حراك 2011.. ذكريات امرأة

Cover Image for حراك 2011.. ذكريات امرأة
نشر بتاريخ

كانت في عقدها الثاني، حديثة عهد بالزواج، لم يمرّ على زواجها سوى سنتين، رزقت خلالهما بطفل جميل.

الحدث يعود إلى سنة 2011، حيث حصل ما سمي بـ”الربيع العربي”؛ ثارت معظم الشعوب العربية ضد أنظمتها، رافضين الظلم والاستبداد والفساد.. ومطالبين بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

وصلت نسائم هذا الربيع إلى المغرب، وبدأت فئة عريضة من الشعب تهبط إلى الشارع حاملة آمال عريضة في تغيير ينقل البلاد من مستنقع الظلم والتمييز والحكرة والتهميش والتفقير والتجهيل وسيادة اقتصاد الريع.. إلى واقع الحرية والمساواة والحقوق والكرامة والعلم والعدل..

خرج زوجها مع مجموعة من المعارف والأصدقاء والجيران في إحدى مسيرات 20 فبراير، وهي كذلك خرجت مع بعض الصديقات.. واستمرا على هذا المنوال، فلم يخلفا موعد مسيرة أو مظاهرة طيلة ثلاثة أشهر..

ولكن… يوم 22 ماي كان يوما مختلفا؛ قبل وصولها إلى ساحة التغيير ببني مكادة (بمدينة طنجة)، والتي تنطلق منها عادة المسيرات، التقت بأخيها وأخبرها بأن زوجها اعتقل، لم تصدقه! هو يطالب بحقوقه إلى جانب فئات واسعة من بني وطنه بسلمية وحضارية، فلماذا يعتقل؟

نزل عليها الخبر مثل الصاعقة!  لكنها بدأت تواسي نفسها؛ ربما يُفرج عنه بعد قليل.

المهم… تابعت سيرها حتى وصلت إلى الساحة، فوجدتها مليئة بسيارات الشرطة، بجميع أشكالها وأنواعها.. فوضى وضرب واعتقالات للمواطنين بالجملة..

وقفت المسكينة مصدومة من هول ما ترى؛ صراخ هنا وهناك، شعارات مدوّية، وكرّ وفرّ… نساء وأطفال تتقدمن في وجه الشرطة دون خوف أو ارتباك، ترفعن لافتات وتصرخن بكل قوتهن:

إذا الشّعبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ ** فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ

ولا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي ** وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر

وقفت هنيهة لا تدري أتتقدم أم تتأخر؟ وإذا بزوجها يتصل ويطلب منها الرجوع إلى البيت.

انتظرت المسكينة عودته كما تنتظر الأم عودة فلذة كبدها الغائب عنها مدة من الزمن.

لم يأت في تلك الليلة! وهي لم تنمْ.

باتت جالسة أمام الهاتف، تنظر بين الحين والآخر إلى طفلها، وتتساءل في نفسها: ماذا يحدث؟  كانا فقط يحلمان بتحقيق حقوقهما الضائعة في بلد الخيرات: أين الحق في الصحة والتعليم؟ أين الحق في السكن؟ أين الحق في الشغل؟  وأين وأين…؟ وظلت على حالها تنتظر مكالمة أو رسالة أو خبرا يحمله رسول خير..

في اليوم الثاني لم يرجع، ولم يتصل!

في اليوم الثالث من الاعتقال، اتصلوا بها وأخبروها بأنه سيطلق سراحه.. كم كانت فرحة عارمة!

أعدّت مع بعض صديقاتها وجاراتها الحلويات والتمر والورد… لاستقبال المعتقلين (كانوا 14 معتقلا).

وفجأة! انقلبت الفرحة حزنا.. لم يطلق سراحه!  لا تدري لم!؟

آه، كم توجعت المسكينة! صدمت وحزنت وبكت… وعلمت أن الأمر قد يأخذ وقتا أطول…

خرجت في عدة وقفات ومسيرات أمام محكمة الاستئناف والابتدائية مع أخواتها وإخوانها.. لن تنسَ فضلهم عليها ووقوفهم بجانبها وتثبيتها في محنتها، فجزاهم الله خيرا.

استمرت على هذا الوضع إلى اليوم العاشر.

عشرة أيام.. عشرة أيام مرّت عليها كأنها عشر سنوات عجاف.

لم تعرف ماذا تفعل في غيابه، أحست بفراغ كبير .. كبير جدا.

وفي مساء يوم فاتح يونيو 2011 علمت أنه سيتم إطلاق سراحه.. ضمت طفلها بقوة وهمست في أذنه: وأخيرا سيكون اللقاء…

جرى استقبال المعتقلين في الأحياء في جو بهيج من الفرح والحبور.. أعد الأحباب والجيران الحلويات والورود وجداريات ترحيب بالمجاهدين الأشاوس..

ساعتها ذاب الألم الذي عاشته في غياب زوجها، وأيقنت أن الله عز وجل اختاره مع ثلة من المؤمنين ليكونوا من الذين أحبهم؛ لأن الله إذا أحب عبدا ابتلاه…

منذ ذلك الوقت وقف تنظيم المسيرات غير أن آمالها بتحقيق غد أفضل؛ غد الكرامة والحرية والحق والعدل.. لم تقف.

ازدادت صلابتها وقوي يقينها في أن “الحق يُنتزع ولا يُعطى”، فعزمت أن تستمر في النضال إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا… لكن بطرق أخرى.