ثمرات من صحبة الإمام والمنهاج (3).. الشباب والقرآن والمؤامرة الإفسادية

Cover Image for ثمرات من صحبة الإمام والمنهاج (3).. الشباب والقرآن والمؤامرة الإفسادية
نشر بتاريخ

لا يقوم الإسلام قومته من السبات القروني على شباب منهزم تاريخيا ونفسيا، في دينه رقة، وفي سمته عفونة، وفي فكره أخلاط سامة، الوحي منها بعيد. واليوم، ومع تسارع غطرسة المشروع الصهيوني وتآمر الاستكبار العالمي معه في غزة يبيد ويفسد، وفي أمة الإسلام المتناثرة يمنة ويسرة يتغول ويبعثر أوراقه ليستوطن فطرة المسلمين، ولتتقمص روحه الإفسادية الجاهلية مجتمعات العرب والمسلمين.

خاطبني أحد الشباب: هذا محض سراب، وأضغاث أحلام. كيف تقوم لنا قائمة ونحن نرى النكبات والنكسات ونبصر في 2024 للميلاد هيمنة عالمية عسكرية واقتصادية على أرض المسلمين؟ يجيب الإمام عبد السلام ياسين مستشرفا مستقبل الإسلام مبشرا ببشائر النبوة والوحي: “كثير من محتملات المستقبل رهن بصلابتنا واستقرارنا” 1. يرى رحمه الله أن الاستكبار يحتمي خلف سياج التكتلات الدولية الفاسدة اقتصاديا وسياسيا، ويبني قوته على ضوء المصلحة واستغلال تنفذ الاستبداد العربي وخنقه لهبة الشعوب الطامحة للتحرر من الاستعباد. لكن في ذات الوقت أساس هذه الجاهلية المادية هش، فالإنسان مفتقد لقيمته وقيمه، وإنسانيته. تقدم حضاري دينه شريعة السوق والاستهلاك، والآدمي يعيش مسخا في فطرته.

1- فتوة القرآن شرف الإسلام

يرى الإمام رحمه الله أن شرف الأمة في رجوعها لكتاب الله عز وجل “القرآن”. ففيه ضالة هذه الأمة هداية، واستقامة، واقتداء، وتحررا من عبودية الطاغوت. به شيد صرح أول أمة الإسلام. وعليه، وبه، سيكون آخرها. “يقول المعاند: كيف نطبق حلولا عتيقة يقترحها كتاب عتيق على مشاكل جديدة في نظام عالمي متطور؟” 2. يجيب الإمام رحمه الله: “كلمة الله الخالدة تأمرنا باقتحام العقبة وبخوض غمار الدنيا لا التنكب عنها”، لأن هداية القرآن هي منبع الإرادة الإيمانية المجددة للدين، المحركة لإرادة التغيير و”القائدة إلى نصر الله” 3. نبحث في الذكر الحكيم عن تعظيم الله عز وجل لأهل الإيمان المبادرين لنصرة الدعوة الحنيفية الخاضعة لله عز وجل النابذة لجاهلية الاستكبار القديم. يسميهم الوحي بالفتى والفتية؛ إبراهيم الفتى عليه السلام، وفتية الكهف، ويوشع بن نون الفتى الخادم للنبوة والنبي بعد كليم الله موسى عليه السلام. فتوة احتضنها الإيمان، وصاحبتها النبوة بإحسان.

رتب الإمام معاني الفتوة ضمن خصلة البذل وهي رابعة الخصال العشر الناظمة لشعب الإيمان. تحدث فيها عن صفات عظام تفتل في التربية الإيمانية وفي خدمة دعوة الحق عبر الزمان. يقول رحمه الله في المنهاج النبوي: “نقصد بالفتوة كرم النفس الذي يدفع المؤمن للاستعلاء على الطاغوت، فيكسر الأصنام، ويبذل روحه في سبيل الله. ونقصد به إلى جنب هذا الرفق مع المؤمنين، وخدمتهم، وتوطئة الكنف لهم” 4. يقول الله تعالى واصفا الفتية: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى 5. حول الإيمان تحلق الشباب لا يرتضون ربا سوى خالقهم وبارئهم، مستمسكين بحبل المنعم عليهم بالهدى بعد الضلال والاستقامة بعد الجهالة. كسروا أصنام الطاغوت الإبليسي والبشري. هم أهل خدمة الدعوة كما كان غلام موسى عليهما السلام، صبرا واصطبارا على صحبة الحكمة والعلم اللدني والرحمة الإلهية. “الفتيان هم الجامعون بين صفتي الشجاعة والتواضع، فوجه البأس يتقدمون به للقتال عن الدعوة، ووجه الخدمة باش للمستضعفين. يبذلون فداء لدين الله، ويبذلون مالهم ووقتهم للمسلمين خدمة ومواساة” 6. تروي مناقبهم السيرة العطرة إبان الدعوة المحمدية وبداياتها ومن ساروا على نور الاتباع اقتداء ونورا. ويراها شباب المسلمين في الألفية الثالثة بالبث الحي في فلسطين، وفي طوفان الأقصى المجيد.

