عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” (رواه البخاري).
وقال الفاروق رضي الله عنه: “ليس الصيام من الشراب والطعام وحده ولكنه من الكذب والباطل واللغو”.
وقالت حفصة بنت سيرين وهي عالمة من التابعين: “الصيام جنة مالم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة”..
إذن فحفظ اللسان ضروري في الشهر الأبرك حتى لا نخرق صيامنا ونفسد طاعتنا من جهة، وحتى نتعود على ضبطه والتحكم فيه فيما بعد رمضان.
وحفظ اللسان معناه صونه من المحرمات والفواحش والكلام السيء والسخرية والغيبة والنميمة والكذب وقول الزور واللغو وسب الناس.. وغيرها من آفات اللسان وزلاته.
وقد أكدت الشريعة الإسلامية على أهمية حفظ اللسان كواحد من أهم الأعضاء في الجسم والذي يساهم في تحديد مصير الإنسان في الآخرة؛ فإما جنة يسعد فيها كما قال الحبيب عليه الصلاة والسلام: “من يضمن لي مابين لحييه ورجليه أضمن له الجنة” (أخرجه أحمد)، وإما نار يتعذب فيها والعياذ بالله، فقد سأل معاذ بن جبل الحبيب عليه الصلاة والسلام فقال: “يا رسول الله: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (ثكلتك أمك!! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)” (رواه الترمذي).
كما أن المسلم لا يكون مسلما حقا حتى يكف لسانه عن الناس كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”.
فسلامة الإنسان إذن في حفظ اللسان الذي يحميه من الزلل والخطأ وينجيه من المهالك، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: “قلت يارسول الله: ما النجاة؟؟ فقال: (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك)”.
ومن المعلوم أن نتائج وثمرات الإيمان والصلاح والتقوى لا تظهر في شيء كظهورها في ضبط اللسان والتحكم فيما يصدر عنه من كلام، فالكلام إما قبيح وأقبح أو حسن وأحسن، ونحن مطالبون بالكلام الأحسن كما قال المولى عز وجل: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ (الإسراء، 53)، فكلما نزل كلامنا عن مستوى الأحسن أعطينا فرصة للشيطان كي ينزغ بيننا. ومطالبون أيضا باستعمال ألسنتنا في الخير امتثالا لقوله جل وعلا: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (آل عمران، 104)، وقوله سبحانه: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ (النساء، 114)، وأيضا قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت” (رواه البخاري، ومسلم)، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان على الصفا يلبي ويقول: يا لسان قل خيرا تغنم، واسكت عن الشر تسلم، من قبل أن تندم. وكان عمر رضي الله عنه يقول: من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به.
فعلينا إذن أن نتق الله في ألسنتنا فإن كل ما يصدر عنها مسجل علينا وسنحاسب عليه يوم القيامة مصداقا لقوله سبحانه: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق، 18).
وعلينا أن نغتنم شهر القرآن كي نتمرن على حفظ ألسنتنا وتهذيبها فلا تنطق إلا بما يرضي الرحمان عنا.
فاللهم احفظ ألسنتنا بحفظك، ورطبها بذكرك، وزينها بنور كتابك، وعطرها بأطايب الكلام من عندك، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.