مرت سنة على اتفاقية التطبيع بين المغرب والكيان الصهيوني، والتي تم توقيعها في 22 دجنبر 2020، وأعلن عنها العرّاب ترامب في 10 دجنبر 2020، سنة صادمة حملت معها كثيرا من المفاجآت، لكنها بالمقابل كشفت حجم الاختراق السري الصهيوني لمجالات حيوية بالمغرب، وفضحت المطبعين والمتصهينين الذين كان بعضهم بالأمس يتغنى بالقدس وبفلسطين زورا وبهتانا.
حيث لم يعد خافيا على أحد العلاقات السرية للمغرب مع الكيان الصهيوني التي دامت عقودا، ونشرت تفاصيلها في الإعلام العبري والغربي، لكن لم يكن أحد يتوقع أن تكون خطوات التطبيع، بعد اتفاقية دجنبر 2020، بهذه الوتيرة المتسارعة وبهذه الجرأة على اقتحام مجالات خطيرة، حيث ارتفعت وتيرة التطبيع بالمغرب لتشكل موجة عاتية من تسونامي تكاد تغرق البلد، وتعصف بكل أسس ومقومات المجتمع المغربي، وليخرج الاتفاقية من دائرة تطبيع العلاقات إلى دائرة التبعية والتحكم الصهيوني، بل إلى عهد الحماية الصهيونية.
كانت سنة سوداء بكل المقاييس والمعايير المادية والمعنوية. ولتوضيح الصورة نرصد أهم أشكال التطبيع ومخاطره خلال هذه السنة منذ الاتفاقية المشؤومة:
التطبيع السياسي والديبلوماسي
بعد وقف المغرب علاقاته الدبلوماسية مع الكيان المحتل في 23 أكتوبر 2000، وإغلاق مكتب الاتصال “الإسرائيلي” في الرباط ونظيره المغربي في تل أبيب، بسبب الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية واندلاع الانتفاضة وخروج المسيرات المليونية في المغرب، عادت هذه العلاقات إلى مسارها السري الطبيعي، ليخرجها إلى العلن من جديد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في 10 ديسمبر 2020، بأن المغرب أصبح أحدث دولة عربية توافق على تطبيع العلاقات مع «إسرائيل»، مقابل اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء.
وتوج هذا الإعلان بتوقيع اتفاقية الخزي والعار في 22 دجنبر 2020 من طرف رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني وجاريد كوشنر ومائير بن شباط مستشار الأمن القومي الصهيوني. وسيبقى توقيع سعد الدين العثماني وصمة عار وجريمة لن تغتفر تلاحقه وتلاحق كل من بارك أو فرض القرار. ليشرع المطبعون بعد ذلك في ترسيم الوجود الصهيوني بالمغرب، حيث حل المبعوث ديفيد غوفرين بالرباط في 26 يناير 2021 لتولي منصب رئيس البعثة الإسرائيلية بالمغرب، الذي قابله المغاربة برفض إيجار عقاراتهم له مقرا لمكتبه. كما لاحقوه بالماء والمكنسة في كل مكان حل به تطهيرا لذلك المكان.
في 11 – 8 – 2021 حل وزير الخارجية “الإسرائيلي” يائير لابيد بالمغرب ليدشن في اليوم الموالي رسميا مكتب اتصال بمثابة ممثلية دبلوماسية للكيان المحتل في الرباط في حي الرياض، مصرحا باتفاق الأطراف على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى سفارتين في غضون أشهر. لتنظم بعد ذلك مراسيم افتتاح المغرب لمكتب الاتصال داخل الكيان المحتل، حضره الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية، محسن الجزولي، الذي مثّل الجانب المغربي في هذه المراسيم.
وقد تسلم وزير خارجية الكيان الصهيوني رسالة من الملك إلى رئيس الاحتلال، نقلت خبرها صحيفة “الرأي اليوم” عن صحيفة “تايمز أوف” «إسرائيل» قائلة إن الملك أعرب فيها عن أمله بأن “تشجع العلاقات الإسرائيلية المغربية سلاما إقليميا واسعا”. وقال في الرسالة: “أنا راض عن الخطوات المتخذة لاستئناف العلاقات بين بلدينا وأعتقد أننا سنحافظ على هذا الزخم لدفع آفاق السلام لجميع شعوب المنطقة”.
