ثمرات الانتصار على الشهوة
للانتصار على الشهوة عدة ثمرات في الدنيا والآخرة، منها:
1) سلامة القلب:
وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم، والأمر الجامع لذلك أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض خبره.) 1
2) علو النفس والالتحاق بالملأ الأعلى:
فالإنسان منا إذا غلب صبره باعث الهوى والشهوة التحق بالملائكة، وإن غلب باعث الهوى والشهوة صبره التحق بالشياطين، وإن غلب باعث طبعه من الأكل والشرب والجماع صبره التحق بالبهائم.) 2
3) النجاة من عذاب الله:
وإذا تأملت أيها القارئ الكريم السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وجدتهم إنما نالوا ذلك الظل بمخالفة الهوى فإن الإمام المتسلط القاهر لا يتمكن من العدل إلا بمخالفة هواه، والشاب المؤثر عبادة الله على داعي شبابه لولا مخالفة هواه لم يقدر على ذلك، والرجل الذي قلبه معلق بالمساجد إنما حمله على ذلك مخالفة الهوى الداعي له إلى أماكن اللذات، والمتصدق المخفي لصدقته عن شماله لولا قهره لهواه لم يقدر على ذلك، والذي دعته المرأة الجميلة الشريفة فخاف الله عز وجل وخالف هواه، والذي ذكر الله عز وجل خاليا ففاضت عيناه من خشيته إنما أوصله إلى ذلك مخالفة هواه فلم يكن لحر الموقف وعرقه وشدته سبيل عليهم يوم القيامة. 3
قال أبو سليمان الداراني: ومن ترك لله شهوة من قلبه فالله أكرم أن يعذب بها قلبه. 4
4) دخول الجنة:
وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى
5) كمال الإيمان ولذة الأنس بالله والشوق إليه:
فإن لذة الأنس بالله والشوق إليه والفرح والابتهاج به لا تحصل في قلب فيه غيره، وإن كان من أهل العبادة والزهد والعلم. 5
وسائل مدافعة الشهوة
1) حسم مادة الشهوة وتضييق مجاريها:
مثاله (قطع العلف عن الدابة الجموح وعن الكلب الضاري لإضعاف قوتهما)
• نوع وكمية الغذاء:
أن ينظر إلى مادة قوة الشهوة فيحدها من الأغذية المحركة للشهوة إما بنوعها أو بكميتها وكثرتها ليحسم هذه المادة بتقليلها. 6
• العلاج النبوي (الصوم):
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” 7 ، فأرشدهم إلى الدواء الشافي الذي وضع لهذا الأمر “الزواج”، ثم نقلهم عنه عند العجز إلى البدل وهو الصوم فإنه يكسر شهوة النفس ويضيق عليها مجاري الشهوة فإن هذه الشهوة تقوى بكثرة الغذاء وكيفيته. 8
2) قطع الأسباب المهيجة للشهوة:
مثاله “تغييب اللحم عن الكلب والشعير عن البهيمة لئلا تتحرك قوتهما له عند المشاهدة”، وعلى المؤمن أن يغض بصره عن ما حرم الله النظر إليه وبخاصة عورات النساء ومفاتنهن، ومنه تجنب مشاهدة الأفلام الإباحية والصور الخليعة التي تهيج المرء إلى اقتراف الفاحشة.
ومن هذه الأسباب:
•الفكر في الشهوات:
أصل الخير والشر من قبل التفكر فإن الفكر مبدأ الإرادة والطلب، التفكير في الشهوات واللذات وطرق تحصيلها لا عاقبة له ومضرته في عاقبة الدنيا قبل الآخرة أضعاف مسرته. 9 • النظر المحرم:
فيجتنب محرك الطلب وهو النظر، فإن داعي الإرادة والشهوة إنما يهيج بالنظر، والنظر يحرك القلب بالشهوة. 10 • الغناء الماجن:
فن الكلمة له سحره في القلوب والعقول، منه ما يصعد بالإنسان إلى درجات النبل والتكريم، ومنه ما يهوي به إلى دركات البهيمية والتجريم. والعاقل من يعرض عما يطيح بعزة نفسه أو يزيح جمال خلقه، وأولو العزم لا يبغون عن سماع القرآن بديلا. 11
3) التسلي عن الشهوة بجنسها من المباحات:
الله أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، وفيما أحل الله من شهوات مباحة غنية عن ما يورث مرض القلب وغضب الرب، فإن كل ما يشتهيه الطبع ففيما أباحه الله سبحانه (زواج، شراب حلال، كسب حلال …) غنية عنه وهذا هو الدواء النافع في حق أكثر الناس كما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
4) الصبر:
وقد يقول قائل: لا أستطيع أن أصبر، الصبر صعب.
