جماعة المسلمين من تشخيص الداء إلى مقترح البناء (1) عرض لكتاب “جماعة المسلمين ورابطتها”

Cover Image for جماعة المسلمين من تشخيص الداء إلى مقترح البناء (1)
عرض لكتاب “جماعة المسلمين ورابطتها”
نشر بتاريخ

إنه من الصعوبة بما كان أن يستطيع باحث دراسة مؤلف من مؤلفات عالم جليل مثل الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، وخصوصا أن المؤلف ليس كاتبا عاديا، يكتب للترف الفكري، أو لإثبات الذات في الساحة العلمية أو الأكاديمية، بل عمل الرجل أكبر من ذلك وأجل، جمع بين التنظير والتطبيق على أرض الواقع، ووضع تصورا كاملا، بثه في كل ما خطته يده من كتب صغيرة وكبيرة، لكن رغم هذه الصعوبة، نحاول مستعينين بالله عرض هذا الكتاب، وفق المنهجية التالية:

أولا: تشخيص الداء

1- من هم جماعة المسلمين؟

أكد المؤلف رحمه الله على مشروعية سؤال: من هم جماعة المسلمين؟ ويدعوا القارئ للتأمل وتشخيص داء الأمة، وما دخل عليها في تاريخها، لينتهي للتساؤل عن جماعة المسلمين: مر بذهنك على هذه القرون وفتنها، وما دخل على الأمة من وهن، وما توالد من مدارس، وما نشأ من خلاف، وما حدث من لعب السياسة بالدين، وما طرأ من خمول وموت على الهمم، ثم حط رحلك مع المتسائل من إخوانك عن جماعة المسلمين التي تقدر ويحق لها أن تعيد للوجود دولة القرآن) 1 وذكر المؤلف عن الشاطبي في الاعتصام خمسة آراء في الجماعة الناجية:

الرأي الأول: أنها السواد الأعظم من أهل الإسلام. والرأي الثاني: أنها جماعة أئمة العلماء المجتهدين. والرأي الثالث: جماعة الصحابة. والرأي الرابع: جماعة أهل الإسلام. والرأي الخامس: أنها الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة.

وبعد ذكر هذه الآراء الخمسة خلص الإمام الشاطبي كما يذكر المؤلف، إلى رأي جامع ووافقه عليه، وهو أن جماعة المسلمين هم العلماء المتصدرون لقيادة العامة، وأن الاعتبار لهم أولا، والسواد الأعظم لهم تبع، وأضاف المؤلف أنه: يلتمس جماعة يقودها علماء مجتهدون ومجاهدون جامعون مجندون كما كان المهاجرون والأنصار جامعين مجندين) 2 .

ويشترط المؤلف لإطلاق جماعة المسلمين واسم أمير المؤمنين، عندما يتأتى إجماع علماء الأمة المهاجرين والأنصار، ومن ورائهم سواد الأمة، موافقا مؤيدا، على هيئة إسلامية، ولو تعددت في إطارها التنظيمات، يؤمهم إمام واحد، وبهذا يكون الانتماء لجماعة المسلمين المنجي من الميتة الجاهلية، هو انتماء الولاء، وانتماء التهيئ، وانتماء تركيز الجهود للوصول إليها.

وفي إطار انتماء التهيئ لجماعة المسلمين، يذكر الكاتب نواظم ثلاث في طريق جماعة المسلمين المرتقبة: 1- الحب في الله والبغض في الله، وهو معنى قلبي للولاية.2-الشورى وإجماع الرأي والاتفاق على الخطة العامة، وهذا معناها العقلي،…3 – الطاعة للقيادة، وهذا معناها وشرطها العملي التنفيذي الجهادي) 3 .

2- انفصال القرآن عن السلطان

يذكر الكاتب أن وازعا القرآن والسلطان قد انفصلا وانشق بعضهما عن بعض، وأصبحت الدعوة تحت إمارة السيف، بعدما كانت في عهد النبوة متحدة الوجهة مع الدولة، وعلق على قولة سيدنا عثمان: لما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن) بقوله: والمنطق الذي يصدر عنه رجل دعوة مثل الإمام عثمان رضي الله عنه هو أن يعتمد وازع السلطان ليكون رادعا لمن يخالف تعليم القرآن) 4 .