أمل أجهضه وكذبه الكيان الصهيوني من خلال ممارساته الوحشية في حق فلسطين بعدوانه على غزة واعتداءاته المتتالية على الأقصى والقدس وأهلها، بعد أشهر من التوقيع.
وبشكل مفاجئ أعلن دافيد غوفرين، مدير مكتب الاتصال الصهيوني في المغرب، الأحد 10 – 10 – 2021، في تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي، تعيينه سفيراً للكيان الصهيوني في المغرب.
وقال: “أتشرف أن أشارك متابعي أصدقائي من جميع أنحاء العالم خبر تعييني كسفير رسمي لدولة (إسرائيل) في المغرب”. إعلان من جانب واحد يخالف كل الأعراف الدولية الديبلوماسية، ولم يعلق المغرب على الخبر ولم يتعامل بالمثل، مما يسائل السيادة المغربية.
وفي سياق قرار الاتحاد الافريقي منح «إسرائيل» صفة مراقب في المنظمة القارية، قامت 7 دول عربية بإبلاغ الاتحاد الإفريقي باعتراضها عليه، ودعم هذا الموقف 5 دول عربية أخرى وجامعة الدول العربية، بحسب وسائل إعلام عربية. للأسف لم يكن المغرب من ضمن الدول المعترضة على القرار، بل كان هو البلد المغاربي بل العربي الوحيد المتخلف عن الاعتراض على عضوية الكيان المحتل في الاتحاد الإفريقي، إن لم يكن مزكي للقرار، وهذا يؤكد ما صاحب التطبيع المغربي الصهيوني من تحليلات تفيد أن من الأهداف الكبرى له هو جعل المغرب بوابة الكيان الصهيوني نحو إفريقيا. وفي ذلك إضعاف للقضية الفلسطينية داخل دول القارة السمراء، وبالمقابل تقوية للكيان المحتل سياسيا واقتصاديا، وتكسير لعزلته، وتحييد للضغوط التي تواجه سياساته العنصرية وطبيعته الاحتلالية التوسعية.
التطبيع التربوي
أعطى المطبعون أولوية كبرى للتطبيع التربوي وراهنوا عليه، لأن التطبيع التربوي يعتبر من أخطر أنواع التطبيع لاستهدافه وجدان الناشئة والسعي لغسل عقولها من خلال قلب الحقائق وتزوير المعطيات.
ففي منتصف فبراير اتفق وزيرا التعليم المغربي و”الصهيوني” على التعاون في المجال وإطلاق برامج لتبادل الطلاب و”توأمة مدارس ثانوية”.
وانطلق التطبيع التربوي بإحداث تغييرات على مستوى المناهج، وذلك بإقحام المكون العبري والتمهيد للرواية الصهيونية، حيث قامت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بتغيير مناهج دراسية لتشمل التراث والتاريخ اليهوديين، وتعزيز الحديث عن المكون العبري. وحسب مصادر تربوية فقد تم الانتقال من ثلاثة كتب مدرسية بها نصوص ومواضيع تهم اليهود خلال المواسم السابقة، إلى 18 كتابا خلال الموسم الحالي. وكذلك تناول المكون العبري لم يعد مقتصرا على مادة التاريخ، بل انضافت في هذا الموسم الدراسي مادة اللغة العربية ومادة اللغة الفرنسية ابتداء من السنة الرابعة ابتدائي.
وهذا يأتي ترجمة لجهود خارجية نتيجة الاتفاقية التي وقعت يوم 15 يناير 2021 (أي بعد شهر من إعلان التطبيع) بين جمعية مغربية صهيونية تدعى “ميمونة” وSEAS المبعوث الخاص للولايات المتحدة لرصد ومكافحة معاداة السامية، التي أكد فيها الطرفان في البند الرابع على العمل “من أجل مشاركة وتطوير أحسن الممارسات لمحاربة جميع الأشكال المعادية للسامية بما فيها المعادية للصهيونية، وكذلك محاولات نزع الشرعية عن دولة «إسرائيل»”.
وتزداد الصورة وضوحا في البند الثالث للاتفاق الذي يقضي “بإنجاز برامج دراسية لإدراجها في المنهاج الدراسي المغربي” لتعليم وتربية أطفال المغرب على قيمهم الصهيونية. وحددت ثلاث سنوات لإنجاز بنوده، وقد حظيت هذه الاتفاقية بتنويه سفيرة المغرب بواشنطن الأميرة جمالة العلوي. ومن المفارقات العجيبة أن الدنيا تقام ولا تقعد إذا اتصل شخص أو جهة بسفارة دولة أجنبية، يتهم بالخيانة والتبعية للخارج، أما هذه العلاقة التي تؤكد التبعية والتآمر على هوية وثوابت الشعب المغربي، فلا مستنكر لها، بل تقابل رسميا بالتنويه والترحيب.
