لا يناقش اثنان كون الاهتمام بالتعليم وإصلاحه والتخطيط لتجويده والرقي به هو مفتاح التنمية والتطور، كما أن الاهتمام برجال التعليم وتحسين وضعيتهم الاجتماعية وتجويد ظروف اشتغالهم، هو صمام أمان المدرسة العمومية والضامن الحقيقي لجودة التعلمات، حيث الكفايات المتميزة والقيم المتجددة، لذلك نجد جميع الدولة المتقدمة تجعل قضية التعليم من أولى أولوياتها؛ يخصص له النصيب الأكبر من الدراسات والأبحاث، ويحصل على الحظ الأوفر من الميزانية العامة للدولة، كما تجعل من نساء ورجال التعليم رمزا لكل القيم الإيجابية داخل المجتمع، تخصص لهم أحسن الرواتب والتحفيزات، وتوفر لهم أجود المعارف والتكوينات، وتستشيرهم وتشركهم الدولة في صياغة جميع البرامج والمناهج والإصلاحات.
عندنا في المغرب يعتبر التعليم، بحسب الخطاب الرسمي، أولوية من أولويات الدولة والقضية الثانية بعد قضية الوحدة الترابية، لكن لا يحظى بالنصيب الأكبر من الميزانية ولا بالحظ الأوفر من الأبحاث والدراسات، بل يعتبر قطاعا غير منتج ويشكل عبءا على خزينة الدولة، كما أن رجال التعليم عندنا أو الموارد البشرية بالنسبة للوزارة الوصية، تحتل مكانة متميزة ولها دور فعال في نجاح أو فشل أي إصلاح، لكن لم تخصص لهم أحسن الرواتب والتحفيز ات، ولم توفر لهم أجود المعارف والتكوينات، ولا تشركهم الدولة أو تستشيرهم في صياغة البرامج والمناهج والإصلاحات، بل تعتبرهم عبءا كبيرا على كتلة الأجور والسبب الرئيسي في الفشل المتراكم الذي يعيشه قطاع التعليم، والذي صرحت به الدولة من خلال تقرير النموذج التنموي الجديد، بحيث تعترف أن هناك فشل واضح رافق جل المخططات والبرامج التي توالت على القطاع، رغم الميزانيات الضخمة التي رصدت من أجل الإصلاح، والنتيجة هدر مدرسي بنسب كبيرة تتجاوز ما هو موجود في دول الجوار، وضعف كبير في جودة التعلمات، وكم كبير من الدروس والمقررات، جلها قديم لم يعد يواكب ما يعرفه الواقع من تغيرات.
جاءت الحكومة الحالية وكأن برنامجها هو ما جاء من اقتراحات وأهداف وغايات في النموذج التنموي الجديد، كما جاء وزير التعليم وهو المسؤول الأول عن صياغة أهداف وتوصيات النموذج التنموي الجديد، والذي يعتبر إصلاح التعليم قضيته الأولى، فكان طبيعي جدا أن يبدأ السيد الوزير بالأجرأة العملية لخطة الإصلاح، على اعتبار أن الاهتمام بالموارد البشرية تكوينا وتدريبا وتنظيما، هو الخطوة الأولى في الإصلاح، وهذا أيضا يؤكد ولو بطريقة غير مباشرة بأن رجال التعليم وهيئة التدريس بالأساس هي السبب الرئيسي في الفشل المتراكم حسب منظور الدولة، في هذا السياق سيأتي النظام الأساسي الجديد الذي من المفروض أن ينظم ويخطط ويوجه عملية الإصلاح، وفي نفس الآن يحفز رجال ونساء التعليم ويشجعهم للانخراط في هذا الإصلاح.
غير أن ما حصل كان عكس ذلك تماما، فلا الوزارة أشركت نساء و رجال التعليم في صياغته واقتراح مضامينه، ولا هو حفزهم على الانخراط الإيجابي من خلال الحفاظ على المكتسبات وتثمينها، وتدقيق المهام وتقليصها، والتخفيف من ساعات العمل وتحديدها، وفتح مجال الترقية وتسريعها، والزيادة في تعويضات الرتب وتقليص سنواتها، فكانت النتيجة هي الرفض التام لمضامين هذا النظام الجديد والاحتجاج والمطالبة بسحبه أو نسخه وتعديل كل القوانين التي لا تضمن كرامة نساء ورجال التعليم، بالإضافة إلى المطالبة بزيادة عامة في الأجور تنسجم والارتفاع المهول في الأسعار وغلاء المعيشة، فتوحد نساء ورجال التعليم وخرجوا في مسيرة وطنية بتزامن مع اليوم العالمي للمدرس يحتجون ويطالبون بأعلى صوت؛ بالكرامة والعدالة الأجرية، ونظام أساسي عادل ومحفز، بسلمية وأسلوب راق في الاحتجاج، فكانت النتيجة حراكا تعليميا غير مسبوق.