المحور الثالث- الـقــيــادة.. الـخـيــط الـناظــم وقـطــب الـرحــى
لا يخفى على ذي لب ما للقيادة من قيمة وأهمية في أي تجمع أو سرب، حتى يستقيم أمره، وينتظم جمعه، ويشق طريقه بفعالية نحو غاياته وأهدافه، وإن ذروة سنام أمر جماعة المسلمين قيادة ربانية من سوادها وإليهم، قطب رحاها الذي حوله تدور رحى الجهاد، قلبها المحرك الذي حوله تجتمع القلوب على الصفاء والمحبة، وعقلها المفكر بتوجيهاته وإرشاداته تستنير العقول والألباب، لا توقفها العقبات ولا توهنها التحديات، ترتفع إليها الأنظار، وتلتف حولها الآمال، وُتعقد على رباطة جأشها المنحلاّت من العزائم) 1 .
صفات القيادة
1) أن تكون ربانية محبوبة واصلة إلى الله متصلة به تشع من ربانيتها معاني الرحمة والذلة على المؤمنين والشدة على عدوهم، ويشع من نور علمها نور التوفيق للرأي السديد والاجتهاد الرشيد، ويشع من حفظها لحدود الله مهابة معنوية تجعل طاعتها وفداءها بالأنفس مطلبا عزيزا) 2 .
2) أن تكون قوية رصينة وتظهر قوة القيادة ورصانتها عندما تتحمس الجماهير وتفور حيويتها إزاء التغييرات السياسية التي تقع أثناء القومة وبعدها، هذا الحماس سرعان ما يتبخر، إذ تعم الريبة وخيبة الأمل نتيجة ما تلاقيه القومة من عناد الأحوال ومكائد أشباه الرجال، التي تحول دونها ودون الأفضل. في مثل هذه المواقف تمتحن قوة القيادة ورصانتها من خلال:
– القدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة لمواقف دقيقة، وعدم الانجرار وراء حماسة الجماهير.
– أن تحافظ للسواد الأعظم على جذوة الأمل وتبعث فيه روح العمل. لأن آمال الرخاء والكرامة والعدل… لا تقدم بالتمني للنائمين الخاملين القاعدين. بل اقتضت حكمة الله وسنته أن تتخذ الأسباب.
أعباء ثقيلة ومواقف دقيقة، مصير الأمة بين يدي القيادة وتحت مسؤوليتها. السند فيه أن تكون هذه القيادة راسخة ثابتة الأقدام مع الله عز وجل متوكلة عليه حق التوكل.
3) أن تكون منتخبة: قيادة منبثقة من الإرادة الحرة، مختارة ومسؤولة أمام الشعب وممثلية؛ حكمة انتهت إليها البشرية عبر تاريخها؛ حماية للشعوب من استبداد الفرد وتفرعنه وتسلطه، ومنه كان ابتدأ تاريخ الخلافة الراشدة وإليه يعود إن شاء الله تعالى) 3 .
4) أن تكون راعية لا جابية: إن مهمة القيادة الأولى الدعوة إلى الله عز وجل، بشارة ونذارة استعدادا لما بعد الموت؛ تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وإخوانه من قبله رسل الله سلام الله عليهم، ينبغي أن لا يشغل القائد تنظيم البلاد وإدارتها، وإحقاق الحق وإقامة العدل عن مهمته الأولى بث الدعوة وتعليم الناس أمر دينهم، وإقامة الركن الأعظم في الدين؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. روى الإمام الطبري رحمه الله أن عثمان رضي الله عنه كتب إلى عماله، قال: أما بعد فإن الله أمر الأئمة أن يكونوا رعاة، لم يتقدم إليهم أن يكونوا جباة وإن صدر هذه الأمة خلقوا رعاة ولم يخلقوا جباة ولا يكونوا رعاة فإذا عادوا كذلك انقطع الحياء والأمانة والوفاء. ألا وإن أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمين وفيما عليهم، فتعطوهم مالهم وتأخذوهم بما عليهم، ثم تثنوا بالذمة فتعطوهم الذي لهم وتأخذوهم بالذي عليهم. ثم العدو الذي تنتابون فاستفتحوا عليهم بالوفاء).
مرضان مهلكان
نظرا لخطورتهما وعواقبهما على الأمة أجمعها أبرزهما الإمام المرشد من خلال فقرتين مستقلتين. هذان المرضان يتربصان كل جماعة بشرية – في قيادتها بالخصوص – لاسيما إن تولت الحكم، وهما العجب المستكبر، وبطانة السوء.
أ– العجب المستكبر: الإعجاب بالنفس، وحب الإطراء، صفات شيطانية ومداخل لتكون النفس الطاغوتية إذا تمكنت من نفس من ولِيَ أمرا من أمور المسلمين، فيبدأ في عبادة نفسه والمن على رعيته فـتفلت من يده كوابح الحياء والحشمة فيعد ويخلف ويكذب حتى يفتضح ويمقته الله والناس) 4 . وتلافيا لمثل هذا أوجب الله على الأمة:
– التيقظ الدائم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
– الشد على يد الطاغي ومحاربة كل ظاهرة طاغوتية مهما كانت صغيرة.
ب– بطانة السوء: أخرج الامام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف، وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه. والمعصوم من عصم الله”.
* بطانة المعروف سندٌ ودعم وحفظ لكل من اؤتمن على أمور المسلمين.
* بطانة الشر لا تألوا جهدا في إفساد أمر الراعي، وامتصاص ما فيه من خير، وطرد بطانة الخير التي حوله وعزله عن الأمة؛ لقضاء أغراضها ومآربها.
لا نجاة منها إلا بــ:
– الاحتياط الشديد والدائم من المتملقين وأهـل الفساد والخبال.
– فتح الأبواب لممثلي الأمة، وتشجيع المتظلمين على كشف ما يدور حول القيادة، وفي ظلها مما يخالف الحق.
– إقصاء ومحاصرة كل من كان حول القيادة وسقط إلى مرتبة العوام. 5