قد تملك البيوت مِن لَبِنٍ أو شَعَرٍ تأوي أجسام أحياءً، فهل تملك الأبيات من نظم أو شِعْرٍ تأوي تجربة حياة؟
هيهات هيهات!!
قصيدة تأبين في الذكرى الثالثة لفقيد العدل والإحسان ومؤسّسها الإمام المجدّد، الولي المرشد سيدي عبد السلام ياسين رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه في أعلى عليين مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
الموت حَقٌّ والحياة لها أَجَل
والخُلْدُ وَهْمٌ فاجتَنِب طول الأَمَل
إنْ هادِمُ اللَّذَّات غَيّب صاحِبا
فالحُزنُ لا يُجديك أو دمعُ المُقَل
قولٌ حكيمٌ مِن شفيق لائم
هيهات يسمعُ دَمْعُ عيني مَن عَذَل
أو يَفْرِجُ الأحزانَ نُصْحٌ راحِمٌ
لا يستشير الحُزنُ قلبا إن دَخَل
دَعْني فحُزني لم يُجانِب سُنَّةً
أو دَمْعُ عيني حاد عن سَنَن الرُّسُل
والقولُ منّي بالرّضى مُتَسَرْبِلٌ
مَنْ ذا يرُدّ قضاء ربّي إن نَزَل
الحُزن والعَبَراتُ كانت حسرةً
كَمَداً على فُقدان محبوب رَحَل
مَن كان فرعاً مِن سُلالة أحمدٍ
أخَذ الأُصول عن الفُحولِ وما وَهِل1
ورَعى غَداةَ اليُتْم حقَّ أمومة
وبنى له في المجد صرحا لم يُطَل
شِعْراً وقرآناً وعِلْماً نافعا
خُلُقا وإحسانا ودَأْباً في العمل
حجّا وبحثا عن سبيل المصطفى
لا عن هوى الحِرْباء في هَوَسِ السُّبُل
ثمّ اكتوى شوقا وأقْبَل صادقا
يرجو العُلا مُستهديا خيرَ المِلَل
حتّى اهتدى للحقّ صُحْبَة عارِفٍ
أعطى الولاءَ ولم يُبَدِّل أو يُخِل
بل كان بين الصَّحْب شامَةَ خُلَّةٍ
من صفوة الفقراء راحلَةَ الإبِل
لمّا قضى شيخُ الطّريقة هالَه
زَيْغُ القِطار عن المَحجّة فاسْتَقَل
ليُقيم حُجّته على مَلْكٍ طغى
حَكَم البِلاد بسطوة لا تُحتمل
لينالَ حِصّتَهُ ورُفقَةَ دَرْبِه
مِن كُلّ إرهاب يُشَرْعِنُه الخَبَل
ليكون إطلاقُ السّراح كرامةً
وهِلالَ سَعْدٍ بالبشائر قد أهَل
مِن بعد جَوْلاَتٍ دَعَت فُضلاءَنا
لتحاوُرٍ وتَشاوُرٍ يُفضي لحل
يُنجي البِلاد من القلاقل والأَسى
ويُعِدُّ ميثاقا يَعي خَيْرَ الكُتَل
قالوا عَميلٌ هَمُّه جَمْعُ القُوى
قَصْدَ احتواء الصُّدْقِ في سِلْكِ الهَمَل
قالوا مُضِلٌّ رام تبديع الورى
في مُستَقَرِّ ضَلالة رَهْنَ الدَّجَل
قالوا مُحِبّ للرّئاسة زاعم
عُمَرِيَّةً تُحيي خلافة مَن عَدَل
قالوا وحيدٌ وَسْط ركْبٍ جامِع
هيهات يُقنِعُنا بحُلْمٍ أو جَدَل
لَهَفي على بَدْر السّما كَنْزِ الثّرى
كيف انبرى بالعزم للأمر الجَلَل
بمجلّة صارَت بريدا واصلا
بين المُعارِض والمُريدِ ومَن سأل
بجماعةٍ شِيدَتْ على أُسِّ التُّقى
منهاجها النبويُّ في الوُثقى فَتَل
برباطِ ذكر والْتِقاءِ أحبةٍ
في ورشة الإعمار في سوق النَّفَل
بمُرَخَّصٍ لنشاطه مِن مَخْزَن
لم يُلْفِ في مشروعه أدنى خَطَل2
بصحيفة كانت «خِطاباً صابِحاً»3
وَأَدوهُما ومِنَ الجهالة ما قَتَل
سَجَنوا ولَجّوا في العِداءِ وفي الخَنا
طَعَنوا وجُنْدُ البَغْيِ ديدَنُه الغِيَل4
حَلّوا الجماعة هَمُّهُم فَصْمُ العُرا
مَن كان موصولا بمولاه اتّصَل
