يعتبر التعليم رافعة قوية للنهوض بالمجتمعات وتحقيق التحولات الإيجابية بها. ولكون المرأة نصف المجتمع وتربي النصف الآخر، فإن الاهتمام بتعليمها يمكنها من النهوض بأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، والوقوف بجانب الرجل ومشاركته في جميع مناحي الحياة التي تتيحها خصوصية جبهة المرأة.
ولقد كفلت جل المواثيق الدولية والقوانين المحلية حق المرأة في التعلم، وفي سبيل تمكينها من هذا الحق تبذل الجهات الرسمية ببلدنا المغرب ومنظمات المجتمع المدني والهيآت الدولية؛ كاليونسيف واليونسكو، جهودا حثيثة في سبيل تحقيق الهدف الثاني للألفية وتعميم التعليم للجميع.
غير أن هذه الجهود والإجراءات لم تحل دون استمرار الاختلالات التي يعاني منها التعليم بصفة عامة، وتعليم الفتاة بصفة خاصة. فحسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، فإنه كلما تقدمت الفتاة المغربية في المستويات الدراسية يصبح حق ولوجها للتعليم أكثر صعوبة، وتترجم الأرقام هذا الواقع بتسجيل نسبة تمدرس الفتاة في التعليم الأولي التي بلغت خلال عام 2020 معدل 71,9 في المائة، وانخفضت في التعليم الأساسي لتصل إلى 66,8 في المائة، فيما سجلت انخفاضا حادا في المستوى الثانوي التأهيلي بنسبة 37,5 في المائة.
وتستمر النسب في الانخفاض حين يتعلق الأمر بالفتاة القروية، حيث سجل نفس التقرير أن الفتيات في العالم القروي يغادرن الدراسة أكثر من الذكور ضمن فئة 15 إلى 17 سنة، وتتراجع نسبة الفتيات القرويات المتمدرسات إلى نسبة 39,2 في المائة مقارنة مع نسبة الفتيان المتمدرسين، الذين سجلوا بدورهم تراجعا في نسبة التمدرس بـ50,5 في المائة سنة 2020.
نسب صادمة تعبر عن واقع المعاناة بالمغرب المنسي، حيث نسبة كبيرة من الفتيات القاطنات بالقرى والمداشر والجبال النائية محرومات من التعليم، والمحظوظات منهن من تلتحق بمقاعد الدراسة لسنوات معدودة على رؤوس الأصابع ليتركنها مضطرات ومكرهات لجلب الحطب والماء والرعي أو للزواج المبكر والحمل المتعدد.. وهكذا تضطر فتيات في عمر الزهور إلى حمل صغارهن على ظهورهن بدل حقائب المدرسة.
وتتعدد أسباب حرمان الفتاة القروية من الدراسة أو انقطاعها الاضطراري عنها، فمنها الاقتصادي والاجتماعي؛ كالفقر وعدم القدرة على توفير مصاريف الدراسة والنقل، وصعوبة التضاريس وضعف التجهيز والافتقار الى البنيات التحتية. ومنها الثقافي؛ ويتجلى في انتشار الفكر الذكوري وعدم الوعي بأن المرأة إذا أخذت حقها من التعليم تكون أما صالحة وتشارك في تنمية مجتمعها. إضافة إلى أسباب أخرى متعددة، ليس هدف هذا المقال تفصيلها والبحث لها عن الحلول بقدر ما يهدف إلى دق ناقوس الخطر ولفت الانتباه إلى هاته الظاهرة التي تسائلنا كل دخول مدرسي، وتحملنا مسؤولية التفكير الجدي في تجاوز المعيقات والنهوض بأوضاع العالم القروي، وتمكين الفتاة من حقها في التعليم. وفي انتظار تحقيق ذلك، تستمر المعاناة..