دة. وفاء توفيق: على المؤمنة ضبط توزيع وقتها بحيث يمكنها الحفاظ على إقامة صلاتها

Cover Image for دة. وفاء توفيق: على المؤمنة ضبط توزيع وقتها بحيث يمكنها الحفاظ على إقامة صلاتها
نشر بتاريخ

تفاعلا مع حملة “صلاتي راحتي”، التي تعرفها مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تهدف إلى “تعميق الانتماء إلى ديننا بالتركيز على رأس العبادات وعمادها؛ الصلاة” وفق ما جاء في التعريف بها، أجرى موقع مومنات.نت حوارا مع الدكتورة وفاء توفيق، عضو الهيئة العامة للعمل النسائي لجماعة العدل والإحسان، تحدثت فيه عن حقيقة الصلاة ومعناها وأهميتها في السلوك الفردي وانعكاسها على المجتمع.. وأوردت بعض الوسائل المعينة على استحضار أفعال القلب فيها. وخصت المرأة بمجموعة من التوجيهات التي تعينها في أدائها لوقتها وبصفاتها المطلوبة قلبا وقالبا.. هذا نص الحوار كاملا:


1- دكتورة وفاء مرحبا بك، بداية؛ ما هي منزلة الصلاة في الدين الإسلامي؟ ولماذا تحتل كل هذه المكانة؟

بدءًا، أتقدم بالشكر الجزيل والامتنان الوفير على دعوتكم الكريمة، والله تعالى أسأل أن يتقبل منكم سعيكم وينفع به العباد والبلاد.

قبل تبيين منزلة الصلاة في دين الله تعالى، أجد من المهم التوقف عند معناها وحقيقتها:

فهي صلة بين العبد وربه، هي حبل الله تعالى الممدود بفضله ومنه وكرمه لعباده، من تشبث به وحافظ عليه بقي على صلة بربه مناجاة وعبادة وعبودية، ومن استهان به وضيعه فقد الصلة بربه وضاع.

الصلاة صلة. الصلاة قرب. الصلاة خضوع وركوع وسجود واستسلام للخالق تبارك وتعالى. الصلاة إشباع لأشواق الروح تعظيما وتسبيحا وحمدا واستغفارا للخالق سبحانه ودعاءً ورجاءً.

الصلاة وقوف العبد بين يدي مولاه راجيا رحمته خائفا وجلا من عذابه.

الصلاة راحة لعباد الله من ضنك الحياة وكدحها، واستراحة للأرواح في رحاب القرب من خالقها.

إن الصلاة بذلك الجوهر وبتلك الحقيقة لحري بها أن تكون لها المكانة العظيمة في دين الله تعالى؛ فالصلاة تتربع على قائمة الأركان التي يقوم عليها دين الإسلام –بعد الشهادتين-.

هي عماد الدين.

هي لأهميتها وعِظمها أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة.

كما هي العبادة الوحيدة التي فُرضت في السماء أثناء المعجزة الكبرى: رحلة الإسراء والمعراج.

هي أصل ومعيار صلاح أو فساد باقي أعمال المؤمن: إن صلحت صلح سائر عمل المؤمن، وإن فسدت فسد سائر عمله.

هي لمن أقامها الناهية عن الفحشاء والمنكر والعاصمة منهما.

هي موطن اكتساب الخشوع الذي هو سبب نيل الفلاح في الدنيا والآخرة.

هي من آخر ما وصى بحفظه رسولنا الحبيب عليه الصلاة والسلام.

2- ارتباطا بما جليته من حقيقة الصلاة، ما أثرها المفترض على الفرد والجماعة؟

لعظم مكانة الصلاة في دين الله تعالى، كان أثرها عظيما على المقيم لها فردا وجماعة:

فهي سكينة لروح المسلم وإشباع لأشواقها؛ مناجاة لخالقه، ووقوفا بين يديه استسلاما وإذعانا له ركوعا وسجودا وتكبيرا وتسبيحا وتعظيما، وتوجها له سبحانه دعاء ورجاء وخوفا، واستشعارا لمعيته سبحانه وحياء منه، واستحضارا للوقوف بين يديه يوم القيامة واستعظام ذلك..

ولما كان الوضوء وطهارة البدن والثوب والمكان شرطا لصحة الصلاة، ولما كان الاستياك قبل الصلاة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما كان أخذ الزينة عند كل صلاة توجيها قرآنيا.. فأكيد أن مقيم الصلاة يتميز بتمام النظافة وحسن السمت.

أيضا، فالصلاة لها آثار تربوية خلقية عظيمة على الفرد؛ لعل أعظمها انتهاؤه عن اقتراف الفواحش والمنكرات، حيث إن مقيمها لا بد أن يتزود من قربه من خالقه تبارك وتعالى ويستحضر وقوفه بين يديه للحساب، فيكون ذلك مؤثرا على سلوكه؛ فيكون أحرص على طاعة مولاه ورضاه، وأبعد عن معصيته وسخطه.

ولما كانت الصلاة على المؤمنين فرضا مؤقتا بمواقيت محدودة، فذاك مدعاة له لضبط وقته والانضباط به برمجة وإنفاقا وموعدا ووفاء، وتلك خصلة رفيعة يفتقدها -للأسف- العديد من المسلمين اليوم.