فنقول: الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة. فإنها إما أن توجب ألما وعقوبة وإما أن تقطع لذة أكمل منها وإما أن تضيع وقتا، وأما أن تثلم عرض، وإما أن تذهب مالا، وإما أن تضع قدرا وجاها، وأما أن تسلب نعمة، وإما أن تنسي علما، أو تحرم رزقا، أو تجلب هما وغما وحزنا وخوفا لا يقارب لذة الشهوة. 12
5) محبة الله تعالى وشهود نعمته وخوف غضبه:
– محبة العبد ربه وإجلاله سبحانه فيترك معصيته محبة له، فإن المحب لمن يحب مطيع، وأفضل الترك ترك المحبين كما أن أفضل الطاعة طاعة المحبين، فبين ترك المحب وطاعته وترك من يخاف العذاب وطاعته بون بعيد.
– أما شهود نعمته وإحسانه فإن الكريم لا يقابل بالإساءة من أحسن إليه، وإنما يفعل هذا لئام الناس فليمنعه مشهد إحسان الله تعالى ونعمته عن معصيته حياء منه أن يكون خير الله وإنعامه نازلا إليه ومخالفاته ومعاصيه وقبائحه صاعدة إلى ربه، فملك ينزل بهذا وملك يعرج بذاك فأقبح بها من مقابلة.
– شهود غضبه وانتقامه فإن الرب تعالى إذا تمادى العبد في معصيته غضب وإذا غضب لم يقم لغضبه شيء فضلا عن هذا العبد الضعيف.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى عن يوسف الصديق من العفاف أعظم ما يكون فإن الداعي الذي اجتمع في حقه لم يجتمع في حق غيره، فإنه كان شابا والشباب مركب الشهوة، وكان عزبا ليس عنده ما يعوضه، وكان غريبا عن أهله ووطنه والمقيم بين أهله وأصحابه يستحي منهم أن يعلموا به فيسقط من عيونهم فإذا تغرب زال هذا المانع، وكان في صورة المملوك والعبد لا يأنف مما يأنف منه الحر، وكانت المرأة ذات منصب وجمال والداعي مع ذلك أقوى من داعي من ليس كذلك، وكانت هي المطالبة فيزول بذلك كلفة تعرض الرجل وطلبه وخوفه من عدم الإجابة، وزادت مع الطلب الرغبة التامة والمراودة التي يزول معها ظن الامتحان والاختبار لتعلم عفافه من فجوره، وكانت في محل سلطانها وبيتها بحيث تعرف وقت الإمكان ومكانه الذي لا تناله العيون، وزادت مع ذلك تغليق الأبواب لتأمن هجوم الداخل على بغتة، وأتته بالرغبة والرهبة، ومع هذا كله عف لله ولم يطعها وقد راعى حق الله وحق سيدها على ذلك كله وهذا أمر لو ابتلي به سواه لم يعلم كيف كانت تكون حاله. 13
قال الحسن بن زيد: ولينا بديار مصر رجل فوجد على بعض عماله فحبسه وقيده، فأشرفت عليه ابنة الوالي فهويته، فكتبت إليه:أيها الرامي بعـيـنـيـ
ــه وفـي الطرف الحتوف
إن تــرد وصلاً فـقد أمـ
كـنـك الـظـبـي الألـوف
فأجابها الفتى:إن ترينـي زانـي العيـ نــين فـالفـرج عـفـيـف
لـيس إلا الـنظـر الفـا
تر والـشـعـر الظـريـف
فأجابته:قــد أردنـاك فألفيـ نـاك إنـسانـا عـفـيفـا
فـتـأبّـيـت فـلا زلـ
ـت لـقيديـك حـليفـا
فأجابها:مـا تـأبـيت لأنــي كـنت للـظبي عـيـوفــا
غـير أنـي خـفـت ربـاً
كان بي برا لطـيفـا
فذاع الشعر وبلغت القصة الوالي فدعا به فزوجه إياها ودفعها إليه.6) رجاء كمال الإيمان:
كما صح عن النبي أنه قال: “لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن” 14 .