وعملت وزارة التربية والتعليم على تأسيس أندية مطبعة تحت أسماء مضللة كالتسامح والتعايش، وزجت بتلاميذ صغار في دور عبادة يهودية قسرا وبدون موافقة ذويهم مثل ما حدث في مكناس، كما زج بمؤسسات تعليمية في اتفاقيات ثنائية مع مؤسسات تعليمية صهيونية، والتي شملت كل من المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالبيضاء، جامعة محمد السادس للفنون التطبيقية بابن جرير، الجامعة الدولية للرباط، وجامعة محمد الخامس بالرباط.
وقد أعلنت نقابات التعليم بالمغرب رفضها للتطبيع التربوي الذي يستهدف النشأ، ودعت في اليوم العالمي للمدرس الأسرة التعليمية لمواجهته ومقاومته.
التطبيع السياحي
أما التطبيع السياحي؛ فقد فتح المغرب الأبواب مشرعة لجحافل المستوطنين المحتلين، لدخول أرض الوطن بفتح خطوط جوية مباشرة بين المغرب والكيان المحتل، من أجل مضاعفة أعداد الزائرين الصهاينة أربع مرات على ما كانت عليه قبل الاتفاق المشؤوم، حيث قرر وزيرا السياحة المغربي والصهيوني تحقيق 200 ألف غازي صهيوني سنويا، وذلك بإشراك شركة “إل عال” للطيران، التي ستقوم بثلاث رحلات أسبوعية بين الكيان الصهيوني والمغرب، انطلقت بهبوط طائرتين سياحيتين بمراكش قادمتين من الكيان الصهيوني.
ولدعم هذا المسار وقعت اتفاقية في الـ26 يوليوز 2021 للشروع في الترويج للسياحة بالمغرب والتسويق لذلك من كلا الطرفين.
وأعلنت في دجنبر الخطوط الجوية الملكية المغربية (لارام)، عن إطلاق خط جوي مباشر جديد من الدار البيضاء إلى “تل أبيب”، ابتداءً من 12 دجنبر 2021، وذلك بوتيرة 3 رحلات في الأسبوع، في أفق رفع العدد إلى 5 رحلات أسبوعيا. هذه الخطوة التطبيعية التي تخدم الكيان الصهيوني وتخذل الشعب الفلسطيني، والتي ندد بها من طرف مناهضي التطبيع.
ومن التناقضات الصارخة أن الرحلة إلى دول الجوار كالجزائر وموريطانيا كانت تساوي هذا المبلغ وقد تتجاوزه. وكان الأولى أن ندعم الرحلات الجوية الداخلية التي تصل إلى أكثر من 2000 درهم بين البيضاء وطنجة أو الداخلة، أي ثلثي ثمن التذكرة إلى مطار “تل أبيب”، أو تدعم الطلبة الذين تثقل تذكرة السفر لطلب العلم كاهلهم.
افتتاح خط جوي مباشر بين الكيان الصهيوني والمغرب، من أجل تمكين الصهاينة من غزو المغرب من بوابة السياحة أمر مرفوض ومدان، ويندرج في خانة الخيانة والإجرام التطبيعي والسقوط الأخلاقي، لأسباب متعددة منها أنه:
– استقبال للقتلة والمجرمين، فكل عضو في الكيان الصهيوني هو جندي حامل للسلاح. فكيف نستقبل ونحتضن بالأحضان من قتل الأطفال والنساء والأبرياء؟
– اعتراف بحق السارق في مسروقه، وهؤلاء سرقوا فلسطين ونحن باستقبالنا لهم نعترف بأحقيتهم فيها، ونتنكر للشعب الفلسطيني ولحقوقه التاريخية والجغرافية.
– مكافأة لمن هاجر من المغرب لينخرط في مشروع صهيوني وليحتل أرضا عربية ويقتل ويشرد شعبها المسلم. بل أقاموا مجازر ومذابح في حق المسلمين، ذهب ضحيتها ما يفوق مائة ألف شهيد منذ النكبة إلى اليوم. فكيف نكافئ من خاننا وغدر بنا فانخرط في عصابة الصهاينة ليحتل أرض إخواننا ويهود مقدساتنا ويقتل أهلينا وإخواننا هناك.
