حاكمة من بلاد المغرب

Cover Image for حاكمة من بلاد المغرب
نشر بتاريخ

من هي هذه الشخصية التي وظفت نفسها لتسوس وتدافع عن وطنها زهاء ثلاثين سنة؟ من هي هذه الشخصية سلطانة زمانها التي حكمت تطوان وسعت إلى هدنة المنطقة ووحدتها؟ من هي هذه السيدة التي كان لها الدور القيادي في تسيير الشؤون التجارية والحربية في المغرب، وجابت سفنها أغوار البحار؟

إنها السيدة الحرة؛ حاكمة تطوان التي من حظها أنها ما ذكرها التاريخ المغربي بشيء إلا ما جاء في كتاب دوحة الناشر لمحمد بن عساكر، ومن حسن حظها أن الكاتب ابنها، فدون لها وفق متطلبات الظروف السياسية التي فرضت عليه السكوت عن العديد من المواقف وخصوصا منها السياسية، ليذكر جانب زهدها وعبادتها فقط. وما جاء أيضا في المصادر الأجنبية التي ما أجحفتها حقها، حيث نجد الكاتب سبستيان دبركاس يبين علاقتها مع حاكم سبتة واهتماماتها التجارية والبحرية.

وأوتيت من كل شيء

ذكر هذا النعت التشريفي في القرآن الكريم للمرأة في شخص بلقيس ملكة سبأ في عهد سيدنا سليمان عليه السلام التي أوتيت من كل شيء؛ من العلم والزعامة والجمال والثراء، وتوفر أسباب الحضارة والقوة والمتاع، وارتقاء الصناعة “ولها عرش عظيم”…

في حين نجد التاريخ المغربي يجحف السيدة الحرة حقها، فلم يذكر لها حسا ولا خبرا، كأنها لم تمر في عهد حكمها لمنطقة تطوان بشمال المغرب خلال القرن 16م. هذه الحاكمة التي أوتيت هي أيضا من كل شيء؛ أوتيت من العلم والذكاء وشرف النسب والخبرة السياسية.. لأنها نشأت في وسط يسوده جو الزعامة والقيادة، فهي ابنة أمير شفشاون علي بن موسى بن راشد، وشقيقة وزير، وزوجة حاكم تطوان محمد المنظري، ومن بعده زوجة السلطان أحمد الوطاسي.

أجحفها التاريخ حقها لا لأن التدوين لم يكن في تلك الفترة، وإنما لكون شخصيتنا امرأة، فجرى عليها ما جرى على الأمة من انحطاط بصفة عامة وعلى كل امرأة في تاريخ الإسلام. فبعد العهد النبوي والخلافة الراشدة الذي عرفت فيه المرأة حضورا ومشاركة فعلية في كل المجالات نجد هذه الأبواب التي فتحت في وجهها قد سدت وضربت عليها أقفال كضمان لعزتها وكرامتها!

أسطول تجاري وعسكري لا قوارب موت تجوب البحار

أنشأت السيدة الحرة أسطولا بحريا تجاريا على مستوى عال، إذ كانت سفنها تجوب أغوار البحار، مما خول لها أن تربط علاقات خارجية خصوصا مع جيرانها الجزائريين والإسبان. فقد سجل لها التاريخ الغربي مساعداتها لحاكم الجزائر “بارباروس” عند قيامه بالجهاد البحري. ومساعداتها للإسبان والبرتغال الذين عقدوا معها علاقات وثيقة بصفتها القوة البحرية المسؤولة عن المنطقة من أجل إطلاق سراح أسراهم.

 ونلتفت إلى عصرنا فماذا نجد؟

نجد أسرانا؛ أسرى الخبز والفقر والبطالة، الحالمين بالعيش الكريم تردهم لنا الجارة إسبانيا جثثا هامدة.

هذا الحلم الذي يتمناه الكثير من الشباب المغاربة ينتهي أحيانا نهاية مأساوية طافية على السواحل الإسبانية والمغربية، ليس زبدا للبحر أو ما يخرجه ليلفظه، وإنما شباب من خيرة أبناء الوطن، ويتعدى أمر الهجرة إلى زبدة البلاد من خريجي الكليات والجامعات وأصحاب الشهادات والحرف البانية، الطامحة في بناء بلاد الآخر لما سدت في وجهها كل الآفاق المستقبلية التي تضمن لها العيش الكريم.

نجد المرأة “الحرمة” كائنا ساكنا ساكتا غارقا في أوحال الأمية والظلم والفقر والتخلف الحضاري والانحطاط الأخلاقي والهزيمة..

عقبات هي متعددة المظاهر ودعوة من الله عز وجل للاقتحام ومشاركة فعلية في الميدان، لأن قضية المرأة مع التاريخ ومع الواقع لا تحل إلا في إطار شامل تشارك فيه مع الرجال بفعالية، تتجاوز همتها الأفق الضيق المحدود الذي رسمه لها تاريخ الإسلام التقليدي لتبني على منوال أمهات المؤمنين والصحابيات المتحررات.