تروج منذ تصاعد العدوان على غزة، وفي إطار انتفاضة الشعوب ضد المجازر التي ترتكب في حق المدنيين في القطاع وفي كامل فلسطين، دعوات لمقاطعة منتجات الشركات الداعمة للكيان الصهيوني. مقاطعة يرى فيها البعض سلاحا قويا لردع الكيان عن المضي في جرائمه، في حين تنبري فئة للتشكيك في جدوائيتها.
للوقوف على مدى نجاعة المقاطعة كسلاح اقتصادي يمكن من الضغط، إلى جانب أسلحة أخرى، على الكيان الغاصب، أجرت بوابة العدل والإحسان حوارا مع الأستاذ سعيد مولاي التاج؛ منسق الراصد المغربي لمناهضة التطبيع التابع للهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة. إليكم نصه:
يشكك البعض في جدوى سلاح المقاطعة، إلى أي حد ترونه ناجعا وفعالا؟
في تقديري؛ المقاطعة سلاح فعال ومجرب أثبت كفاءته وجدواه تاريخيا في عدة مناسبات، وهي سلاح ميسر لكل شخص، بل هو مسؤولية فردية تقع على عاتق كل مسلم وكل إنسان. فإذا انطلقنا من واقع أننا 2 مليار مسلم؛ أي 25 في المائة من العالم، و400 مليون عربي، إذا أضفنا إلى ذلك ملايين الشرفاء والأحرار الداعمين للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في العالم، فنحن سوق كبرى من المستهلكين المؤثرين، أو “الناخبين الاقتصاديين”، وهذا أقل مستويات الوعي والواجب، فإذا أضفنا إلى ذلك البواعث الإيمانية والإنسانية كانت الفاعلية والأثر أكبر، وسأشير بشكل مختصر لأسباب قوة هذا السلاح لأني أراها مهمة جدا:
1- المقاطعة سلاح اقتصادي مجرب
فقد تم تجربة فعاليته مرارا، ويمكن أن نذكر تجربة الهند والمهاتما غاندي في طرد الاستعمار البريطاني عن طريق المقاطعة الاقتصادية التي كانت أحد الوسائل الفعالة، عربيا جربناه في حرب 1973 حين تم استعمال سلاح البترول، ثم إننا قريبا جربنا هذا السلاح مع هولندا والدنمارك وفرنسا إبان حملات إهانة المصحف الشريف أو المس بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فتراجعوا راغمين لأن النتائج كانت قاسية عليهم، ثم يكفي أن نعرف ما تثيره حملة المقاطعة العالمية BDS من سعار صهيوني، لنلمس قوة التأثير.
2- المقاطعة سلاح متاح وفردي
المقاطعة الاقتصادية من الأسلحة الفردية المتاحة وسهلة الاستعمال كـ”الكلاشنيكوف”، تجعل المسلم والمواطن العربي والإنسان عموما، أمام مسؤوليته الأخلاقية والدينية وضميره الإنساني، فالمقاطعة مسؤولية شخصية تقع على عاتقه، ولا يمكن أن يرغمه أو يلزمه أحد على شراء بضاعة أو سلعة معينة، فلا مجال أن نختبئ وراء مواقف الأنظمة المطبعة أو الداعمة، أو نتذرع بأن هذا غير ممكن.
3- المقاطعة سلاح فتاك
ويوضحه حجم الخسائر الكبير الذي دفع بمجموعة من الدول إلى استصدار قوانين ضد المقاطعة وضد معاداة الصهيونية وضد حملة المقاطعة العالمية باعتبارها حركة معادية للصهيونية. ويكفي أن نشير إلى تقرير لمؤسسة “راند كوربوريشن” الأميركية لعام 2015 الذي أفاد أن المقاطعة الاقتصادية لـ«إسرائيل» ما بين 2013 و2014 تسببت في خسارة تراكمية تقدر بحوالي 15 مليار دولار، وهو ما أدى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للفرد في «إسرائيل» بنسبة 3.4%.