وإذا كان التطبيع السياحي خيانة وجريمة، فهو لا يخلو كذلك من مخاطر على المغرب على مستويات عدة:
– إضعاف مناعة الشعب من فيروس الصهيونية مما يمهد للاختراق الفكري والوجداني للرواية والمشروع الصهيوني.
– تسهيل عملية التجسس والتجنيد لصالح الكيان الصهيوني ضد مصلحة الوطن والأمة وفي قلبها القضية الفلسطينية.
– نشر الفساد بتشجيع السياحة الجنسية التي هم أساتذتها.
– دعم وتقوية لوبيات التطبيع ببلدنا وجعلها أدوات تنفيذ لمشارعها التخريبية.
– تسهيل عملية تنزيل المخططات الصهيونية، لأنه عدو وصاحب مشروع توسعي عنصري ومن الوهم الاعتقاد أن وجوده سينحصر في الاستجمام.
– تهديد الاستقرار والوحدة المجتمعية، بدعم العنف وإثارة النعرات العرقية، ففضيحة تدريب ضباط صهاينة لمغاربة على السلاح من خلال معهد ألفا الإسرائيلي الدولي للتدريب في الجبال القريبة من بومية سنة 2017 بالبزة العسكرية تحت إشراف رجل أمن فرنسي وحاخام “صهيوني”، أمور تنذر بما لا يحمد عقباه.
– تهديد الصحة بالمغرب، ففي الوقت الذي تشدد فيه الدولة إجراءاتها الاحترازية بإغلاق التنقل بين المدن كان الأولى منع التدفق الصهيوني على المغرب، غير أن الدولة لها جرأة على استهداف الشعائر التعبدية للمسلمين؛ كمنع صلاة العيد والتراويح، لكنها عاجزة عن منع السياحة الصهيونية رغم مخاطرها الصحية.
فبدون شك أن الذين يراهنون على العائدات الاقتصادية من السياحة الصهيونية يراهنون على الوهم، فالذين يطمعون في ممتلكات الفنادق من سكاكين وشوكات للأكل ومناديل، كما حدث في دبي حيث سرقوها، كيف سيساهمون في الاقتصاد. وحتى إذا ساهموا فالمغرب سينفق أضعافه لتغطية مخلفاته وآثاره السلبية، وفي التجربة المصرية والأردنية جواب لمن يتمسكون بالسراب.
التطبيع الاقتصادي
ارتفعت المبادلات التجارية بنسبة 50% منذ توقيع التطبيع حسب ما صرح به وزير الخارجية. كما دشن في 28 دجنبر وزير الصناعة المغربي مع نظيره “الإسرائيلي” مباحثاتهما، لدراسة آفاق التعاون الصناعي والشراكة في 5 قطاعات صناعية.
وخارج السياق الرسمي تم إقحام القطاع الخاص، ففي 23 مارس 2021 وقعت اتفاقية شراكة وقعها رئيس الاتحاد العام للمقاولات ورئيسة هيئة المشغلين وأرباب الأعمال “الإسرائيليين” من أجل التعاون الاقتصادي والتجاري.
ونشر مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، نقلاً عن مسؤول بوزارة الخارجية، يوناتان جونين، أن التبادل التجاري مع المغرب انتقل من 14.9 مليون دولار إلى 20.8 مليون دولار.
وتمكنت شركة “ريشيو بتروليوم” Ratio Petroleum الإسرائيلية المتخصصة في مجال التنقيب عن الغاز والنفط، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، من توقيع اتفاقية مع “المكتب المغربي للهيدروكاربورات والمعادن”، تخول لها حصريا دراسة واستكشاف ما تختزنه كتلة “أتلانتيك الداخلة” بجنوب المغرب من ثروات طبيعية. وهذا الاتفاق يسيء لقضية الوحدة الترابية بتمكين محتل من ثروات المنطقة.
وإذا حظيت الشركة الصهيونية بما حظيت به الشركة البريطانية المكتشفة لحقل إنزكان باستغلال 75% من حقل “إنزكان”، بينما يحصل المكتب المغربي للهيدروكربونات والمعادن على 25%، فهي كارثة واستعمار من نوع جديد.