وذكر الكاتب أن على الأمة وعلمائها تشخيص دائنا، والاعتراف به، والمتمثل في فساد الحكم بعد ثلاثين سنة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم استيعاب هذا الأمر فإن مستقبلنا يبقى في ضباب، وكل دفاع عن الاستبداد والعض والجبر إنما هو استلذاذ بالأوبئة التي نهكتنا قرونا حتى أتت إلى كياننا المعنوي فتبعه في الانهيار كياننا السياسي الحضاري) 5 ، وفي فقرة (السلطان النصير) يقر أن السلطان عزة وقوة لتمكين الدعوة في دولة القرآن، والسلطان ينصر كتاب الله وحدوده وفرائضه 6 .

3- صيغ محاربة الإسلام والمسلمين

حذر المؤلف المسلمين من الاغترار بالصيغ والأشكال الجديدة التي يبتكرها أعداء الإسلام لقتال السلطان للقرآن، وأطلق عليها صيغة الإسلام الأمريكي أو اليسار الإسلامي) 7 ، وأن أساليب ومناهج الحرب على القرآن وأهله تطورت في عصرنا عما كانت عليه من قبل قتال القرآن أمس الدابر بالرشوة والقمع، بمنح الملوك ومحنهم للدعاة كان قتالا بسيطا ببساطة وسائله، وهو اليوم حرب مجهزة بأحدث أساليب المكر والاغتيال والتآمر) 8 .

وذكر الكاتب ثلاث صيغ وهم : الماسونية والعلمانية وسماهما بالثنائي الجهنمي، والقومية:

فالماسونية تنظيم يهودي سري، فكرتها الجوهرية وأساس بنائها هو: أن الأديان تفرق، وأن الإنسانية تجمع، فلتكن الرابطة الجامعة الأسمى رابطة الإنسانية تغاضيا عن كل دين) 9 وقد انتشرت النوادي الماسونية في البلاد الإسلامية، واغتر بها وانخرط في سلكها علماء من الأمة من أمثال الأفغاني وجماعته ومحمد عبده وتلامذته) 10 لكن الكاتب التمس لهم العذر بأنهم كانوا صادقين لكن انطوت عليهم الحيلة والخديعة حدث كل ذلك في فترة كانت خبرة المسلمين فيها بكيد اليهود قليلة) 11 والعلمانية كما هو متداول يقول الكاتب هي: فصل الدين عن الدولة، لكن يضيف الكاتب أنها إذا اقترنت بالقومية تعني: فصل أجزاء البلاد الإسلامية وشعوبها بعضها عن بعض، لتنخرم الوحدة على الدين وبالدين) 12 . ويقول الكاتب عن هدف هذا الثنائي: هدف الماسونية تجريد الناس من الدين أفرادا، وهدف القومية العلمانية تجريدهم منه جملة) 13 .

وفي الكلام على الدولة القومية ذكر أنها تنبني على العصبية للجنس واللغة والتاريخ والتكتل القومي الحزبي) 14 ، وبذلك تضيق القومية عن الاجتماع الإنساني، عكس المقترح الإسلامي الذي جاء ليمحو كل هذه الفوارق الضيقة، لتسود معاني الفطرة، ووحدة المخلوقين أمام الخالق) 15 ، ونقل الكاتب عن رجاء جارودي أن القومية مرض غربي دخيل على المسلمين، وأن وحدة الإيمان هي صمام الأمان للمجتمع المسلم.

وفي فقرة (ولاية الله عز وجل) ذكر الكاتب أن ولاء القوميين للدم والعرق واللغة والأرض والتاريخ…، لذلك ينبغي للمؤمنين أن يتميزا عنهم بالإخلاص والولاية لله وحده، يقول المؤلف: كانت الهجرة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلة من مكة أو من منزل القبيلة إلى دار الهجرة، نقلة من مكان لمكان تترجم عمليا تحول الولاية من العشيرة والقبيلة والأرض والمألوف إلى الله ورسوله والمؤمنين والمستضعفين، وهم المستضعفون على الدين المظلومون) 16 .