4- المقاطعة تمرين على طريق التحرير
فهي فرصة لنا كأفراد في التحرر من سلوك استهلاكي مبرمج وصل إلى درجة الإدمان والاستلاب بفعل الدعاية والإشهار، وفرصة لنا جميعا ككيانات ودول في الاعتماد على الذات وتحرير المقدرات بأن نأكل مما نصنع ونلبس، ونتجهز مما نصنع، فهو تمرين في تحرير الذات واسترداد القرار الوطني والسيادة وكسر التبعية والاستلاب، وما يقع في غزة من حصار لـ17 سنة هو مصير كل دولة تتأبى على بيت الطاعة الأمريكي والاستكبار العالمي.
كيف تقيمون أهمية حملات المقاطعة في المغرب؟ وهل هناك تطور إيجابي في ذلك؟
بالطبع نجزم أن لها أهمية بالغة على مستويات عديدة، فهي:
أولا– تعبير عن تضامننا ودعمنا لإخواننا الصامدين في غزة في وجه آلة القتل والتدمير الصهيوني، وهذا أقل ما يجب.
وثانيا– هي وسيلة من وسائل الضغط المالي والاقتصادي على الشركات الصهيونية أو الداعمة للصهيونية، و”رسالة ذات أثر مالي” يوجهها الشعب المغربي إليها بشكل مباشر وصريح، فهي لا تفهم إلا لغة الربح والخسارة.
وثالثا– هي وسيلة من وسائل محاصرة وإضعاف اقتصاد العدو الصهيوني بمحاصرة مصادر تمويل ميزانيته المباشرة أو غير المباشرة، وتقليص موارده من هذه الشركات.
ودون شك حسب رصدنا في الهيئة؛ نلاحظ تطورا كبيرا ومتناميا وتفاعلا إيجابيا من الشعب المغربي مع مقاطعة مجموعة من السلع والبضائع لعلامات تجارية وصناعية عالمية كبرى، مما أدى إلى إغلاق فروع بعض الشركات أو انخفاض الإقبال على منتجاتها بشكل واضح، وأيضا تراجع عدد المتعاملين مع بعض الأسواق التجارية، وقد همت المقاطعة قطاعات الأغذية والمطاعم والمشروبات الغازية، وقطاع النسيج والألبسة، والأدوية ومواد التنظيف والتجميل والعطور، وقطاع التأمين، وهمت المقاطعة أيضا، حتى المجال العلمي والأنشطة الأكاديمية، حيث انسحب أساتذة وطلبة الجامعة الدولية في الرباط من جامعتهم احتجاجاً على تطبيعها وطالبوا بمقاطعة الجامعات «الإسرائيلية».
هل حددتم حجم خسائر الشركات المستهدفة؟ وما هي قراءتكم لهذه النتيجة؟
يصعب الحديث عن أرقام وإحصاءات دقيقة في ظل غياب أرقام رسمية صادرة من وزارة التجارة أو بسبب التكتم عليها من أغلب الشركات، لكن هناك مؤشرات يمكن رصدها من الإحصاءات والمعطيات المتوفرة، فحسب آخر ما يتوفر لدينا من معطيات رسمية حسب تقارير إعلامية «إسرائيلية» بأن المبادلات التجارية بين المغرب و«إسرائيل» تراجعت بنسبة 60 في المئة، وحتى عند تحليلنا لآخر تقرير لمكتب الصرف المغربي نسجل تراجعا في معاملات بعض البضائع التي شكلت سلة المبادلات المغربية «الإسرائيلية»، كما أن قيام بعض هذه الشركات بحملات إعلانية واسعة وتقديم خصوم وتخفيضات كبيرة للزبائن يدل على أن المقاطعة ناجحة، حتى في شهورها الأولى، حيث أعلنت كل من شركة H&M السويدية وهي واحدة من شركات الأزياء الرائدة في العالم، وعلامة المقاهي الأمريكية الشهيرة Starbucks التي تديرها “مجموعة الشايع” الكويتية، مغادرة المغرب في دجنبر الماضي، كما أن رصدنا الميداني واليومي لعدة مواقع ومتاجر يؤكد عزوف المغاربة عن ارتيادها؛ ك”ماكدونالد” و”ك إف سي KFC” و”Zara”، ومقاطعة بعض المنتجات المغربية المتورطة مع الكيان الصهيوني كشركة “داري”.
