يقول الله عز وجل في كتابه الحكيم، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤمِنٞ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ 1، وجاء في كتاب “المنهاج النبوي” ما نصه: “كما أن التعلم لا يتم إلا بوجود معلم عالم، وطالب لديه قابلية للتعلم من حيث الاستعداد العقلي والنفسي، فكذلك الجهاد لبناء الأمة على أسس إسلامية، لا يتم إلا بوجود مجاهدين لديهم الكفاءة العملية الجهادية من حيث التربية والتنظيم، مع وجود قابلية في الشعب لقبول النظام الإسلامي في السياسة والاقتصاد والاجتماع.. الركب يتحرك إلى خير إن شاء الله لكن العمل الميداني إن لم يدخل في خطة محكمة لها وجهة مدروسة، وغاية معروفة، وأهداف مرحلية، وقسمة للمهام بين فئات جند الله، لن يؤدي لتأليف قوة التغيير المرجوة وإن انتهى إلى تكوين تكتل ذي حجم” 2.
مقدمة
العمل هو سر الخلق، وأساس التباين في الوجود، عليه تنبني سنة الله في الدنيا، وارتقاء الدرجات صعدا أو الدركات نزولا في الآخرة. به سمق من علا ووصل من اقتحم، فبه الكفار “تعبوا في الدنيا وأنجزوا أعمالا كثيرة، فكانت لهم من أعمالهم النتائج الطبيعية في الدنيا، لكن الله عز وجل أبطلها وأحبطها في الآخرة فلا يكون لها ثَمَّ من نتائج إلا الخسران المبين، فهي لقصور نتائجها على الدنيا الفانية كالهباء المنثور. أما أعمال المؤمنين، فإن كانت شبيهة في إعطاء النتائج السببية في الدنيا مع أعمال الكفار، فإن لها بقاء أبديا على صورة ثواب وجزاء ونعيم. أعمال المؤمنين سعي مَرْضِيٌّ في الدنيا إن حسَّنَه الإتقان، مرضِيٌّ في الآخرة إن زكّاه الإيمان وزكتهُ النية.. إنَّ على أفعال العباد في الدنيا يترتبُ ظهورهم على قوى الكون وأرزاقه التي سخرها الله جل جلاله للعالمين، ويترتب جزاء الآخرة السرمديّ” 3، و في “المنهاج” يضيف الإمام المجدد رحمه الله: “الأعمال عند الله عز وجل بالنيات، يثيب في الآخرة من حسنت نيته مهما كان خطؤه. لكنه عز وجل سن ناموسا في هذه الدنيا يقضي أن من لم يتخذ أسباب القوة يصرع في الحلبة مهما كانت نيته” 4.
لابد إذن من عمل مكتمل متكامل، تام وكامل، يجمع بين الجوارح والعقل والنفس والقلب لا يطغى أحد عن الآخر، ينتظم بنظام ما أخبر به المعصوم صلى الله عليه وسلم ويأتمر به، عملا وعلما، فماذا نعني بالعمل؟ وما علاقة العلم بالعمل؟ وأيهما يسبق الآخر؟ وكيف يعملان سويا؟ وأيهما يؤم الآخر؟
1. العلم إمام العمل
جاء في مجلة الجماعة: “لابد من العلم المسبق قبل الشروع في العمل، وعلى وضوح الرؤية وتكاملها يتوقف نجاح كل مشروع، سيما إن كان مشروع تغيير أمة من تخلف حضاري وفكري وخلقي وعسكري إلى قوة وتماسك. من تيه إلى رشاد. ما من المسلمين العاملين المهتمين إلا ويحرص -إن لم يكن عمليا فنطقا واحتجاجا- على إثبات أن المبدأ والمنتهى في العمل لا بد أن يجعل الكتاب الحكيم دستورا وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم نموذجا..” 5، ويضيف في الصفحة 99 من نفس العدد: “.. الخطأ في العلم خطير على نتائج العمل. والعمل بلا علم تخبط وجنون. والعمل في الغموض اضطراب لا يسير إلى غاية صالحة. من الناس من يفضل أن يعلم ماذا سيعمل قبل أن يبدأ في العمل. ومنهم من يكتفي بالظن فيبني عليه بناء لا يلبث أن ينهار. ومن الناس من يسطر الخطة لينجزها، بينما تجد من يَعُد إنجازا مجموعة من الأعمال المبعثرة، يحسب أن حجمها وما تحدثه من ضوضاء هو العمل. وتجد آخرين يحسبون أن العلم المرقوم على الأوراق كاف لتنتقل تلك المبادئ النيرة إلى واقع ينزل من السماء ويتلقاه الناس بتلهف..” 6.
