دة.شهاب: أثر التربية النبوية في الشباب.. أم كلثوم ومصعب بن عمير نموذجا

Cover Image for دة.شهاب: أثر التربية النبوية في الشباب.. أم كلثوم ومصعب بن عمير نموذجا
نشر بتاريخ

تناولت الدكتورة مريم شهاب، في حصة السيرة النبوية في مجلس النصيحة الذي بثته المنصات الإعلامية لجماعة العدل والإحسان اليوم السبت 21 دجنبر 2024، والذي ينتظم ضمن فعاليات تخليد الذكرى الثانية عشرة لرحيل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى، مداخلتها حول “أثر التربية النبوية في الشباب” اعتمادا على نموذجين من جيل الصحابة الفريد؛ المهاجرة الممتحنة سيدتنا أم كلثوم في محور أول، وسفير رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا مصعب بن عمير  في المحور الثاني، وانطلاقا من مشاهد فتوتهما وخدمتهما لدعوة الله عز وجل؛ أبرزت أثر التربية النبوية في جيل الصحابة رضوان الله عليهم في المحور الثالث. بهدف قراءتها على أنها “دروس تربوية تطبيقية مِن هُدى الله وهَدي المصطفى صلى الله عليه وسلم… نستمد من سيرتهما العطرة ما ينبغي أن يكون للشباب قدوة ومثالا في عصرنا الحالي؛ من بذل في بناء الأمة وفتوة تجمع الهمة والإرادة العالية والخدمة الدائمة والمتواصلة والصبر عند الامتحان فالفوز والفلاح في الدنيا والآخرة” تقول المتحدثة.

الممتحنة أم كلثوم بنت عقبة.. هجرة وامتحان ففوز

اختارت الدكتورة شهاب هذه الصحابية الجليلة لما تمثله من معاني اليقين في توفيق الله والقوة في الأخذ بالحق، فقد خرجت رضي الله عنها تطلب رسول الله ﷺ وهي عاتق وأبوها عقبة بن أبي مُعَيط أشد قريش على المسلمين، وكانت هجرتها بعد صلح الحديبية الذي كانت شروطه تقضي برد من جاء من قريش.

وأوردت عضوة لجنة التربية والنصيحة قصة هجرة هذه الصحابية الجليلة التي صدقت العزم وتوكلت على الله وخططت لخروجها، وكيف سخر الله لها الصحبة الصالحة والرفقة الطيبة حتى قدمت المدينة ونزلت عند أم المؤمنين أم سلمة رضي الله تعالى عنها مخافة ردها، فخاطبت رسول الله ﷺ في ثبات وإصرار وتحرر إرادة: “يا رسول الله، إني فررت إليك بديني، فامنعني ولا تردني إليهم يفتنوني في ديني ولا صبر لي وحال النساء في الضعف ما قد علمت”.. فيبطل الله الرحمان الرحيم الشرط في حق النساء المؤمنات وتنزل الآية الكريمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، ويسري الأمر على من تبع السيدة أم كلثوم، فكان يسألهن صلى الله عليه وسلم: “آلله ما أخرجكن إلا حب الله ورسوله والإسلام، ما خرجتن لزوج ولا مال” فإذا قلن ذلك لم يرجعهن إلى الكفار.

خرقت إذا “بنت عقبة بن أبي مُعَيط ورفيقاتها في الهجرة موانع التكتل مع العشيرة، ونصرة دين آبائها، والوفاء لذكرى أبيها. وتسلحت بالعزيمة الواضحة ولم تضعف أمام العقبات، وتسلحت بالقوة في الدفاع عن طلبها، وكان داعي الإيمان في تلك القلوب التي كشف الله عنها غمة الجاهلية أقوى من المثبطات”.

هي إذن “فتوة وقوة، فإرادة واقتحام، فامتحان ونجاح” تقول المتحدثة، لتستنبط العبرة: “شابة عاقلة رجحت الهجرة ومفارقة بيئة الكفر رغم صعوبة الطريق ومخاطرها آنذاك بحثا عن البيئة الآمنة صحبة رسول الله ﷺ، خرجت وكلها يقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يردها، فما كان ليرد امرأة قط وهو الأرحم بهن عليه أفضل الصلاة والتسليم، فأيدها الوحي من فوق سبع سماوات”.