كيف تشتغل الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة على تعزيز وعي وفعل المقاطعة؟ وهل هناك خطوات قادمة في هذا السياق؟
بالطبع نحن في الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة نبذل جهدا واسعا من أجل توسيع دائرة المقاطعين وعلى مستويات متعددة، كي تتحول إلى سلوك يومي اعتيادي، فنحن نشتغل على عدة واجهات، كتنظيم الحملات الإعلامية بتوظيف كل وسائل ومواقع التواصل والمشاركة في الحملات الدولية وفضح البضائع وطرق التحايل الصهيونية بتزوير بلد المنشأ وتوظيف شركات فرنسية وإسبانية بديلة وتغيير أسماء المنتجات، كما نركز على حملات التوعية والتأطير من خلال الندوات والمحاضرات والمقالات، كما ننظم الحملات الميدانية بتوزيع المنشورات والجولات في الأسواق كان آخرها حملات في أسواق بيع التمور التي عرفت نجاحا واسعا في شهر رمضان المبارك، كما نمارس الضغط بالوقفات الاحتجاجية والمسيرات الشعبية في الشارع المغربي وأمام المراكز التجارية لمجموعة “كارفور” الفرنسية -التي يتابع جراءها عدد من نشطائنا- للتوعية بأهمية المقاطعة، ولإسقاط التطبيع وبالتالي وقف الصادرات والواردات من وإلى «إسرائيل»، كما ننسق الجهود مع كل المبادرات المحلية والعالمية وندعمها ونساهم في فعاليتها. ونحن نبشر المغاربة ونشطاء “الفعل المقاطع” بإطلاق “مرصد متخصص” في المقاطعة قريبا إن شاء الله تعالى، من شأنه أن يضخ دما جديدا في “الحركة المقاطعة” بالمغرب، ويكون منصة مرجعية لهذه الواجهة الحيوية.
كيف تقيمون نسبة المبادلات التجارية بين الرباط وتل أبيب؟
نحن والحمد لله نرى استجابة واسعة من الشعب المغربي المسلم الداعم لفلسطين تاريخيا، ونسجل بارتياح ارتفاع حس المقاطعة والوعي بأهميتها حتى في صفوف الأطفال، وهذا ما ستكون له نتائجه الإيجابية مستقبلا، أما الآن ومنذ عملية طوفان الأقصى؛ فتشير عدة تقارير نشرت ومنها بيانات المكتب المركزي “الإسرائيلي” للإحصاء، أن معدل المعاملات الاقتصادية والمبادلات التجارية تراجع بشكل كبير، تهاوت عائداتها بشكل مفاجئ إلى 180 مليون دولار، بعد أن سجلت ارتفاعا قياسيا في عام 2022 فاق 128% لكنها تراجعت بنسبة 60 في المائة، وهي نكسة لمخططات الصهاينة التي عبرت عنها وزيرة الاقتصاد “الإسرائيلية” أوربا باربيفاي، خلال زيارتها للمغرب في منتصف عام 2022، حيث قالت إن: “حجم المبادلات سيفوق 500 مليون دولار سنويا”. كما نسجل أن حجم الاستثمارات أيضا عرف تراجعا، رغم تحايل الشركات الصهيونية، ونأمل أن تستجيب السلطات المغربية لنداءات الشعب المغربي فتتراجع عن جميع اتفاقات التطبيع التي نصفها بـ”اتفاقات الخزي والعار”، وتساهم في حصار هذا الكيان النازي المتعطش للدماء، فكل فلس هو وقود يغذي آلة القتل والتدمير الصهيونية المتوحشة. كما نأمل من نخب الفنانين والمثقفين والإعلاميين والأكاديميين والرياضيين ممن سقطوا في فخ دعاية التطبيع المضللة، أن تكون مشاهد الدمار وفضائح خرق القانون الدولي وجرائم دوس كل القيم الإنسانية، قد كشفت أمامهم زيف وأوهام شعارات التطبيع والمطبعين، وأن ينتصروا للإنسانية الحقيقية بمقاطعة هذا الكيان العنصري المجرم في كل المناسبات والمنتديات الدولية والإقليمية، في ظل تنامي حركة المقاطعة العالمية على كل المستويات.