وتشمل الاتفاقية المياه الضحلة والعميقة بحوالي 3000 متر، وتبلغ المساحة الإجمالية التي سيتم العمل فيها أكثر من 129 ألف كيلومتر مربع.
ووفقا لموقع I24 الإسرائيلي، فإن هده الشركة، ستبدأ بالقيام بأنشطة الدراسة والبحث في هذه المنطقة لمدة سنة واحدة قابلة للتمديد، وتمنحها الاتفاقية الحق في إجراء التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي لمدة 8 سنوات قابلة لتمديد لسنتين إضافيتين.
كما وقعت اتفاقية من قبل مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ومجموعة «إسرائيل» للكيماويات المحدودة، من أجل النهوض بالبحث التطبيقي، وهي الشراكة التي تنصب بشكل خاص على عدة مجالات من بينها الزراعة الذكية والمستدامة والماء.
ويقتضي برتوكول الاتفاق النهوض بالبحث التطبيقي، عبر تمويل برامج تتمحور حول الاستدامة، تنفذ بشكل مشترك من طرف جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، وجامعة بن غوريون بالنقب. وتشكل هذه الاتفاقية بداية الاختراق الصهيوني لأهم ثروة يملكها المغرب.
التطبيع الفلاحي
ويبقى التطبيع في المجال الفلاحي الذي تجلى قديما في بيع البذور والمعدات وإنتاج التمور، يعرف توسعا أكبر بعد التطبيع الرسمي، ويكفي ما أعلن عنه من استثمار في زراعة “الأفوكادو” بالمغرب من طرف شركة “مهادرين” الإسرائيلية بتمكينها من مساحات أراض فلاحية تبلغ 455 هكتارا، ناهيك عما تسببه زراعة لفوكا من تهديد للفرشة المائية وتلويثها بالمواد السامة التي سيتضرر منها المغرب على مستوى ماء الشرب أو الفلاحة بالنسبة للفلاح الصغير. وتعتزم شركة مهادير إنتاج عشرة آلاف طن في السنة مما يتسبب في سرقة 10 مليار لتر من الماء في العام.
التطبيع الديني
إن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لم تكن بمنأى عن مستنقع التطبيع، فوزيرها لا يتوانى عن توقيف كل خطيب ندد بالتطبيع كما فعل مع “العلمي الشطاط”، الخطيب والأستاذ بـ”مدرسة النور الخاصة للتعليم العتيق” بطنجة، ومع خطيب جمعة بمسجد الرحمة (الجيراري) في مدينة طنجة كذلك، بعد تطرقه في خطبته لموضوع خطورة التطبيع على المغرب والمغاربة. مما جعل الكثير من الأئمة يتحرجون من التنديد بالتطبيع، بل حتى بجرائم الصهاينة في حق الشعب الفلسطيني وفي حق المسجد الأقصى ولو بالدعاء خوفا من الرقابة.
ناهيك عن تأميم المساجد وتكميم المنابر التي لا يعلو فيها إلا ما يساير سياسة الدولة. فماذا تنتظر من وزارة وصل الاختراق الصهيوني فيها إلى إسناد تسيير ممتلكات الأوقاف في الرباط العاصمة وسلا إلى يهودي صهيوني يدعى دي أدرعي، وهو قريب وزير داخلية حكومة الكيان الصهيوني أرييل أدرعي، إذا كان هذا حال وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فغيرها حدث ولا حرج عن حجم الاختراق والتأثير.
وفي سياق التطبيع الديني حضر المغرب حفل توقيع اتفاقية ابراهام، حيث قال السفير، الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، السيد عمر هلال “بالنسبة للمملكة المغربية، فإن هذا الاحتفال البهيج هو التزام بتعزيز وتوسيع الروابط التي ترعاها هذه الاتفاقيات التاريخية”. وإن كان المغرب لم يدرج اتفاقياته ضمن اتفاق ابراهام إلا أنه بحضوره وممارساته يسير في ركابها.
وامتد التطبيع إلى الحضور في الاحتفالات الدينية، فبمناسبة العيد اليهودي التقليدي (حانوكا)، أو “عيد الشموع” الذي يستمر لثمانية أيام. حضر هذا الحفل، الذي أقيم بفضاء “لو سيركل دو لونيون” بالبيضاء، ممثل الكيان الصهيوني، دافيد غوفرين، وسيرج بيرديغو، أمين عام مجلس الطوائف اليهودية بالمغرب، ومطبعين من الحقل الديني المدني والسلطات المغربية. كما حضر في نفس الاحتفال بسيدي قاسم عضو المجلس العلمي، هكذا توظف الصهيونية كل المجالات بما فيها المجال الديني، لجر المغاربة جرا إلى مستنقع التطبيع.