العلم إمام عند إمامنا رحمه الله في جميع كتبه، يوجه الأعمال ويرشدها ويذهب بها مناحي الإنجاز النافع والهادف، ويبعد العاملين عن كل تخبط وارتجال، و يتساءل رحمه الله في هذا الصدد: “.. هل يمكن أن يكون صراعنا واضطرابنا بين الناس عملا مَرْضِيًّا إذا كان عملا لم يوجهه العلم؟ إذا كان عملا بغير علم؟ نعوذ بالله! العمل بلا علم ضلال وإضلال. إن بين العلم والعمل الصالح أمراً، يمكن أن يكون هنالك عالم لا يعمل، يمكن أن يكون هنالك عامل يعمل على غير هدى، فيفتي الناس على غير علم فيَضِلَّ ويُضِل. الأمر الذي بين العلم والعمل هو الإرادة القلبية، ويقظة الإيمان في القلب. يمكن أن يكون العلم متوفرا في أمةٍ فيسخره العالمون الظالمون للتخريب، لتخريب الإسلام.. العلم بدون إيمان أداة تخريب، وناهيكم بالعلم الرسمي الذي يبرر الظلم والفساد وينشد الأغاني في مدح الظالمين. العمل بدون علم تخريب أيضا وفوضى. الله عز وجل جعل العلم مُنْطَلقاً للعمل، فبدون أن يلتقي العلم بالعمل إما يكون التخريب من جانب التضليل بِاسْمِ العلم، وإما يكون التخريب من جانب العمل الفوضوي الذي لا يعتمد على ما أمرَ به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.. سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ، سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ، هل يكفي أن يكون هذا السباق سباقا فكريا؟ تعلمنا، تلقينا العلم، علمنا الحلال والحرام، علمنا المعروف والمنكر، قرأنا كذا وكذا من الكتب، اطلعنا على ما قاله فلان وفلان من أئمة العلماء، هل هذا يكفي؟ .. بم يكون هذا؟ لا يكون بالعلم وحده ولا بالعمل الذي لا يعتمد على العلم ولا بعمل منفصل عن الإرادة والإيمان، بل إنما يكون بالإرادة يحدوها العلم ويخدُمها العمل” 7. لا بد أن تصاحب العلم إرادة، ماذا نريد بهذا العلم؟ وأين نضعه؟ و لا بد له من فهم وإدراك وحدود، لا بد له من حكمة تحكمه وعقل يعقله، لكن عن أي عقل نتحدث؟ حتى لا نتيه في منزلق الثقافة العالمية الغربية الغريبة عن بيئتنا، أو المُغَرَّبَة التي نبتت في غير تربتنا وهي منا بالاسم والجنس واللون، يقول الإمام عبد السلام رحمه الله في الـ”تنوير”: “.. العلم، الحكمة، الفقه، العقل، الرشد، التفكّر، التدبر، النظر. هذه مفاهيم قرآنية نبوية نفرغها من محتواها الإيماني ولبها الإحساني إن نحن قرأناها على ضوء القاموس الفكري العام. هذه المفاهيم المفاتيح تحمل شحنات قلبية، ما منها كلمة إلا ومدلولها الإيمان، ودلالتها على الله، وعلى حكمة وجود الإنسان، وعلى مصيره إلى الجنة والسعادة الأبدية إن رشَد، أو النار والشقاء الأبدي إن غَوَى. تصير هذه الكلمات الشريفة حقا، القدسية مصدرا، قوقعات هوائية إن قرأناها بفكر ممسوح من الإيمان، وبآليات فكرية لسنية تصب علينا مساميرَها صبّاً الثقافة العالمية الأكاديمية الجاهلة بربها، المدججة بالأبحاث، الموَثّقةُ، المتخمة بإفرازاتها حوانيت الأدمغة المغربة..” 