في حلقة أخرى من حلقات “حديث القلب”، الذي تبثه قناة الشاهد الإلكترونية، تناول الأستاذ بوجمعة بوتوميت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الحاكم في المستدرك؛ عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أصبح وهمه غير الله فليس من الله، ومن أصبح لا يهتم للمسلمين فليس منهم”، حديث يبرز “شرف وعظم مفهوم هذا الدين وشموليته، حتى لا يبقى فهمنا قاصرا عن مقاصد شرع الله سبحانه وتعالى ومراد الله سبحانه وتعالى من عباده” يقول بوتوميت.
هذا الحديث “يبين لنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين اهتمام وتهمم”؛ أولا “أن يهتم الإنسان ويتهمم بخلاصه الفردي؛ كيف ينجو من عقاب الله سبحانه وتعالى؟ كيف يكون من المرضي عنهم ومن المقربين عند الله سبحانه وتعالى؟ كيف يكون من الفائزين يوم القيامة من الناظرين إلى وجه الله سبحانه وتعالى الكريم الوهاب؟”. وثانيا “أن يهتم بأمر المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم: ومن أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”.
ولفت المتحدث إلى أن “هذا الحديث مروي بعدة صيغ منها رواية للطبراني؛ عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أصبح وهمه الدنيا فليس من الله في شيء”“، أي “من أصبح يفكر في الدنيا وتشغله الدنيا وتشغله همومها، ومحط نظره واهتمامه وتهممه ودائرة تفكيره لا تعدو الدنيا وأطماعها، فإنه ليس من الله والعياذ بالله، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”.
ثم عرض واقعنا الحالي على الحديث المذكور لينبه “أن الناس يهتمون بأمور الطاعة؛ فيصلون ويزكون ويحجون ويقومون بمختلف الطاعات، سواء الفرائض أو النوافل، ولكن قلّ منهم من يفهم هذا الفهم العام الشامل لدين الله سبحانه وتعالى”، معتبرا “أن الاهتمام بمشروع خلاصك الفردي، كيف تنجو من عقاب الله سبحانه وتعالى وحده وأنت لا تهتم بأمر المسلمين، معناه أنك لم تصب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كاملة”، ذلك أن من الناس من يهتم بالطاعات ويقرأ القرآن ولكن لا يتحرك ولا يتألم لأمر المسلمين، يسترسل بوتوميت.
وتأكيدا على المفهوم ذاته أورد الداعية حديثا آخر يقول فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام: “لئن تمشي في حاجة أخيك حتى تثبتها له خير لك من أن تعتكف في مسجدي هذا شهرا”. ليؤكد أن “الطاعات الجماعية التي يتعداها خيرك إلى غيرك قد تكون أكثر أجرا وأكثر مكانة وأكثر قيمة عند الله سبحانه وتعالى، لأن فيها المنفعة للآخر”.
واقتبس قولا للقرضاوي رحمه الله سبحانه وتعالى ورد في بعض كتبه، “سألوه: ما أفضل الأعمال؟ قال: ما كانت الناس في حاجة إليه، لأن من مقاصد الشريعة أنها جاءت لتنظيم مصالح العباد؛ وبالتالي ففي زمن التقاعد عن الجهاد والتخاذل يكون أفضل الأعمال جهاد في سبيل الله، وفي زمن القحط والشدة والفقر يكون أفضل الأعمال هو الصدقة، وفي زمن الجهل يكون أفضل الأعمال هو نشر العلم، وفي زمن تقاعس الناس وقعودهم عن دعوة الله سبحانه وتعالى وفساد المجتمع يكون أول الأعمال وأفضلها عند الله سبحانه وتعالى هو الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. فهكذا تتغير أفضلية الأعمال حسب المقام وحسب حاجة الناس في كل مرحلة من المراحل”.
وتأسيسا على ما سبق من أحاديث وأقوال خلص المتحدث إلى أنه ليس هناك ثبات على أن عملا ما هو الأفضل، مسترشدا بردود رسول الله صلى الله عليه وسلم على صحابة كرام سألوه نفس السؤال فأعطى كل واحد منهم جواباً مختلفاً؛ “مثلاً يأتيه أحدهم فيقول له: لا تغضب ولا يزيد على ذلك، ثم يأتيه آخر فيقول له: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فمرني بعمل لا أسأله أحداً بعدك، قال: قل آمنت بالله ثم استقم”..”.
فأفضلية الأعمال تتغير، يردف بوتوميت، وبالتالي ينبغي “اليوم أن نصحح فهمنا لدين الله سبحانه وتعالى، وينبغي أن نهتم لأمر المسلمين، لأن الاهتمام لأمر المسلمين واجب، ومن أصبح لا يهتم لأمر المسلمين فليس منهم والعياذ بالله سبحانه وتعالى، خاصةً في ظل ما يقع للأمة اليوم من مأساة، وما يقع لها من حروب، وما يقع لها من أزمات تدلهم لها الخطوب وتشيب لها النواظر والعياذ بالله”.
ليختم حلقته بالتوجه إلى الله سبحانه وتعالى “أن يوحد كلمة المسلمين، وأن يجمع شتاتهم، وأن ينصر المؤمنين المجاهدين في كل مكان، وأن يعلي راية الدين، آمين والحمد لله رب العالمين”.