وفي سابقة لا مثيل لها احتضن كنيس يهودي تلمود التوراة في العاصمة الرباط، صلاة من أجل جنود الجيش الصهيوني بزيهم العسكري خلال زيارة وزير الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس، للمملكة، وفق ما نقلته صحيفة “تايمز أوف «إسرائيل» ” ونشره في صفحته على تويتر. وقد كان دعاؤهم في صلاتهم معاديا للأمة ومخالفا لشعارات السلام والتعايش. وللإشارة فهذا الكنيس لا تنظم فيه الصلاة بسبب قلة العدد الذي تستوجبه إقامتها بحسب الديانة اليهودية.
التطبيع العسكري
وتعظم المعضلة عندما يصل التطبيع إلى وزارة الدفاع التي بدأت بصفقات السلاح سرا قبل التطبيع الرسمي، حيث كشف الباحث جوناثان هيمبل، المختص في الصادرات العسكرية والأمنية الإسرائيلية في مقال له على صحيفة “هآرتس” أن الصادرات العسكرية الصهيونية للمغرب ظلت سرية في معظمها. مضيفا أن «إسرائيل» شحنت في السبعينيات دبابات إلى المغرب، ومن عام 2000 حتى عام 2020، قام مسؤولون من كلا البلدين بعدد من الزيارات السرية وغير السرية.
وذكر أن القوات الجوية المغربية اشترت في عام 2013 ثلاث طائرات بدون طيار من نوع هيرون من صنع شركة صناعات الطيران الإسرائيلية بتكلفة 50 مليون دولار، وحصل المغرب على هذه الطائرات عبر فرنسا.
في 17 يوليوز 2021 وقعت أول اتفاقية تعاون في مجال الحرب الإلكترونية، بإقامة تعاون في “البحث والتطوير ومجالات عملياتية في السايبر”، بهدف ضبط قطاع تخزين المعلومة وتدبيرها بشكل آمن، مما يجعل قواعد بيانات المغرب والمغاربة بيد الكيان ا*لصهيو*ني، وهي الأيادي الآثمة والملطخة بدماء الأبرياء والغدر والخيانة، وما فضيحة التجسس عبر برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي، التي اتهم فيها المغرب، إلا الشجرة التي تغطي الغابة. وليصل التعاون المغربي الصهيوني إلى تصنيع السلاح على أرض المغرب، مثل تصنيع الطائرة الحربية بدون طيار “كاميكاز” حسب ما أعلنته مجلة “أفريكا إنتليجنس” الفرنسية، هذه الطائرات المصنعة مغربيا قد لا يتورع الكيان ا*لإر*هابي عن توظيفها في تقتيل الفلسطنيين والمسلمين في مختلف الأماكن.
وتأتي هذه الخطوة موازية للإعلان الرسمي للمغرب للمرسوم التنفيذي رقم 2.21.405، الخاص بتصنيع المواد والمعدات الدفاعية والأمنية والأسلحة والذخيرة، و الصادر في الجريدة الرسمية، ليشرع المغرب من خلاله في تصنيع الأسلحة والذخائر فوق ترابه، لنرى كيف تصاغ وتهيأ القوانين حسب الرغبات والمصالح الصهيونية.
وقد توج التطبيع العسكري بإعلان وزارة حرب الكيان الصهيوني، يوم الإثنين 15 نوفمبر 2021، عن قيام وزيرها المجرم بيني غانتس، بزيارة رسمية إلى المغرب في الـ25 من نوفمبر الماضي.
هذه الزيارة الخطيرة وغير المسبوقة والمدانة، لسببين: الأول طبيعة الزائر فهو صاحب سجل إجرامي والثاني حساسية مجال التطبيع العسكري.
أما الزائر فهو مجرم حرب عنصري صاحب سجل إجرامي، أما خطورة ترسيم التطبيع العسكري فيرجع لحساسية المجال وتداعيات الاتفاقيات المزمع التوقيع عليها، فحسب بعض التصريحات فالاتفاق “سيقرر إطار العلاقات الأمنية بين الطرفين، بما في ذلك العلاقات بين الجيش الإسرائيلي والقوات المسلحة المغربية، حيث ستتضمن الاتفاقية المذكورة التفاهم على التنسيق بين الأسلحة، والاستخبارات، والمشتريات الأمنية، وتدريبات مشتركة”.
