كيف رعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسرة اللبنة الأساس للأمة؟ وكيف نشأ الأبناء على عهده؟
أول ما أولاه الوحي النبوي أهمّية هو خطوة الاختيار، اختيار الزوج واختيار الزوجة، بالتوجيه والإرشاد والإشارة أحيانا، ف:
– حث الأعزب على اختيار البكر التي تلاعبه، لأن النفس تملّ من الجدية والمثالية والغوص في الواجبات، والمسيرة طويلة بإذن الله، وما يحبّب النفوس في بعضها البعض هو الملاعبة والتّرفيه عنها دون تغليب المهم على الأهم، كما أن التزوّج بالبكر طموح كل شاب يتزوّج للمرة الأولى، ورسول الله يعلم أن هذه الرغبة قد تستيقظ لديه في أي وقت، فيفتر حبّه للثيب التي اختارها ويظلمها، إلا أن الشاب يوضّح سبب اختياره وحاجته لهذه المرأة بكونه يرعى إخوته الصّغار بعد أن ماتت أمّهم، لهذا فهو يحتاج للزواج بزوجة أمّ لإخوته، وهذا أيضا دافع لتقوية المحبّة وزرع المودّة في قلبيهما، واستمرار الزواج، ما أحلمك وأرحمك يا حبيب الله.
– كما حثّ الراغب في الزواج بالأنصارية أن ينظر إليها عسى أن يُؤدم بينهما، لأن في عيون الأنصار شيئا لم يعتد على رؤيته، وقد ينفر منها مع مرور الوقت، فيه إشارة إلى التريّث عندما نختار من غير ما ألفناه، ما أحلمك يا رسول الله.
– وأعطى صلى الله عليه وسلم من نفسه القدوة أولا، فرعى الاحتياجات الأساسية لزوجاته، النفسية والاجتماعية وحتى البيئيّة مع مريم القبطية التي اختار لها سكنا قريبا من شروط بيئتها التي نشأت فيها، لتحقيق الألفة ولضمان استمرار الزواج، ولم يلزم المرأة، لأن هناك أساسيات لكل إنسان لا يتحقق استقراره إلا بها ولا يستطيع أحدنا التحكم فيها، وهي نتاج التنشئة الاجتماعية والبيئية التي نحيى فيها، ومن غالب وغالبت نفسه ونفسها وخالفت هذه الاحتياحات، فسيأتي يوم ينفذ فيه الجهد وتثور هذه النفس، أو تموت في صمت.
رفق صلى الله عليه وسلم بالمرأة وأوصى، لأن المرأة إذا استقرت نفسها وارتاحت، تنطلق وتنجح وتبدع، وتستقر معها الأسرة وتسعد، أما إذا كُدّرت وأهينت وعنّفت نفسيا أو جسديا، اختل توازن الأسرة بكاملها وحزنت، وأنتجت أبناء غير مستقرين نفسيا واجتماعيا ودينيا.
كانت هذه استراتيجية رسول الله في التأسيس لهذه النواة قبل تكوّنها، استقرار أعمدة البيت يضمن الحماية لأهله بعد الله تعالى.
لتأتي بعدها البذرة المباركة، تنمو وتزهر وتثمر في بيئة سليمة، تستنشق طعم الحياة الآمنة السعيدة وطعم الإيمان، تتذوقه دون إكراه أو تأنيب أو أمر، تعرف الله و تكبر في قلبها رقابته، الأطفال يتعلّمون مما يمرّ أمامهم من مواقف، يقلّدون أوّلا ويتشرّبون أخيرا، بدافع الحب لا غير إن وجدوا المسكن آمنا لنفوسهم لا تزلزله الزلازل من قريب أو بعيد، فكلّ زوجين لا بد أن يواجها عقبات الحياة مما قد يكدّر صفوها، لكن لا يجب إقحام الأبناء لأيّ سبب كان، وإلا سينهار البناء على الكلّ، الأمن النفسي للطفل هواء به يعيش ويحيى سليما معافى روحا وجسدا وقلبا ونفسا، إن كُدّر أو عُدم يموت فيه بعضه، بأعطاب جسدية عضوية أو عيوب خلقية (كره، بغض، حقد، شر،…) أو اضطرابات نفسية أو انحراف عن الدين نسأل الله العافية، فأيّهم أشد أثرا؟ كتمان المشاكل وحلها بعيدا وضمان جو الفرح والأمن والسرور للأطفال، أم معاناة البيت بكامله وانعدام كامل للاستقرار الأسري بما ستثمره النبتة؟
نجني على أسرنا بدافع العناد والكبر والانتصار للنفس، وما المكسب في ذلك؟
رسول الله حرص أيضا على رعاية هذه الثمرة ليعلمنا، حضن الصغير عندما أحسّ بحاجته إلى الحضن، فالعاطفة يجب أن تُعطى بمقاييسها، وإلا فستنقلب للضد، لاعب من عرف أنه في حاجة إلى اللعب، كفل من عرف أنه في حاجة إلى رجل يتكفّل به ويتقوّى به، استأمن صبيّا على سرّ ليدرّبه على صفات الرجولة والشهامة وروح المسؤولية، ويحسّسه بأنه ذو قيمة ومكانة، وأوصى بما يحبه الأطفال ويقوّي بنيتهم ويداوي جراحهم النفسية: السباحة والرماية وركوب الخيل.
لا نقول إن حياتهم يجب أن تكون بدون مشاكل، هذا مستحيل، لكن نعلّمهم كيف يواجهونها منذ الصغر بما يبنيهم للمستقبل، لا نضخّم ولا نستصغر، نعلّمهم ليس بالتلقين الحرفي بل بوضعهم في مواقف حية كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الذي استأمنه على سره، نعامل فيهم فطرتهم السليمة ولا نسيء الظن بهم ونتقبل أخطاءهم مهما كانت على أساس أنهم يتعلمون منها، فالطفل يستوعب بالجانب الحسي الحركي لا بالمعنى المجرد.
كما حثّنا صلى الله عليه وسلم على ضرورة صلة الأرحام لما لها من أثر في بناء الشخصية، فما يكسر مكانة الوالدين أو أحدهما أو الأقارب فهذا ينخر في البناء نخرا حثيثا إلى أن يتهاوى، وقطع الرحم لأيّ سبب كان، ضرره أكثر من نفعه على الأبناء، فالفرع يحيا بالشجرة التي ينتمي إليها، ما كان الله تعالى ليُلزمنا بأمر يضرّنا، ولو علمنا ما يخفى علينا لوجدنا عجبا.
رعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسرة وعمل على إنجاح العلاقة الزوجية حتى قبل أن تتأسس، وزرع المحبة والمودة بين الزوجين بما يؤلف ويجمع، وأكثر من الحث على الرفق بالمرأة الأم والزوجة والبنت، فليس الذكر كالأنثى، إنها خصوصية علينا استحضارها في التربية.
ما أحوجنا إلى حكمتك يا حبيب الله.
حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رعاية الأسرة
نشر بتاريخ
نشر بتاريخ