8. ويشرح لنا هذا المعنى في كتاب “الإحسان”، و يفصل لنا في حدود العقل وعلاقته بالعلم، فيقول: “.. وكما أن لفظة “علم” اكتسبت قدسية في قاموس الحضارة المادية الطاغية المعجبة التائهة بثمرات العلم، فكذلك لفظة عقل. العلم إذا أطلق في عصرنا فهو علم الأكوان من رياضيات وفيزياء وكيمياء وميكانيكا وكهرباء وإلكترونيات وما إليها. والعقل إذا أطلق فهو الآلة التي صنعت النظام العقلاني والمنهجية العلمية الاختراعية.. في حضارة الحواسِّ واللذة التي فَقَدَت منذ تنكرها للدين ورفضها له وجحودها بوجود الخالق جلّ وعلا كلّ إشارة إلى معنى وجود الإنسان وغايته ومصيره بعد الموت تحتل كلمتا “علم” و”عقل” صدر طابور القيم الصنمية الحضارية.. العقل الجبار، والعقل السفيه، يعتبران أن التكوين السليم والنظام السليم، هو العقلانية الموضوعية الوضعية النفعية. الحديث معهما عن الغاية والمعنى ترفٌ فكري.. لا يمكننا أن نقول للعقل المخترع الصانع المنظِّم السابح في الفضاء: “قف حتى نحاورك لتطيعَ وتذعن”. الراشد الهزيل لا يُسمع له. يُرفض ما معه من الحق مع ما فيه من هزال. ولا بد لنا من مباراة العقلانية وتحريرها من إلحادها، وترويضها، وغَنْمها، واكتساب العلوم والتكنولوجيا، وتوطينهما، والمساهمة في توجيههما، والتحكم فيهما لأهداف خير الإسلام وبر الإسلام.. إن ترشيد العقل شرط مسَبَّق على كل عمل لتحوير الحضارة المادية إلى عمارة استخلافية. وإن مكتسبات العقل المخترع ليست سفاهة إلا إن استُعمِلت لأهداف سفيهة. ولا يجدي شيئا أن نحاور العقل المتكبر الفلسفي، ولا العقل السفيه المخترع، لنُلزمهما بحجة الإيمان ماداما لا يقبلان التحرك إلا في حدود منهجيتهما الممسوحة الممسوخة، لم يبق في منهجيتهما مكان لفطرة الاستدلال بالصنعة على الصانع، ولا لرفض أن يكون هذا الكون المحكم النظام عبثا، ولا لهمِّ المصير بعد الموت.. ومن مرتفع النماء والكَفَاء وعمارة الأرض تكون لنا جولات حوارية مع العقلين التائهين. المهمة مهمة عملية تتوقف على الإرادة السياسية، ليست مهمة جدل وحذلَقة..” 9. وأضاف: “.. العقل عاقل العلم. لا يتم شرف العلم للمخلوق إلا بالعقل. قال جماعة بإعلاء قدر العلم على العقل. ولكن ذلك بالنسبة إلى الله. لأن العلم صفته تعالى. والعقل صفة المخلوق. أما بالنسبة إلى علمنا وعقلنا فعقلنا أجلُّ مرتبة وأرفع منزلة من علمنا، إذ لولا العقل لما تم لنا العلم. العاقل يكبو ويُصرَع، ولكن يؤمل له النجاح ويرجى له الخير. العاقل من فهم حكمة الدين. بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه أنه قال: كل عقل لم يَحْظَ بالدين فليس بعقل، وكل دين لم يحظ بالعقل فليس بدين” 10. لكن يبقى السؤال المحوري عن أي علم نتحدث؟ وما موقع العلوم الكونية؟ وهل هناك عقل واحد أم عقول مختلفة؟ وكيف يكون اختلافها؟
يقول الإمام المجدد رحمه الله، في حواره مع الفضلاء: “.. الناس سواسية في العقل، كافرهم ومؤمنهم.. وخلق سبحانه وقدر الأدمغة البشرية. رقد بعضها فلم يطور آلات علمية لينبش ويبحث ويستخرج. وبحث بعضها فوجد.. العلم الذي لا علم أشرف منه هو العلم الحق بالحق. هو العلم بالله عز وجل وبكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، هو العلم بما فرض الله وسن رسوله صلى الله عليه وسلم. وهو العلم المفروض طلبه فرضا بنص الحديث. حديث «طلب العلم فريضة على كل مسلم» جاءت روايته من أوجه كثيرة بعضها يؤيد بعضا. فهذا هو العلم الواجب، لا يسع التائب الاستغناء عنه من مصادره بتواضع وحرص، ولا يسع الناشئ في حضن الإيمان أن يكتفي منه بالقطرات.. العلم الحق هو عماد الحملة ورايتها. وسائر المطالب من محو الأمية، وتعميم التعليم، و استصفاء أهل النبوغ، والإنفاق على التعليم، وتشجيع البحث العلمي وتوطينه واستثماره، كلها أسلحة ضرورية. بجهاد واحد، وإعداد للقوة واحد. هذه العلوم الكونية التي يطورها ويستعملها ويركب