عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه” 1 ، أي أسرعوا بتأدية أجر الأجير بعد فراغه من عمله دون مماطلة أو تأخير، جزاءَ عناءه وكدّه وتعبه، جزاءً مستحَقا وحقا مكفولا وعهدا موفى. وكذلك يفعل المولى الكريم، ومن أوفى منه سبحانه عهدا؟ فهو خير من استأجر وحاسب وأجر.
وكأنا بالله سبحانه استأجر عباده في رمضان بالصيام والقيام، والتقوى والإحسان والاحتساب، فمن وفىَّ ما عليه من العمل كاملاً وفىَّ له وأعَظَم له أجرا، جزاءً منه وكرما، يقبل اليسير ويعفو عن الكثير. يبسط لعباده موائد كرمه وعطائه ويدعوهم لغنيمته ويعطيهم أجرهم : رحمةً في أول رمضان ومغفرةً في وسطه وعتقا من النار في آخره، جعل لهم بصيامهم جزاءً معجلا وآخر مؤجلا صحة وجنة وحصنا: “صوموا تصحوا” 2 “الصيام جنة وحصن حصين من النار” 3 ، وادخر لهم من الأجور ما لا تعد ولا تحصى ولا يعلم قدرها إلا هو سبحانه وتعالى، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله، قال عز وجل: إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به” 4
وبعد صيام وقيام شهر يتوج الله عباده بيوم توزع فيه المنح الربانية التي ما هي إلا جزء من المنح والأجور التي يخص الله بها عباده الصائمين يوم القيامة، 5 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله:” للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح ، وإذا لقي ربه فرح بصومه.”“يوم سمي بيوم الجائزة يوم استيفاء الأجور …” يوم تتزين فيه الأجساد بالجديد من بالملابس ، والقلوب بالجديد من التقوى والايمان ، يزين كل عبد ذاته بحسب ما اجتهد وصام وقام واخلص لله وبقدر ما صقل القلب من بواطن الاثم والجوارح من سوء الفعل و الله لا يضيع اجر العاملين ورحمته اوسع للمؤمنين.
يوم هو يوم عيد الفطر عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: إذا كان يوم الفطر هبطت الملائكة إلى الأرض فيقومون على أفواه السكك ينادون بصوت يسمعه جميع من خلق الله إلا الجن والإنس يقولون: يا أمة محمد اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل ويغفر الذنب العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله عز وجل لملائكته: يا ملائكتي ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ فيقولون: إلهنا وسيدنا أن توفيه أجره فيقول: إني أشهدكم أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم رضائي ومغفرتي، انصرفوا مغفوراً لكم.
فمن كان رضى الله ومغفرته له ثوابا كان حتما لله شاكرا قال الله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، ومن تمام الشكر مواصلة العمل والثبات عليه قال صلى الله عليه وسلم: عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر فمن استأجرنا سبحانه في رمضان يستأجرنا في كل وقت وحين فلا نجعل بعد رمضان علو همتنا خمولا وكسلا ولا إقبالنا على المولى إعراضا ولا لطلبنا الخير فيه بعده نُكوصا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اطلبوا الخير دهركم كله وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فان لله عز وجل نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، واسألوا الله أن يستر عوراتكم، ويؤمن روعاتكم.
اللهم ندعوك مولانا بلسان الشكر على ما هديت وأوليت، ووهبت وأسديت. لك الحمد والثناء الحسن، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، نعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم والقسوة، والغفلة والعيلة.
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.