلام: البديل”، وغيرهم كثير، ثم إن هذه الصيحة التي بلغت الآفاق، هي التي أقلقت بعض مفكري الغرب حتى خرجوا على قومهم يبشرونهم بأن الإسلام في أزمة! إلا إنهم غرقى في وحل الحضارة القاسية كما أكد ذلك الطبيب الفرنسي “أليكسي كاريل” في كتابه “الإنسان ذلك المجهول”، ولكنهم لا يشعرون.