جيادها الجاهليون لا تقابل العلم الحق، ولا تقاتله، ولا تزاحمه على حياة البشر لو أنها وضعت مواضِعها، ولم يعْدُ بها العقل المبسِّط المموه للحقائق مكانها من إعراب الخلق. ليست هذه العلوم الكونية، وليست أسباب اكتسابها.. رجسا من عمل الشيطان. لم يصنعها العقل الغربي. لم يصنعها. إنما هي أسرار أودعها الخالق البارئ سبحانه في خبايا المادة.. في الذرة والأجرام السماوية، وفي الماء والهواء، وفي المعدن والأحياء، وفي النبات والحيوان“ 11، والسؤال هنا، هل يمكن للعلم أن يكتمل ويصبح كاملا في ذاته مكملا لحامله؟
يجيبنا الإمام رحمه الله، في تنوير المؤمنات، فيقول: “.. تنهل المؤمنات من علم الآخرة في جلساتهن، ويشجع بعضهن بعضا على اقتناء الكتب، ومعاشرة الكتاب. فإن هذه الثقافة الإسلامية العامة التي تنشر في المجلات الإسلامية إن كانت مهمة في تنوير عامة المسلمات والمسلمين، لا تكفي لتفقيه المؤمنات بدينهن. وليكن علم المؤمنات [و المؤمنين أيضا] علم خطوة لا علم خطبة. عِلما يشرق في القلوب إيمانا وتصديقا، وفي العقول تدبيرا وتطبيقا. علما جامعا لمصلحة جامعة: الأمة ممزقة الأوصال كيف نجمعها. الخلاف مفرق كيف نضع حق الخلاف في الفروع مكانه، دون أن نُصلِت اللسان فيصلت الآخر الحُسام. مقالات المتكلمين الأُوَل لا نرفعها ألوية لنكفر ونبدع ونثير الخصام والقتال. تراث لا نحمله على ظهورنا أسفارا، بل نتبع كما اتبع من قبلنا، مجتهدين كما اجتهدوا، مستفيدين من صوابهم كما نستفيد من خطئهم. لا نصغِّرُ من قيمة اجتهاد من سبقونا ولا نضخمه، بل نضعه على سلم الخطإ والصواب حيث بلغ به الاجتهاد، وحيث أوقفه التقليد، وحيث ألجمته الضرورة. علم خطوة لا علم خطبة. علم يقربنا إلى الله تعريفا بالطريق. يكون العلم خطوة إن تلا التعريفَ تصديق، وتلا التصديقَ عمل وجهاد. قال الله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ 12. وفي الحديث “العلم إمام العمل”. أول خطوة أن نصحح المفاهيم ونطهرها مما علِق بها من الفهم المادي الدنيوي. ضلَلْنا وخسِرْنا إن اتبعنا الفهم المادي الدنيوي، أو سحبتْنا إلى التمثّل به ثم تَمثّلِه المحاولات التي تقارن وتحاور من مبدإ: القرآن سبق إلى هذا بأربعة عشر قرنا“ 13. ويضيف رحمه الله: “.. الكمال العلمي الحق هو: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين». رواه الترمذي عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. الكمال العلمي في طلب علم الوحي ليكون إماما وسيدا ومرشدا لعلوم الكون، وليكون السعي إلى تحصيله جهادا، ولتكون المشقة والصبر على امتلاكه وسيلة وطريقا إلى الجنة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة» رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه. الكمال العلمي تعلم القرآن وتعليمه وتفريع كل علم سواه عنه من علوم الدين والدنيا. «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» حديث نبوي رواه البخاري وأبو داود والترمذي عن مولانا عثمان بن عفان رضي الله عنه“ 14. الكمال العلمي هو الوحي، وطلبه يكون بطريق النبوة، بالمنهاج النبوي ليس إلا، جاء في المقدمات: “.. العلم: لابد من علم سابق، هو ذاك العلم المنصب في وعي المسلم بالمنبت أو بالتوبة من أسرته ورفقته وصحبته. لكن التعليم المنهاجي الذي يكون واسطة عقد المنهاج والشرط الأساسي لنجاح العمل هو العلم الذي يعيد في وعي المؤمن المعايير إلى وضعها