حَصَروا لعَشْر، رَهْطُها لم ينكَفِئ
بل ذاع صيتاً في المناطق والدُّوَل
بمواقعٍ ومجامعٍ ومدارسٍ
أحلى العرائسِ ترتدي أَغْلى الحُلَل
قبل الرّحيل إلى الجليل، لقائِه
كَتَب الوصيّة سِفْرَ عُمْر مُخْتَزَل
في رقّةٍ، في دِقّةٍ وبلاغةٍ
دَلَّت على أنّ المُؤمَّل قَد حَصَل
هي ذي الجماعة أَحْكَمَتْ بُنيانَها
في صَرْحِ عُمران أَخَوِيّ مُكْتَمِل
هي ذي هياكِلُها استَوَت مُؤتَمَّةً
بأمينِها سَقْفِ البِنا تاجِ القُلَل5
هي ذي برامجها اكتَسَت لُبْسَ التُّقى
وغَدَت دليلاً قلَّ مَنْطِقُه ودلّ
صِدْقاً على قَدَرٍ حَكيمٍ مُؤْذِنٍ
بالنّصر بعد القهر من جور النِّحَل
نورا على نور ومن يرجو الذُّرى
هَجَر الثَّرى وأقام في أعلى جَبَل
عَدْلًا وإحسانا ومَن أرْضى الورى
ركْضًا جرى خَلْفَ المَدائِح والقُبَل
لا يستوي من ورده “أحد أحد”
مثلا ومن هذيانُهُ ” هُبَلٌ هُبَل”
كُتُبا حَوَتْ من كل علم دُرَّةً
“منهاجها” للنَّفس ترياقُ العسل
ولنسلِهِ من صُلبِهِ أو قلبِهِ
لبناتُ صرحٍ والبُنى خيرُ المُثُل
ودليلُ “تنويرٍ” لدربِ نسائنا
ببديلِ سَبْقٍ لا بفكر مُنْتَحَل
“بالعدل” و”الإحسان” وجها آيةٍ
جمعت من الأحكام ما لا يُختزل
و”لِدولة القرآن” أسفارٌ رَوَتْ
عطشَ الدُّعاة لقومة تَشفي الغُلل
ولدعوة الميثاق مائدة دنَت
من كل ذي شمم أَبَى أن يُستغل
ولفتية الإقدام نبعٌ دافق
من حكمةٍ مَنْ رادَ مَوْردَهَا نَهل
ولطُغمة السلطان نُصْحٌ مُشفِقٌ
لا يعصم الطوفانُ من صَعِد الجبل
الموت تحفتنا وجِسْرُ عبورنا
نحو المهيمِن والمعالي والظُلل
رحم الإله فقيدنا لما قَضَى
كُلٌّ نداءَ الحق لبى وامتثل
حضر الجنازةَ “يوم عيد”6 حاشدٍ
في “سُنةٍ” صلى المُشَيِّعُ وابتهل
وتلا من القرآن “ياسينا” فهل
هي صُدْفَةٌ أم حِكمةٌ أم هل وهل؟!
ليُقام في الشهداء مثوى جسمه
والروح بين الصُدْقِ في الفردوس حل
تأبينه في كل عام لم يزل
عن مهرجانات الهوى أقوى بَدَل
حقلا لتقريبِ الرُّؤى بينَ الأُسى
حفلا لتمتين العُرا بين القُلل
الله أكبر والإمامُ رسولنا
صلوا على الماحي ومن يُكثر يبُل
إن الصلاة على الحبيب لنا هَنَا
وهي الشفا من كل وهْنٍ أو وَهَل
وهي السكينة للمُعَنَّى مِن ضَنا
حصن منيع بل وِجَاءٌ من زلل
وهي الدّليل على السّخاء وحسبُنا
أن كان ربُّ الخلق أوّل مَن فَعَل
وهي البداية إن دعونا ربنا
وبها ختام دعائنا فاسأل تنل1- وَهِل وهلا: ضعُف وفزِع وجَبُن.
2- الخطل: المنطق الفاسد.
3- خطابا صابحا: أي صحيفتَا الصّبح والخطاب اللتان أصدرتهما الجماعة أوائل الثمانينيات من القرن الماضي ووأدهما النّظام في مهد ظهورهما. والخطاب الصابح أي الواضح النّاصح.
4- الغيل: جمع لبغيلة، وهي أخذ المرء من حيث لا يدري.
5- القُلل: الرؤوس وقُلّة الشيء أعلاه قمته.
6- يوم عيد: دفن الفقيد يوم الجمعة وهو عند المسلمين عيد وصلى عليه من شيع جنازته في مسجد السنة ولما وُضِعَ النعش في المسجد للصلاة عليه تلا المرابطون انتظارا للخطبة والصلاة حزب التلاوة الذي وافق سورة “يس” قلب القرآن إشارات وبشارات.