هو أكبر حزب في المغرب، وقد أعلن عن نفسه بشكل رسمي سنة 2007 حينما قاطع الانتخابات البرلمانية بنسبة بلغت ثمانين في المائة، سر قوته في شعبيته الممتدة على طول البلاد وعرضها وفي تنوعه وتعدد مكوناته. إيديولوجيته واضحة وبسيطة: مقاطعة مؤسسات الفساد والاستبداد إلى أن يسقط مهندسوها وحراسها وتذهب ريحهم، وقد ارتضى هذا الخيار سبيلا لتحقيق هدفه، بسبب انسداد الأفق السياسي وامتناعه عن كل تغيير حقيقي، وعبثية المتحكمين فيه، وإمعانهم في إهانة وإذلال السياسة والسياسيين والناس كافة، وذلك حينما تحولت الانتخابات وما يتفرع عنه من نتائج ومؤسسات وهياكل إلى مجرد رقم في معادلة مخزنية موجهة أساسا للخارج، فيما القرار يصنع على أعين نخبة النظام الحاكم، بعيدا عن هذه المؤسسات وما شاكلها. لقد مل الشعب وقواه الحية مشاهد هذه اللعبة وفصولها واستيأس من أهلها، لذلك فهو يقاطعها من الأساس.
طبعا قصة المغاربة مع المقاطعة ليست مرتبطة بالسياسة فقط، فهم يقاطعون إلاعلام الرسمي والفن الرسمي وكل ما يأتي من المحزن… لكن يبدو أن كل ذلك لا يزعج من يهمهم الأمر كما تزعجهم مقاطعة الانتخابات التي يراهنون عليها كل الرهان، لتسويق وهم الديموقراطية والإصلاحات… انزعاج يتجسد في إطلاق آلة القمع المخزنية كي تعمل في شباب حركة 20 فبراير والقوى الداعمة لها، حيث عمت الاعتقالات كل المدن ناهيك عن التعنيف المادي والمعنوي والتضييق على الأرزاق (126 معتقلا ضمنهم 58 عضوا من أعضاء جماعة العد والإحسان واللائحة مرشحة للارتفاع) على خلفية دعوتهم لمقاطعة الانتخابات التشريعية، أمام صمت مريب للهيئات الحقوقية والأحزاب السياسية التي لا تكف عن الحديث عن الديموقراطية والكرامة وحقوق الإنسان…. أم أن بريق الانتخابات وما وراءها من مغانم ومكاسب قد غلبها على أمرها، واستحالت كل قضية بجنبها هينة، مع أنها هذه الأيام تكيل المديح والغزل للحركة وتستنجد بشعاراتها في محاولة يائسة لكسب بعض الأصوات!…
لقد ذهبت الأيام التي كان فيها المخزن يصول ويجول وحده، خاصة في العالم القروي الذي كان مخزونا انتخابيا خالصا له وكتلة انتخابية يرجح بها كفته في صراعه الحاد مع النخبة السياسية الحضرية، حيث كان الأعيان يتكفلون بالمهمة لما لهم من نفوذ في العالم القروي مستغلين وضعه الهش، وكان كل ذلك يتم عبر الأحزاب الإدارية طبعا. وهو الأمر الذي عالجه الباحث الفرنسي “ريمي لوفو” في كتابه المعنون ب”الفلاح المغربي المدافع عن العرش”.
اليوم لم يعد ذلك ممكنا ليس فقط لأن هناك تغير اجتماعي نجم عنه ارتفاع نسبة الحضريين التي بلغت ستين في المائة، ليس هذا فقط، وإن كان مؤثرا، بل لأن البقية الباقية في العالم القروي لم يعد لها الوقت الكافي للدفاع عن هذه الجهة أو حماية تلك بعد أن دافعت وحمت ما يكفي دون أن تجني من ذلك شيئا غير الفقر والتهميش والإقصاء، وهي اليوم تدافع عن النفس والأبناء والأرض فقط، والدليل: المسيرات والاحتجاجات التي يعرفها العالم القروي (مسيرات الثلوج، مسيرات العطش، مسيرات مشيا على الأقدام….) وهي سابقة تدل على أن شيء ما يحدث في البلد. وهذا من حسنات حركة 20 فبراير التي كسرت جدار الخوف والصمت وبثت ثقافة الاحتجاج السلمي والحضاري في المدينة والبادية.
كل التقارير والأخبار تؤكد فتور وبرودة الحملة الانتخابية الحالية، وهو جو كان سائدا في الانتخابات السابقة، لكنه اليوم أشد بفعل نشاط حزب المقاطعين، الذي انتقل من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، مما خلق جوا نفسيا سلبيا في معسكر المشاركين الذي ما عاد قادرا على مواجهة الناس، وإقناعهم بالمشاركة في لعبة بلا مدخلات ولا مخرجات، في ظل الحضور القوي لفكرة المقاطعة باعتبارها خيارا بديلا بإمكانه زعزعة بنية الاستبداد وتفكيكها.
الشعب يقول: جربنا المشاركة أكثر من خمسين سنة ولم يتغير شئ فدعونا نجرب المقاطعة لبعض الوقت، لعلها تأتي بما لم يأت به الأولون.