وفي فقرة (أولو الأرحام) في هذا الفصل قرر أن الولاية تكون لله ولرسوله وللمؤمنين، لكن الكاتب تساءل عن موقف الإسلام من الروابط الاجتماعية: النسب والقرابة والصداقة والانتماء للقطر والجهة، وأجاب أن الرحمة تغطي كل الروابط البشرية 17 ، وأنه إذا تعارض الولاء لله ورسوله والمؤمنين مع الولاءات للقبيلة والأنانية والقطرية، والوطنية، وما هنالك، فيطرح كل ذلك ويقاتل ويستأصل 18 .

لكن ختم هذا الفصل بملحظ دقيق يدل على فقه الرجل وعلمه ومرونته الفكرية: وخلاصة القول إن حدود الولاء لا تمر كالصارم البتار تقطع الصلات البشرية كما يقطعها الانتماء الثوري للطبقة، بل ينفتح الإسلام رحمة واعدة بمستقبل الأخوة) 19 .

4- أمراض جماعة المسلمين

ذكر الكاتب الأمراض التي تقدح في إيمان عضو الجماعة: الشح المطاع، والهوى المتبع، والدنيا المؤثرة، والإعجاب بالرأي، والإخلال بشعب الإيمان البضع والسبعين، والوقاية والعلاج منها هو ذكر الله، والاستغفار، والإنابة، وأضاف: وهناك مرضان رئيسيان يتربصان كل جماعة بشرية لاسيما إن تولت الحكم، وهما العجب المستكبر، وبطانة السوء) 20 .

العجب: ذكر الكاتب في ما نقله عن الإمام علي رضي الله عنه أن العجب بالنفس، والثقة بها، والثقة بما يعجب منها، وحب الإطراء، من مداخل الشيطان، يقول الكاتب: فإن النفس الطاغوتية تحب من يتملقها ويطريها، ويزايد في الإشادة بفضائلها المزعومة) 21 وبهذه الإشادة والإطراء ينشأ عندنا طواغيت ومستبدين: وتتعاشر الطاغوتية فيتكون الملأ المستكبر. تتكون شرذمة تطأ رقاب العباد تستأثر بالأموال، وتفتك بالمعارضين، وتستعبد لنزواتها وشهواتها كل إمكانيات الدولة) 22 لكن علاج هذا الأمر كما يقول الكاتب: وتلافيا لمثل هذا أوجب الله علينا التآمر بالمعروف والنهي عن المنكر…) 23 .

البطانة: تكلم الكاتب عن بطانة القائد الإمام، وقسمها إلى قسمين: الأولى: بطانة تأمر بالشر وتحض الإمام القائد عليه، وعلى الإمام الحذر من هذا القسم وفي ذلك يقول: وعلى كل من حمل مسؤولية من المومنين أن يتعرض لحفظ الله عز وجل بالاحتياط الدائم الشديد من المتملقين وأهل الخبال والفساد) 24 والثانية: البطانة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، وهي التي تقي القائد شر القسم الأول يقول الكاتب: ولا مهرب للولاة ولا للقائد الإمام من أخطار البطانة إلا بفتح الأبواب لممثلي الأمة، وتشجيع المتظلمين على كشف ما يدور حول القيادة وفي ظلها مما يخالف الحق) 25 .


[1] ص: 74.\
[2] ص: 78.\
[3] ص: 80.\
[4] ص: 26.\
[5] ص: 30.\
[6] ص: 34.\
[7] نفسه: ص: 16-17.\
[8] ص: 17.\
[9] ص: 18-19.\
[10] نفسه.\
[11] نفسه.\
[12] نفسه.\
[13] ص: 20.\
[14] ص: 43.\
[15] ص: 43.\
[16] نفسه.\
[17] ص: 62.\
[18] ص: 63.\
[19] نفسه.\
[20] ص: 114.\
[21] ص: 115.\
[22] ص: 115.\
[23] نفسه.\
[24] ص: 116.\
[25] ص: 117.\