يستعد المغرب الرسمي لعقد انتخابات شاملة مطلع الشهر الجاري والتي تضم الانتخابات التشريعية والجهوية وكذا الجماعية، وبخلاف إجرائها في نفس اليوم لأول مرة، فإنها لا تحمل جديدا يذكر للشعب المغربي إن من ناحية الشكل أو من ناحية المضمون، حيث اعتاد المغاربة على الممارسة الانتخابية التي تتم بشكل دوري منذ فجر الاستقلال إلى يومنا هذا، حيث أصبحت تحظى بتجاهل متصاعد من طرفهم بعد الخيبات والنكسات التي لحقتهم على إثر مخرجاتها التي لم تزد أوضاعهم إلا ترديا حتى باتت نسبة مقاطعتها في المرات الأخيرة تتأرجح بين 70% و80% من الكتلة الناخبة لتبقى الانتظارات منها في الحضيض لا سيما أنها تأتي في سياق سياسي واجتماعي محتقن.
وتيرة التأزيم العالية
تفاعلا مع تراجع الزخم الاحتجاجي فيما بعد مرحلة 20 فبراير الذي تزامن مع تصاعد نيران الثورة المضادة المستعرة في عموم المنطقة، ومع انخراط السلطوية في معركة استرداد هيبتها التي اعتبر سدنتها أن الشارع المغربي قد نال منها، سارع المخزن إلى التكثيف من هجومه على المغاربة واستهداف كرامتهم والانتقال إلى السرعة القصوى في فرض عدد كبير من المشاريع التصفوية.
سطوة الجناح الأمني على ما سواه
أوراق المخزن متعددة وهي مرتبطة بالواجهات التي يشتغل فيها، فهو يلعب على ورقة “إمارة المؤمنين” متى ظن أنها ستخدمه للمزايدة على الإسلاميين أو إحراجا للنخب العلمانية، كما أنه يشبع جشع لوبياته الاقتصادية المفترسة من بوابة المشاريع التنموية ومن خلال التمكين لها من تدبير قطاعات ربحية مثل القطاع الرياضي لضمان هيمنتها على قطاع المال والأعمال، كذلك يحرص على تقوية الجبهة السياسية والإبقاء على جانب من المناورات تخفيفا من الضغط الاجتماعي وإرضاء لداعميه الخارجيين واحتواء وتدجينا لبعض النخب المعارضة، وفي أغلب الأحيان يستخدم كل تلك الأوراق دفعة واحدة.
في الوضع الراهن فإن تركيز الدولة المخزنية منصب على الشق “الأمني” عصب نظامها المركزي بعد أن توارت باقي أجنحة النظام إلى الظل وعادت لحجمها الحقيقي لأنه الأصل وهي مجرد ملحقات خادمة له، وهكذا فقد عمل في السنوات القليلة الماضية على تفريغ الأمن الروحي للمغاربة من أي معنى، فيما حافظ اللوبي المالي على امتيازاته لكن نفوذه تراجع وقد أظهرت كورونا في أكثر من موقف أن اليد الطولى للداخلية وأن قراراتها فوق إرادته؛ كما سحب الهامش، الضيق أصلا، الذي أعطاه للسياسيين والصحفيين سابقا وحرص على إظهار الخشونة تجاه الجميع لأتباعه قبل معارضيه.
أزمات دبلوماسية متلاحقة
التأزيم لم يقتصر على الأوضاع الداخلية للبلاد، فحتى المستوى الخارجي لم يسلم من سيادة تلك العقلية بعد أن رفعت الدبلوماسية المغربية من مستوى الاشتباك حتى راكمت في ظرف قياسي خصومات وعداوات مع عدة دول لأسباب مختلفة بشكل غير مسبوق، ولم تقتصر على دول الجوار لتطال دولا مثل ألمانيا وإيران بل حتى أمريكا الذي تتسول اعترافها بمغربية الصحراء لم تتقبل إدانتها للحكم الصادر عن الصحفي سليمان الريسوني، والسبب واضح هو أن الكيان المخزني يحمل اتفاقه التطبيعي مع الكيان الصهيوني أكثر مما يحتمل، فقد توهم أن توقيعه عليه سيحوله إلى كيان مدلل مثل وضع الصهاينة على الساحة الدولية مهما أظهر من فجاجة ومن تشنج مع الأطراف الخارجية التي يتعامل معها.
أوضاع اجتماعية مزرية عرتها الجائحة
لم يكن يحتاج المغاربة لكورونا حتى يدركوا حجم معاناتهم على الصعيد الاجتماعي التي سجلتها تقارير التنمية البشرية الدولية والتي أقرت بها الدولة بحديثها عن فشل نموذجها التنموي، ففضلا عن عجزها على تقديم خدمات صحية لائقة بعموم المواطنين الذين اصطدم أغلبهم بعجز المستشفيات العمومية عن تحمل مسؤوليتها حيالهم في هذه الجائحة هم كذلك وجدوا أنفسهم أمام استفحال شبح البطالة؛ واللافت هنا أن الدولة لم تبذل مجهودات حقيقية للتخفيف من وطأة حالة الطوارئ الصحية على المغاربة، فعلى العكس من ذلك فقد قابلت أي تحرك احتجاجي بصلف وعنجهية كما حدث مع الباعة المتجولين وهو ما تسبب في فاجعة ياسين الخميدي بسيدي بنور، هي كذلك صمت آذانها عن معاناة المتضررين من الإغلاق المستمر لمصالحهم التجارية دون مبررات معقولة.
مخرجات الانتخابات الموعودة وحتمية المقاطعة
المنتظر من الأحزاب التي يفترض أنها تمثل هموم الشعب وتطلعاته أن تتفاعل مع السياق السياسي والاجتماعي الذي تعيش فيه وأن ينعكس ذلك على عرضها الانتخابي، وفي الحالة المغربية لا نلمس أي تطور لدى النخب الحزبية يواكب واقع البلاد، حيث نلاحظ في حملاتهم الانتخابية سيادة نفس الكيانات الحزبية ونفس البرامج المكرورة ونفس الوعود الهلامية غير قابلة للتحقيق مع تزكية مطلقة لأصل الداء.
لا جديد في الانتخابات المقبلة سوى ما جرى توضيبه مسبقا من خلال تغيير القاسم الانتخابي الذي سيخلق مزيدا من عدم التجانس بين المكونات الحكومية، وهو لن يغير على كل حال سيرورة الحكم سواء أزاح الحزب الأغلبي عن الحكومة أم لم يزحه، فلا فرق بين “حكومة صاحب الجلالة” و”معارضة صاحب الجلالة” كما يتبجح زعماء الأحزاب البرلمانية لأن ما يطبخ في دوائر الحكم هو أكبر منهم جميعا.
مقاطعة الانتخابات المقبلة خيار حتمي لأنها مثل سابقاتها لا تنتج نخبا تحكم، وعليه فعملية التصويت هي عملية عبثية تسهم في التدليس على المغاربة وفي تجنيب من يحكم مسؤولية قراراته، كما أنها تشكل محرقة لكل من يلجها من أصحاب المبادئ والنيات الحسنة.