وفاء لأرواح الشهداء، ودعما للأحرار الصامدين، وقياما منا بحق الحمية لله ورسوله وعقيدة الجسد الواحد في أمتنا الشريفة المنصورة بعون الله.. تعالوا ننكسر لله في جوف الليالي، تعالوا نفتح جبهات الدعاء..
نشاهد كل يوم ما يجري من تدمير وتقتيل في كل مكان، نرى كيف تنتهك الحرمات والدماء.. الظلم، والقتل، والعدوان.. حسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
ما العمل؟ هل نستقيل؟ هل نتهاوى فرائس لليأس والندم والعدم؟
وأما الدعاء فهو العبادة ومخها.. “وَإِنَّ أَعْجَزَ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ بِالدُّعَاءِ” وهذا لفظ البخاري..
إنها ساحات الأسحار تنادي.. هل من مجيب!
إنها ميادين الطهر والإيمان..
لنتأمل هذا المشهد النبوي الشريف، مشهد المسكنة والعكوف على باب الله الحنان المنان.. عن ابن عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْف، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: (اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ)، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلّ: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) الأنفال/ 9، فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ .
قال النووي رحمه الله : “قَالَ الْعُلَمَاء: هَذِهِ الْمُنَاشَدَة إِنَّمَا فَعَلَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَرَاهُ أَصْحَابه بِتِلْكَ الْحَال، فَتَقْوَى قُلُوبهمْ بِدُعَائِهِ وَتَضَرُّعه “.
إنه زمن التمسك بالدعاء والطلب من الله جل جلاله.. إنَّ اللَّهَ حيِىٌّ كريمٌ يستحي إذا رفعَ الرَّجلُ إليْهِ يديْهِ أن يردَّهما صفرًا خائبتينِ. فلعل كريما أو كراما يصادفون ساعة استجابة وكرم وجود إلهي فياض، فيرفع الله الغمة ويكشف الظلمة ويصلح شأن الأمة..
إن الدعاء للأمة والتهمم بحالها ليس مجرد طقوسية جوفاء بقدر ما هو رباط مقدس نوراني بين قلوب أهل الإيمان والإسلام، وجب توثيقه وتمتينه وتغذيته كل على حسب طاقته وقابليته ووسعه..
يجب على أمتنا الآن وأكثر من أي وقت مضى أن تصحح وتصفي فهمها لفقه الدعاء.. إننا كمسلمين مؤمنين بالله عز وجل وبأسمائه وصفاته وأفعاله، يجب أن نعتقد جازمين بلا ريب أو تردد أننا حين نقر موقنين بضعفنا وعجزنا وقلة حيلتنا، إنما نلوذ بحمى القادر القاهر القوي الجبار المتكبر الناصر المعين.. وهذا مصداق ودلالة قولنا: لاحول ولا قوة إلا بالله، فهي كلمة توجب عون الله وسنده ومدده. يقول ربنا عز وجل حين يقول العبد: لا حول ولا قوة إلا بالله، صدق عبدي لا حول ولا قوة إلا بي..
فاللهم نسألك بحولك وقوتك، أن تدفع عنا بيدك القوية كيد الكفار والفجار والمعتدين ظاهرين ومستخفين، وأن لا تبلغهم فينا المراد أو في أحد من أهل لا إله إلا الله، اللهم إنا نعوذ بك من همزات الجن والشياطين وسطوة الطواغيت والظالمين..
آمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.