قبل أيام قلائل انتقلت الفقيدة الفاضلة الأستاذة الكريمة حبيبة حمداوي إلى الرفيق الأعلى وسلمت الروح إلى بارئها عز وجل، وعم الحزن قلوب من أحبها وعاشرها وعرف قدرها وفضلها، وكريم أخلاقها.
رافق هذا الحزن استبشار كبير في صفوف كل من تربطه بالفقيدة أواصر الأخوة والمحبة في الله، ممن جالسوها مباشرة وتقاسموا معها صفوة الأوقات في حلق الذكر، ومجالس العلم والإيمان، أو سمعوا كلماتها الصادقة الطيبة في محفل من المحافل الإيمانية، أو ممن جمعهم بها أمر القيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى وإصلاح حال الأمة.
كيف لا؟ والتربية الإحسانية علمت رفيقات الدرب اللواتي انجمعن على الله، أن برازخ الموت لا تقطع الصلة بين من تحابوا في الله تعالى وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، وأن الله تعالى وعد المتحابين في الله ظله غدا يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله، ورفعهم مقاما عظيما يغبطهم عليه النبيون والصديقون والشهداء.
عاشت المؤمنات في لحظات توديع الحبيبة حبيبة حمداوي، وأثناء تأبينها، استبشارا كبيرا ربط الله به على قلوبهن برباط الرضى والسكينة والطمأنينة، لأنهن على يقين تام بالبشارة النبوية التي يرويها سيدنا عمر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أيما مسلم شهد له أربعة نفر بخير أدخله الله الجنة. قال: فقلنا وثلاثة؟ قال: وثلاثة. وقلنا: واثنان؟ قال: واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد”.
والفقيدة -رحمها الله- حظيت بشهادات عظيمة في حقها من الأهل والأقارب، والجيران وزملاء العمل، تثبت صدق هذه المرأة العظيمة، وصفاء سريرتها وإخلاصها في العمل، وسبقها في الجماعة إلى البناء والتأسيس، وحسن احتضانها للمؤمنات، واتصافها بالرحمة والرفق والبذل والعطاء، والحياء والسمت الحسن… وهي صفات لا تجتمع إلا فيمن صدق القصد والطلب مع الله تعالى، وأثمرت فيه التربية الإحسانية، وشغل نفسه بتزكية النفس ومجاهدتها. وانشغل بالله عمن سواه.
تظل المؤمنات مستبشرات رغم ألم فراق الأحبة في الله، لأنهن على ثقة بأن عمل المؤمنة لا ينقطع مادام مربوطا بالثلاث المعروفات كما وعد الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية. أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”. ونحسب أختنا الحبيبة الطيبة الصادقة المجاهدة المحتسبة حظيت بنصيبها من الثلاثة بفضل الله تعالى ومنه وعطائه، فهي من علمت الأجيال على القيم والفضيلة، وتركت أثرا طيبا في نفوس من كانت له معلمة ومربية، وهي من أفنت الشباب في الدعوة إلى الله والتهمم بأمر الأمة، وربت الأجيال على حب الله ورسوله، وحثت على تزكية النفس وإصلاحها، وهي من رفعت الهمة بالحال والمقال، ورغبت في المسارعة إلى الخيرات، وأعطت دروسا في الصبر والعطاء والاحتساب والجهاد والبذل بالوقت والجهد والمال والعلم.
كانت المرحومة نموذجا رفيعا جسد ثوابت ومبادئ مدرسة العدل والإحسان، ومثالا حسنا يحتذى به في طلب الكمال في جميع تجلياته، وفيها يصدق قول سيدنا جعفر الصادق: “ما عجز بدن عما قدرت عليه نية”.
رحمها الله رحمة واسعة، ورفق مقامها عنده، وجعلنا أوفياء للعهد معها، وجمعنا وإياها بالحبيب المصطفى غدا يوم القيامة. آمين.