إن مجازر الإبادة في غزة التي يقترفها إجرام الصهاينة والمستكبرين والخونة المستبدين، تخفي خلفها صمود وشجاعة الفتيان في الضفة، والقطاع، والداخل المحتل. تخدم إسنادا وتواضعا، الحاضنة غزة والرجال في الأنفاق. من طينة هؤلاء تشكلت كتائب المقاومة التي حطمت أوثان المحتل الصهيوني في السابع من أكتوبر وغيرت مجرى التاريخ من النكسة إلى طلائع التحرير والنصر. فتية غزة أهل قرآن وإيمان، خدموا كتاب الله ونصروه كما نصروا النبوة في استماتتهم بأكناف بيت المقدس إلى اليوم. الفتوة بذل ونصرة لدين الله الإسلام، وسد منيع أمام اجتياح الباطل للأمة.

2. إعادة البناء لما يحطمه الإفساد

يمكر الاستكبار بمستضعفي الأمة الإسلامية ذلك المكر التاريخي القديم منذ أن وهنت الأمة، وأحكم الجبر الاستبدادي القبضة على الرقاب. يرفض الإمام “تبرير الهزائم التاريخية بوجود مؤامرة” 7 الإفساد الصهيوني اليوم دون “إدراك الواقع” 8. يمثل فيه المسلمون دور “العاجز المستكين في المخبأ” 9. شباب اليوم يلحظون أن الأمة عاجزة “نائمة لا تنهض لتأخذ على يد الظالم” 10، فكيف تتحرر من براثن الاستكبار العالمي؟ يستطرد الإمام رحمه الله قائلا في كتابه سنة الله الفاضح لمكر الاستكبار وروح الجاهلية الصهيونية ووهن الأمة: “فما يتآمر علينا إلا أنفسنا التي نشبت فيها الوهن وعشش وفرخ ألا وهو حب الدنيا وكراهية الموت، والحرص على الحياة، أي حياة” 11.

نعم أي حياة يذل فيها المسلم لهواه ويتذلل للطاغوت. حياة لا تنتمي لحقيقة الإسلام، ولا تهتدي بهدي القرآن ولا تعتبر بسنن الله. يستوصي الإمام بالقرآن خيرا في أجيال هذه الأمة ففيه الهدى والحق. ويرى أن “الجهل بما هو القرآن وخلوده، وحقه، وعمومه، وإحاطته بشؤون الدنيا والآخرة وبشؤون الملك والملكوت، والسماء والأرض، والماضي والمستقبل والخالق والمخلوق… جعل الغافلين عن الله تعالى يتخذون هذا القرآن مهجورا كما تتخذ أساطير الأولين” 12. لا بد من أوبة حانية  نحو منابع الإيمان، تتخذ القرآن إماما  يدلها على الله، وينتشلها من مستنقعات روح الجاهلية المستكبرة.

لقد فطن العدو اللائكي ووكلاؤه في بلاد المسلمين لأهمية الأمر، فتم إقصاء روح القرآن من المناهج التعليمية واللغة العربية في المراحل الابتدائية من التمدرس. لكن نأمل خيرا في ربنا سبحانه أن يستعيد شباب اليوم عافية دينهم وإرث نبيهم الضائع بحول الله. استرجاع لما ضيع بفعل عوامل التربية الأسرية والتعليمية والمجتمع بمصاحبتهم للقرآن، ففيه “كل المفاتيح اللازمة للفوزين، الفوز الفردي والجماعي. وما تركت السنة النبوية صلى الله على محمد وآله وصحبه، مظهرا من مظاهر الجاهلية في غيرنا ومن مظاهر الفتنة وتقلباتها فينا إلى يوم القيامة إلا أشارت إليه” 13.

قومة فتية الإيمان كما أخبر بها القرآن لم تكن عنفا وثورة همجية تفسد ولا تصلح، بل كانت أوبة لله خالصة من كل شرك وخنوع لغير الله عز وجل، صيرت أوثان الجاهلية والباطل جذاذا كما فعل سيدنا إبراهيم الفتى الشجاع. كانت على منهاج الهدى حركتها الفطرة السليمة الموحدة لرب العالمين منذ الأزل. نبراسها إيمان وإيقان أن الله ناصر من آوى إلى ركنه المتين. يقول رب العزة جل وعلا متباهيا بفتوة الإيمان وقومتهم المجيدة: إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا 14. كان الإقرار بالعبودية لرب الأرباب، وكان منه سبحانه أن آواهم وربط على قلوبهم، ومن تولاه الله فهو حسبه ونعم النصير.


[1] عبد السلام ياسين، العدل: الإسلاميون والحكم، ص 310.
[2] نفسه.
[3] نفسه.
[4] عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، ص 185.
[5] سورة الكهف: 13.
[6] المنهاج النبوي، ص 185.
[7] عبد السلام ياسين، سنة الله، ص 236.
[8] نفسه.
[9] سنة الله، ص 236. بتصرف.
[10] نفسه، ص 237.
[11] نفسه.
[12] سنة الله، ص 239.
[13] نفسه.
[14] سورة الكهف: 14.