اطلعت على نص الدعوى المكتوب والمؤلف من 84 صفحة، معزز بالتقارير ومختلف الأدلة وكذا التصريحات الرسمية لقادة الكيان الصهيوني سواء السياسيين أو العسكريين الموغلة في النية الاجرامية للقتل والابادة والتهجير والدمار، وقد أشرف على صياغة هذه الدعوى محامون خبراء ومختصون في القانون الدولي لهم دربة في التقاضي أمام هذه المحاكم الدولية على رأسهم أستاذ القانون الدولي الجنوب إفريقي “جون دوغارد”.
لا شك أن هذه الدعوى خطوة تاريخية تحسب لجنوب أفريقيا برصيدها المعتبر والمشرف في مناهضة الاستعمار والعبودية وكل أشكال الفصل والتمييز العنصري خاصة في هذه الظرفية الحساسة، في مقابل عجز عربي تام تمثل في عدم انضمام أي دولة عربية لهذه الدعوى ودعمها لزيادة الضغط على المجتمع الدولي.
في تقديري المتواضع أننا أمام دعوى متميزة شكلا ومضمونا وتوقيتا وسياقا، ومن سوء حظ الكيان الصهيوني أنه عندما انضم إلى هذه الاتفاقية لم يتحفظ على أي مادة من المواد المنظمة لمحكمة العدل الدولية خاصة المادة 9 المتعلقة باختصاص هذه المحكمة.
وكما يبدو من تصفح اتفاقية منع الإبادة الجماعية وتعريفها لهذه الأخيرة، نجد تطابقا بينه وبين ما يقوم به الكيان الصهيوني منذ أزيد من ثلاثة أشهر في غزة وبصورها المتعددة الواردة في تعريف جريمة الإبادة الجماعية.
إن مجرد تقديم دعوى ضد دولة الاحتلال وفقا للنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية التي تلزم الدول الموقعة، يبقى أمرا غير مسبوق، خاصة وأن جنوب أفريقيا البعيدة عن الشرق الأوسط جيو سياسيا والتي ليس لها أي مصلحة في أي صراع مع الصهاينة والغرب، كما أن الكيان الصهيوني ولأول مرة يوافق مضطرا على المثول أمام هذه المحكمة.
فمجرد وضع هذا الكيان المارق والمحتل في قفص الاتهام الدولي وعقد جلسة للاستماع والتحقيق حول مختلف جرائمه المفصّلة في الدعوى بالحجة والدليل أمام هيئة المحكمة المشكلة من 17 قاضيا، وبعد ذلك إصدار قرار عاجل ومؤقت يتضمن عدة تدابير تروم إيقاف العمليات العسكرية والسماح بعودة النازحين وإدخال المساعدات الإنسانية فورا، إلى حين إصدار حكم نهائي حول الجرائم الموثقة بالصوت والصورة وعلى مرآى ومسمع من العالم، خاصة وأن أحكام هذه المحكمة نهائية وغير قابلة للطعن.
أخيرا يمكن القول بأن هذه السابقة القانونية والقضائية وبصرف النظر عن غياب الآلية القانونية الملزمة لتنفيذ القرار القضائي لهذه المحكمة، ستشكل لا محالة ضغطا إضافيا على الصهاينة ومن خلفهم من الحكومات الغربية الداعمة، وسيضعهم في مأزق قانوني وديبلوماسي وعزلة دولية، ستكون لها تداعيات وآثار لا يمكن التغاضي عنها، ولن تبقى يد الاجرام حرة طليقة تبطش وتعربد كيفما شاءت وقت ما شاءت أين ما شاءت.
والله غالب على أمره.