قال بعض الصحابة: ينزع منه الإيمان حتى يبقى على رأسه مثل الظلة فإن تاب رجع إليه. وقال بعض التابعين ينزع عنه الإيمان كما ينزع القميص فإن تاب لبسه. 15
7) رجاء العوض:
فإن من ترك شيئاً لله بدله الله خيراً منه.
8) ذكر الموت والدار الآخرة:
كان أبو الدرداء يقول: لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت لما أكلتم طعاما على شهوة، ولا شربتم شرابا على شهوة، ولا دخلتم بيتا تستظلون فيه، ولخرجتم إلى الصعدات تضربون صدوركم وتبكون على أنفسكم، ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل. 16
9) تدبر القرآن والعمل به:
فالقرآن شفاء لمرض الشهوات بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة. 17
قال يحيى بن أيوب: كان بالمدينة فتى يعجب عمر بن الخطاب رضي الله عنه شأنه، فانصرف ليلة من صلاة العشاء فتمثلت له امرأة بين يديه فعرضت له بنفسها ففتن بها ومضت فأتبعها حتى وقف على بابها فأبصر وجلا عن قلبه وحضرته هذه الآية إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون. فخر مغشيا عليه فنظرت إليه المرأة فإذا هو كالميت فلم تزل هي وجارية لها يتعاونان عليه حتى ألقياه على باب داره، فخرج أبوه فرآه ملقى على باب الدار لما به فحمله وأدخله فأفاق فسأله ما أصابك يا بني فلم يخبره فلم يزل به حتى أخبره فلما تلا الآية شهق شهقة فخرجت نفسه، فبلغ عمر رضي الله عنه قصته فقال ألا آذنتموني بموته فذهب حتى وقف على قبره فنادى يا فلان ولمن خاف مقام ربه جنتان فسمع صوتا من داخل القبر قد أعطاني ربي يا عمر.
10) التفكر في مقابح الصورة التي تدعوه نفسه إليها:
فإن كانت المرأة تفجر معه ومع غيره: فليعز نفسه أن يشرب من حوض ترده الكلاب والذئاب.
كما قيل:سأترك وصلكم شرفا وعزا
لخسة سائر الشركاء فيه
إذا كثر الذباب على طعام
رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء
إذا كان الكلاب يلغن فـيهوليذكر أن ريقه يخالط ريق كل خبيث، ومن له أدنى مروءة ونخوة يأنف لنفسه من مواصلة من هذا شأنه.
فإن كانت المرأة لا تفجر مع غيره: فلينظر إلى ما وراء هذا اللون والجمال الظاهر من القبائح الباطنة لهذه المرأة التي خانت الله ورسوله وأهلها ونفسها، ولا نسبة لجمال صورتها إلى هذا القبح البتة. 18
11) الدعاء والانكسار بين يدي الله:
الدعاء باب للوصل سبب إلى كشف الضر، من ولجله بصدق الإقبال وذل الافتقار أعطاه الله ما أراد من خير وصرف عنه ما لحقه من شر، وأي نعمة أن يخلص الله عبده المنيب من غفلة الشهوات المفضية إلى سعير النيران.
[2] عدة الصابرين ج: 1 ص: 15.\
[3] روضة المحبين ج: 1 ص: 471.\
[4] روضة المحبين ج: 1 ص: 441.\
[5] الفوائد ج: 1 ص: 196.\
[6] عدة الصابرين ج: 1 ص: 41.\
[7] صحيح البخاري. كتاب النكاح. رقم 4678.\
[8] روضة المحبين ج: 1 ص: 219.\
[9] الفوائد ج: 1 ص: 198.\
[10] عدة الصابرين ج: 1 ص: 41.\
[11] عدة الصابرين ج: 1 ص: 41.\
[12] الفوائد ج: 1 ص: 139.\
[13] روضة المحبين ج: 1 ص: 319.\
[14] صحيح البخاري.كتاب الحدود رقم 6311.\
[15] عدة الصابرين ج: 1 ص: 41.\
[16] عدة الصابرين ج: 1 ص: 41.\
[17] إغاثة اللهفان ج: 1 ص: 104.\
[18] عدة الصابرين ج: 1 ص: 41.\