غزو خلخل توازن أبراجنا، صدّع جدرانها، رحّل متاعها، استعاض وأحدث ما لم نحسب له حسابا.
إدمان مشتت للفكر والعقل، صارف عن طلب العلم، مُله عن العبادة.
إباحية متلونة ملتوية، محاربة للقيم والأخلاق، مستهينة بها.
أفكار ومعتقدات باطلة مضلة، مفضية إلى الإنكار والجحود والإلحاد.
عالم من الوهم والخيال مخالف للواقع المرير، موصل إلى اليأس والقنوط والانتحار.
نحن كثرة، لسنا قلة، فكيف تم غزونا بكل سهولة؟
الناظر إلى تاريخ الأمة يجد أنه ما استبيحت أراضي المسلمين وأعراضهم وحرماتهم إلا عندما تخلوا عن دينهم، وما تخلوا عن دينهم إلا لرغبتهم في الدنيا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا تبايعتم بالعِينةِ، وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتم بالزرعِ، وتركتم الجهادَ، سلط اللهُ عليكم ذُلًّا لا ينزعُه شيءٌ حتى ترجعوا إلى دينِكم” (رواه عبد الله بن عمر. وأخرجه أبو داود، والبزار، والطبراني).
الانشغال بالبيع والحرث، والرضى بالزرع حب للدنيا، وترك الجهاد خوف من الموت، كلها أسباب الوهن الذي يصيب جسد الأمة، ينم عنه فتح أبواب الحصون على مصراعيها للعدو حتى يغزو من أي باب شاء.
نكص على الأعقاب وذل وهوان لا ينزعه الله عز وجل حتى نرجع إلى ديننا القويم، فـلا يُغَيِّرُ الله مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ.
محاربة الوهن طريق الخلاص، وهو طريق شاق وطويل، يحتاج صبرا وصمودا واقتحاما للعقبات.
من أنفسنا نبدأ، نجمع شتات إيماننا المتصارع مع هوى النفس والشيطان، نجدده بالذكر والصدق وصحبة الصالحين، نتقرب إلى الله عز وجل بالعبادة، ونطلب الحظوة عنده والزلفى بالعمل الصالح.
من موقعنا الاجتماعي، بصفتنا آباء وأمهات، الرجل بقوامته والمرأة بحافظيتها، نعمل على تربية النشء تربية علومية قرآنية، مهذبة للعقل، منورة للقلب، يكون القرآن الكريم محورها ومورد العلم فيها وجامع العلوم.
تربية روحية؛ تزكي النفس وتصقل الفطرة، وتسكن في النفوس محبة الله عز وجل وخشيته والشوق إلى لقائه.
تربية مستقبلة؛ تهيئ مستقبلهم إلى الله، وتربط مستقبلهم الشخصي بمستقبل أمتهم. تربية تصل ولا تفصل، ترسخ علمهم بماهية وجودهم ومهمتهم الاستخلافية.
تربية حكيمة؛ تغرس روح الولاء لله رب العالمين والبراء من أعداء الله المارقين، غرس جذوره ثابتة قادرة على التمييز بين الحق والباطل، أغصانه طاهرة نقية لا تقوى على تلويثها البيئة الغربية والمستغربة.
تربية واقية؛ تقيهم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.
أب صوام قوام يدعو بالحال قبل المقال، وأم صالحة قانتة حافظة للغيب بما حفظ الله، يجتهدان ليكون برجهما الاستراتيجي مشتلا لتربية الشجر الطيب، منطلقا للبعوث الغازية، بعوثا تخطط مراحلها بعلم وتقطع المسافات إليها بقوة، قوة معدة مبصرة للحاضر مستبصرة للمستقبل.
من موقعنا السياسي يتحتم علينا العمل على إنجاح المشروع الإسلامي لإنقاذ الناس من براثن الغفلة عن الله، وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وإشراكهم في صناعة مستقبل القوة والعزة وحمل رسالة الرحمة إلى العالم، متخذين من العلوم الكونية واليقين بموعود الله بالنصر والتمكين سلاحا ورباط خيل يرهبون به الغزاة أعداء الدين.
هكذا نشيد أبراجا تغزو ولا تغزى.