فالتطبيع العسكري مع الكيان الصهيوني يكتسي خطورتين بغض النظر عن آثاره وانعكاساته على القضية الفلسطينية والأمن القومي وما يمثله من تردي أخلاقي وقيمي.
الخطورة الأولى مرتبطة بأمن المغرب واستقراره، أما الخطورة الثانية فتعني أمن المنطقة واستقرارها.
التطبيع الإعلامي
لم يبق مجال إلا وعمّته بلوى وعدوى التطبيع، وهكذا واكبت عملية التطبيع استراتيجية إعلامية مطبعة، حيث انطلق مع عملية التوقيع على التطبيع سيل من البرامج الإذاعية والتلفزية، تعرّف بالتراث اليهودي والعائلات اليهودية في المغرب وخصوصيات الثقافة اليهودية، وكأنها اكتشاف جديد في المغرب، كما تعالت أصوات الجوقة المخزنية للترويج للتطبيع، مؤكدة على أولوية الوحدة الترابية على حساب الحق الفلسطيني وحريته، بل تمادى البعض في سياق النفخ في الصراع المغربي الجزائري، إلى اعتبار أن عدو المغرب الرئيسي هو الجزائر وليس الصهاينة، وأن المجرم هو الجزائر وليس الكيان الصهيوني، الذي ينبغي الاستقواء به على الجار العدو.
ينضاف إلى ذلك الانفتاح على الإعلام الصهيوني من طرف الشخصيات الحكومية، وانفتاح الإعلام المغربي على الشخصيات العامة الصهيونية، وتغطية كل الأنشطة التطبيعية داخل المغرب و داخل الأراضي المحتلة.
التطبيع الرياضي
كما لم تسلم الرياضة من التطبيع، فبعد ثلاثة أسابيع فقط على إعلان المغرب استئناف علاقاته الدبلوماسية مع «إسرائيل»، عقد لقاء عن بعد جمع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ورئيس الاتحاد الإسرائيلي للعبة، ناقش الطرفان فيه تكوين فرق عمل مشتركة، قال فيه لقجع: ”هذه المحادثة كنا ننتظرها منذ سنوات عديدة”، مضيفا: ”أود أن أدعوكم إلى المغرب للتفكير معا والعمل بيننا وبالطبع تنسيق المباريات بين فرقنا”، كلمات قوبلت بالرفض والاستنكار لكن كشفت طبيعة وهوية هؤلاء.
كما أن التطبيع الرياضي ابتدأ قبل التوقيع الرسمي، حيث فتح المجال للوفود الرياضية الصهيونية للمشاركة في البطولات الدولية المنظمة بالمغرب، والتي تسببت في رفع العلم ونشيد الكيان الصهيوني في بطولة الجيدو بمراكش.
وفي العاشر من أبريل 2021 أعلن الاتحاد المغربي للكاراتيه، ونظيره في «إسرائيل» التنسيق لوضع الترتيبات والآليات اللازمة للتعاون. وفي 28 ماي 2021 نشر مسؤول مكتب الاتصال الصهيوني بالمغرب، صورة لمباراة كرة القدم نظمت بين عدد من الممثلين الدبلوماسيين لعدد من الدول بالمغرب إلى جانب فوزي لقجع ومسؤول مكتب الاتصال بملعب مركب المعمورة. لقيت استهجانا من المغاربة.
التطبيع الثقافي والفني
في ليلة عيد الفطر التي تزامنت مع ذكرى النكبة، وبشكل استفزازي لمشاعر المغاربة، أقدمت القناة الرسمية الثانية 2M على نقل سهرة بقيادة طوم كوهين الصهيوني «الإسرائيلي» رئيس أوركسترا فرقة القدس، بحضور المغنية الصهيونية “إسرائيلية” الجنسية نطع لخيام، بمشاركة تطبيعية من عازفين ومغنين مغاربة، ودام البث ساعات ممتدة.
