شرعت الأستاذة السعدية بيرات، في الحلقة الرابعة من برنامجها “خطوة نحو الكمال” الذي تبثه قناة الشاهد الإلكترونية، في بسط نماذج من النساء الكاملات اللائي تتطلع إلى الاقتداء بهن كل “امرأة فطنة”، سيرا على طريق “الاقتداء والاهتداء بالنموذج الأكمل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته وصحابياته الجليلات”. معتمدة في اختيارها على الحديث الذي أخرجه البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا: آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ).
والحديث الذي رواه ابن حبان عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خيرُ نساءِ العالَمينَ: مَريمُ بنتُ عِمرانَ وخديجةُ بنتُ خُوَيلدٍ وفاطمةُ بنتُ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وآسيةُ امرأةُ فِرعونَ”.
هؤلاء السيدات الكاملات اللائي أخبر عنهن سيدنا رسول الله أحق أن يسار على دربهن ويقتدى بهن لمن تنشد بلوغ الكمال، تقول المتحدثة، ثم تتطرق لأول نموذج: السيدة آسية بنت مزاحم امرأة فرعون.
“كانت آسية امرأة ملكة في قصر الملك فرعون، لها من ملذات الدنيا ألوان وأنواع، لها خدم وجواري تحت إمرتها إلا أنها كانت أول من صدق موسى عليه السلام وأول من آمن به، مثل أمنا خديجة تماما.
سيدتنا آسية كانت أما لست بنات ولم يكن لها ولد، عندما ظهر التابوت الذي كان يحمل سيدنا موسى وهو رضيع حديث الولادة في النهر، أرسلت خادمتها لتجلبه فرآه فرعون فقال: اقتلوه، فقالت: لا، قرة عين لي ولك عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا. فتقبل فرعون ذلك لعاطفته وحرمانه من الولد، فربته سيدتنا آسية وكفلته رضي الله عنها، فلما كبر كانت أول من صدقه وآمن به.
آمنت به وكتمت إيمانها، ومع مرور الأيام يزداد إيمانها يوما بعد يوم، وفي يوم كانت ماشطة ابنتها المؤمنة تمشطها فسقط منها المشط فقالت: يا الله، فقالت لها ابنة فرعون: أتقصدين أبي؟ فقالت: لا، ربي وربك ورب أبيك ورب الناس أجمعين، فأخبرت الابنة أباها فرعون عن ذلك، فأمر بقدر على النار يغلى فيه الزيت فأحضر الماشطة وأولادها، فقال: من ربك؟ فقالت: ربي الله، ربي وربك ورب العالمين، فأخذ فرعون ابنها الأكبر وكان عمره عشر سنوات فرمى به حيا في القدر، وقال لها ثانية: من ربك؟ فأجابت: ربي وربك الله رب العالمين، فرمى ابنها الثاني في الزيت وهي تنظر إليه، فأخذ الثالث ورمى به، ولما أخذ الرضيع من حضنها بكت، فأنطقه الله تعالى قائلا: أماه إنها الجنة، فرماه في القدر الممتلئ بالزيت المغلى، فلم يكن من ماشطة ابنة فرعون إلا أن استسلمت لأمر الله عز وجل، فقال لها فرعون آخرا: هل ترجعين عن دينك؟ قالت: لا، فقالت لفرعون: إن لي عندك طلبا وهو أن تجمع عظامي وعظام أبنائي في قبر واحد لنبعث يوم القيامة من قبر واحد.
من هذا القبر انتشرت رائحة طيبة شمها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج، حين قال لجبريل عليه السلام: ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها.
عند هذه الواقعة واجهت سيدتنا آسية جبروت فرعون بقوة إيمانها وبحقيقة معتقدها، واجهت غطرسته وكبرياءه، فحكم عليها بالإعدام، حكم عليها أن تربط أطرافها الأربعة بأربعة أوتاد لتكون النار من تحتها والسياط من فوقها، إلا أنها لجأت للقوي الجبار قائلة: رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. اختارت الجوار قبل الديار، جوار الرحمن الرحيم الجبار المتكبر قبل الديار الباقية ديار الجنة وقصورها ونعيمها. فلما ربطوا أطرافها وجدوها جثة قد خرجت روحها حتى لا تذوق العذاب.
هذه آسية الشهيدة المقاومة للظلم والجبروت.
هذه آسية الكاملة بإيمانها الراسخ، الموقنة بلقاء الله عز وجل وقربه وفضله وعطائه.
هذه آسية زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا في الجنة، أبدلها الله عز وجل زوجا كاملا بدلا عن فرعون الظالم بكمالها وبذلها الغالي والنفيس؛ نفسها، في سبيل نصرة دينها خالصا لله عز وجل”.