سفير رسول الله مصعب بن عمير.. فتوة مكي أرقمي باع الدنيا واشترى الآخرة

كان سيدنا مصعب شابا صالحا ذكيا شجاعا، ذا مكانة في أهل مكة، ومنزلة بين أبويه، جعلته أثيرا لا يُرد له طلب، قال عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا رَأَيْتُ بِمَكَّةَ أَحَدًا أَحْسَنَ لِمَّةً، وَلَا أَرَقَّ حُلَّةً، وَلَا أَنْعَمَ نِعْمَةً مِنْ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْر”، ووصفه المؤرخون والرواة بأنه “كان أعطر أهل مكة”. لكنه -تقول شهاب- ترك زينة الحياة الدنيا والسعي لها إلى “السير المهتدي، إلى إرادة الآخرة، إلى إرادة وجه الله عز وجل، حبّاً له، وخشية منه، وتهمّما بلقائه، واستعدادا للعرض عليه بالتوبة والاستغفار والعمل الصالح”، التحق سيدنا مصعب مع الصحب الكرام ببيت الأرقم، وتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الله كثيرا، فآثر لقاء ربه واشتاقت نفسه إليه، واستشهد بأحد، تضيف شهاب.

قال عنه أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله: “الْمُحِبُّ الْقَارِيُّ، الْمُسْتَشْهِدُ بِأُحُدٍ. كَانَ أَوَّلَ الدُّعَاةِ، وَسَيِّدَ التُّقَاةِ، سَبَقَ الرَّكْبَ، وَقَضَى النَّحْبَ، وَرَغِبَ عَنِ التَّزْيِيفِ وَالتَّسْوِيفِ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ الْحَنِينُ وَالتَّخْوِيفُ”.

صبر الشاب على تعذيب أمه بعد علمها بإسلامه، “فمضى شاقا طريقه، بل شامة خلق وسلوك بين الناس ورفق بأمه وصبر ومصابرة وجهاد. كشفت لحظة الوداع عن إصرار عجيب على الكفر من جانب الأم وإصرار أكبر على الإيمان من جانب الابن؛ فحين قالت له وهي تخرجه من بيتها: اذهب لشأنك، لم أعد لك أمّا. اقترب منها وقال: “يا أمّه إني لك ناصح، وعليك شفوق، فاشهدي بأنه لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله” أجابته غاضبة مهتاجة: ” قسما بالثواقب، لا أدخل في دينك، فيزرى برأيي، ويضعف عقلي””.

ذرفت أعين صحابة خرج عليهم دمعا شجيا حينما رأوه يرتدي جلبابا مرقعا باليا، وعاودتهم صورته الأولى قبل إسلامه، حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة ألقا وعطر. وتملى رسول الله مشهده بنظرات شاكرة محبة، وقال: “لقد رأيت مصعبا هذا وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله”.

اختاره رسول الله سفيرا إلى المدينة، يفقه الأنصار الذين آمنوا وبايعوه صلى الله عليه وسلم عند العقبة، ويدخل غيرهم في دين الله، ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم.. وبعد سنة من خدمة موفقة مأذونة لدعوة الله لم يبق بيت من الحَيَّيْنِ إلا دخله الإسلام. وظهرت فطنة عقله وإدراكه لمغزى مهمته في مواقف كثيرة، سردت بعضها المتحدثة.. وتجيء غزوة أحد، ويدعو المصطفى صلى الله عليه وسلم مصعب الخير، فيتقدم ويحمل اللواء ويدافع عنه باستماتة إلى أن يستشهد رضي الله عنه وأرضاه، فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة..  ويقف عنده رسول الله ويتلو قول الله تعالى: مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ.. ويقول له عليه الصلاة والسلام ولرفاقه الذين استشهدوا معه: “إن رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة”..

نموذج الصحابيين.. نتاج رفيع لتربية رسول الله صلى الله عليه وسلم

بعد بسط هذين النموذجين العاليين من صحابة رسول الله ﷺ نساء ورجالا، لفتت مريم شهاب إلى أنهما اشتركا في “صفات عدة، وجب على شباب الأمة أن يتخذاهما نموذجين يحتذى بهما في الثبات، والتوكل على الله عز وجل، واليقين في نصره، والصبر، والتضحية في سبيل الله. فقد كان لكليهما دور في بناء دولة القرآن ونشر الدعوة إلى الله. كما جمعت بينهما الهجرة كمفهوم للتحرر الروحي والفكري من قيود المجتمع الجاهلي إلى عبودية الله وحده من أجل بناء مجتمع إسلامي قوي ومتماسك، ففارقا رغد العيش وحياة الرفاهية في سبيل الدعوة إلى الله”. 

وأكدت أن “كل هذا كان نتاج تربية نبوية رفيقة رحيمة ومتدرجة حكيمة. تربية متوازنة ومتكاملة جعلت الصحابة يتشربون من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصنعت منهم شبابا قويا، مقتحما، قياديا، استطاع حمل الرسالة الإسلامية ونشرها في الآفاق، وبعدة قوامها رجولة ربانية، قوية، وفاعلة”.