كما قام المركز السينمائي المغربي في نفس الفترة، أي يومي الأحد والإثنين 24 و25 مايو، بعرض مطول للنسخة الكاملة لفيلم “تنغير جيروزاليم.. أصداء الملاح”، والذي يخدم أهداف التطبيع. وشارك فيلم مغربي “علي صوتك” في مهرجان حيفا الإسرائيلي، لنبيل عيوش الذي يفتخر بعرقه اليهودي والذي سبق أن سحب فيلمه “غزية” من مهرجان حيفا، بعد احتجاجات مناهضي التطبيع.
وأعلن الموقع الرسمي لمسابقة ملكة جمال الكون بالمغرب، المشاركة في النسخة الـ70 من مسابقة ملكة جمال الكون المقامة هذا العام في «إسرائيل»، بعد غياب المغرب عنها لأربعة عقود. وقد نظمت المسابقة بمنتجع حيفا يوم 12 دجنبر الجاري، واستطاع الكيان الصهيوني أن يجر المغرب إلى هذا المستنقع، مع العلم أن المغرب لم يحضر المسابقة من أربعة عقود، بعد أول مشاركة له في المسابقة عام 1957، حيث مثلت ملكة الجمال جاكلين دوريلا المغرب في التظاهرة التي أقيمت في كاليفورنيا. وقد قاطعت المسابقة ملكة جمال اليونان وإندونيسيا احتجاجا على الاحتلال في حين تمسكت ملكة جمال المغرب كوثر بن حليمة وملكة جمال البحرين نديم دياني بالمشاركة والحضور، رغم مطالبات مناهضي التطبيع بالمقاطعة.
التطبيع الأمني
إضافة إلى ما تمت الإشارة إليه في التطبيع الاستخباراتي عند حديثنا عن التطبيع العسكري، نعرض جانبا آخر من التطبيع تضطلع به وزارة الداخلية، التي تعد أداة التحكم لمواجهة كل نشاط مناهض للتطبيع، من أجل منعه وقمع أصحابه كما فعل مع أغلب الأنشطة الاحتجاجية التي عرفها المغرب.
حيث قامت السلطات المغربية في 14 ديسمبر 2020، بتطويق شارع محمد الخامس وسط العاصمة الرباط، وكل المنافذ المؤدية إليه، لمنع احتجاج لنشطاء مغاربة ضد قرار التطبيع بين المغرب وإسرائيل. كما قابلت السلطات المغربية المظاهرات التي خرجت في المغرب يوم الاثنين 20 مايو 2021 بالمنع وفرقت المتظاهرين بالقوة وحالت دون وصول آخرين إلى الساحات للتعبير عن مواقفهم.
كما تم منع المسيرة الوطنية التي دعت إليها الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع وهيئات أخرى، للتنديد بالعدوان على غزة والمطالبة بإسقاط التطبيع. كما لم تسلم تظاهرات اليوم الرابع ضد التطبيع من المنع والقمع، والذي نظم بمناسبة مرور سنة على اتفاق 22 دجنبر المشؤوم، والذي عرف اعتقالات وإصابات نقلت إلى المستشفى.
في الختام
نخلص إلى أن حجم الاختراق التطبيعي للمغرب لا يشبه باقي الدول المطبعة، وهو مؤشر على الوجود الكبير والمتعدد لروافد التطبيع التي كانت تعمل في السر، والتي شكلت موجة تسونامي التطبيعي، بعد ترسيم التطبيع، مما فاجأ من كانوا يحسنون الظن بحكام المغرب، وما خفي أعظم.
فكيف نريد أن يحترم الكيان الصهيوني مقدسات المسلمين وأن يخاف من ردود أفعالهم، وهم اليوم أولياؤه وحلفاؤه.
ولك الله يا أقصى، ولك الله يا قدس!
فبقدر ما سيمكن للتطبيع مع المحتل في أوطاننا، بقدر ما سيفسح له المجال للزحف على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، والإمعان في قهره وتشريده، بل التقدم قدما نحو تحقيق مشروعه التوسعي الاستعماري الذي يتجاوز أرض فلسطين. كما بقدر ما سيعيث فسادا في البلد ويتحكم في أهم مفاصلها.
إن حمى التطبيع تفرض مقاومة شعبية تتظافر فيها جهود كل الأحرار من أجل محاصرة التطبيع في أفق إسقاطه، وهو ما يدفع لتأسيس إطارات وهيئات عاملة لفلسطين من مختلف الحساسيات السياسية والحقوقية، تتزعم الفعاليات الجماهيرية للتضامن مع الشعب الفلسطيني وإدانة التطبيع.