الإسلامي، ويعيد في ثقافة الأمة كل معرفة كونية إلى مفصلها ومتصلها بعلم الحق، علم الوحي” 15. العلم المنهاجي هو العلم النبوي الجامع للعلوم، والمؤطر لكل عمل في حاضر المسلمين وغدهم، لكن: “.. عُزل العلم النبوي عن العمل وأصبح بلا قضية. العلم النبوي الموروث لا قبضة له ولا سلطان على مجال العمل اليومي. ويجادل ذرارينا المفتونون بأنك لن تحرك مصنعا ولا مكنة بأقوال الزمخشري والخرشي. وحق لهم أن يجادلوا لأن علماء الفروع ما يستطيعون أن يعلموهم أن الإسلام يحرك ما هو أعظم من مصنع ومكنة، إنه يحرك الإنسان ويرقي همته حتى يصبح الإنتاج الكمي وسيلة من وسائله لا غاية. ما يستطيع أحد أن يعلمهم ذلك إلا على قدر ما لديه من وراثة بحق للنبي الذي بعثه الله معلما. ولا تكون له وراثة بحق إلا إن علمه شديد القوى ذو مرة من العلماء العاملين، كما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد القوى ذو مرة من الملائكة. وإن وراثة الوراقين تبلى بعد جيل ويتجدد ميراث العلماء العاملين على رأس كل مائة سنة، وهو أبدا جديد بتجدد إيمان العاملين كل غدو ورواح بـ”لا إله إلا الله”.. إن العلم النبوي إن لم يكن مصدرنا لإحياء الأمة بإحياء اقتصادها فلن تكون لنا حياة. إن الله بعث رسوله ليعلمنا الكتاب والحكمة وليتلو علينا آيات ربنا. فبالتلاوة نذكر ربنا فيعطينا إيمانا، ومن الكتاب نستخرج الحكمة لكي تتحكم في شؤون حياتنا وتسيرها على المنهاج. ما الحكمة إلا حَكَمَة تتحكم في الاتجاه وتتحكم في العمل وفي نظام العمل. والفقه المنهاجي اكتشاف للحياة الإيمانية وللحياة المفتونة معا، ثم بعدهما للحياة المنبعثة غدا. إنه منظار ننظر به تاريخنا في امتداده للغد الموعود” 16.
إذا كان العلم هو إمام العمل، وسابق عليه وضروري، والعلم الكامل هو العلم بالله والوحي، وطريقه هو المنهاج النبوي، فما علاقة العلم بالعمل؟ وهل يمكن العلم بلا عمل؟ وما تأثير العمل على العلم؟ وما مكانة العمل بالنسبة للعلم؟
[2] “المنهاج النبوي: تربية وتنظيما وزحفا”، الفصل الخامس “الخصال العشر وشعب الإيمان”، الخصلة السادسة “العمل”، فقرة “من الفتنة إلى الإيمان”، ص. 234 – 235.
[3] الإحسان، ج2، خصلة العمل، فقرة “أحب الأعمال إلى الله”، ص. 103 – 104.
[4] “المنهاج النبوي: تربية وتنظيما وزحفا”، الفصل الخامس “الخصال العشر وشعب الإيمان”، الخصلة السادسة “العمل تنظيما”، فقرة “الطاقات المهدرة “، ص. 240.
[5] مجلة الجماعة، العدد 7، الافتتاحية: المنهاج النبوي، ص 10، شهور محرم – صفر – ربيع الأول 1401.
[6] مجلة الجماعة، العدد 7، ص. 99، شهور محرم – صفر – ربيع الأول 1401.
[7] دروس المنهاج، المجلس 3: سلامة القلوب، ص. 17 – 18 – 19.
[8] تنوير المومنات، ج 2، الفصل 6، فقرة “الكمال العلمي”: ص. 70.
[9] الإحسان، ج 2، الفصل 7 “العلم”، فقرة “العقل”، ص. 26 وما بعدها.
[10] الإحسان، ج 2، الفصل 7 “العلم”، فقرة “العقل”، ص. 31.
[11] حوار مع الفضلاء الديموقراطيين، فصل “تعليم يحررنا”، فقرتي: “أي علم؟” و”هذه العلوم الكونية”، ص. 142 – 143 – 144.
[12] سورة الإسراء، الآية 36.
[13] تنوير المومنات، ج 2، الفصل 6، فقرة “الكمال العلمي”: ص. 69 – 70.
[14] تنوير المومنات، ج 2، الفصل 6، فقرة “الكمال العلمي”: ص. 72.
[15] مقدمات في المنهاج، الخصلة الخامسة: العلم، ص. 81.
[16] الإسلام غدا، الفصل الثاني: النموذج الخالد، فقرة العمل، ص. 262 / 264 – 265.