أما آثار إقامة الصلاة – خصوصا صلاة الجماعة – على العلاقات الاجتماعية فعديدة ومتنوعة؛ منها حصول التعارف البناء والتواصل الإيجابي والتعاون المثمر بين جموع المصلين المواظبين على ارتياد نفس المسجد، ولا يخفى ما في ذلك من اهتمام بأمور المسلمين والمسارعة إلى خدمتهم وقضاء حاجاتهم، والتخفيف عن المعسر منهم، والتعاون بينهم على ما فيه الخير للبلاد وللعباد..

ومع غُنم المقيم للصلاة من الآثار التربوية للصلاة واستماتته في الابتعاد عن المعاصي، فذاك سيثمر حتما استتباب الأمن والسلم في المجتمع..

ما سبق غيض من فيض الثمار العظيمة التي يجنيها المؤمن فردا وجماعة، وعلى قدر إقامتها يكون الغُنم من فضائلها وخيراتها. 

3- لبلوغ الأهداف التي ذكرت وغيرها، كيف ينبغي أن يكون حال المسلم في التعامل مع هذه الفريضة، ترقبا واستعدادا وأداء؟

لما كانت الصلاة فرصة ليجدد العبد صلته بخالقه عبودية وامتثالا وطاعة ومناجاة وذكرا ودعاء… فقد جعلها الباري جل في علاه عبادة موقوتة على مر اليوم والليل، ومن ثم على المؤمن المعظم لشأنها أن يظل مترقبا لها، أي منتظرا حلول وقتها للمسارعة إلى إقامتها، منظما برنامجه اليومي والليلي وفق توقيتها بحيث لا يفرط في إقامتها عند دخول وقتها؛ فالصلاة أولا ووسطا وأخيرا، وما سواها من أنشطته الحياتية يبرمج وفق توقيتها، وبكل تأكيد دون تفريطه فيها. وبهذا يتحقق للمؤمن قوة تعلق قلبه بها ليصل إلى درجة انتظار الصلاة بعد الصلاة. وتلك لعمري مرتبة إيمانية علية، بدليل أن ربنا جل في علاه خص أصحابها بميزة رفيعة وعظيمة يوم لقياه؛ وهي أنه سبحانه يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله. عن أبي هريرة رضي الله عنه  قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ..” الحديث. (متفق عليه).

إن المؤمن – رجلا كان أو امرأة – الذي علم قدر الصلاة وتفطن إلى روحها واستحضر أبعادها فتعلق قلبه بها، لحري به أن يستعد لإقامتها على أكمل وجه بأداء أركانها وإتقان شروطها والحرص على الالتزام بآدابها، وألا ينقرها نقرا أو يقوم بها كمن يزيح عن كاهله ثقلا والعياذ بالله.

4- تجمع الصلاة بين عبادة القلب والجوارح، فما حظ كل واحد منهما من واجب الاعتناء أداء لحقها؟

الصلاة صلة قلبية ووجدانية للعبد بخالقه، ومن ثم على المصلي التفطن إلى أهمية إيلاء كل جارحة من جوارحه – فضلا عن قلبه – حظها من الصلة بالله سبحانه وتعالى والخضوع له؛ وذلك باستحضار شرف الوقوف بين يدي خالق هذا الكون ونعمة مناجاته ومنة ذكره وفضل دعائه، ويقينه بأن أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، فيجتهد في التسبيح والذكر والدعاء، وسكب العبرات خوفا وطمعا ووجلا ورجاء، حاضر القلب مستحضرا وقوفه بين يدي الله تعالى يوم القيامة، فيزداد تعظيما لهذه العبادة الجامعة لكل أنواع عبادات القلب والوجدان.

أيضا على المصلي إيلاء جوارحه حظها من عبادة ربها والعبودية له بسكونها وخفض جناحها وخشوعها وضبط حركاتها والتفاتاتها، وإلا فإن انشغال المصلي بحركات جوارحه مذهب لخشوعه.

وصلة بما سبق، على المصلي الحريص على غنم ثمار صلاته اختيار المكان المناسب لإقامتها؛ ومن ذلك تجنب كل ما هو مشوش لذهنه وقلبه وجوارحه من أماكن صاخبة بالضوضاء وضجيج الأطفال وأحاديث الكبار بصوت مرتفع.. كما على المصلي في بيته على وجه الخصوص، ضبط كل التزاماته والانتباه لكل ما قد يشغل باله في الصلاة فيذهب خشوعه وينقص من تركيزه فيها؛ ومن ذلك ضمان سلامة الأطفال وأخذ كل الاحتياطات التدبيرية حتى لا ينشغل فكره بذلك عن صلاته. 

5- ما هي الوسائل المعينة على استحضار أفعال القلب في الصلاة، خشوعا وتذللا بين يدي الله سبحانه وتعالى؟

على رأس ذلك اعتقاده أن هرعه للصلاة في حقيقته هو مسارعة لتلبية نداء ربه وخالقه الذي من عليه بفرصة لقائه ومناجاته والفزع إليه، كما على المصلي استحضار الوقوف حقيقة بين يدي خالق هذا الكون وسيده، والتمعن في كل ما يقوله ويقوم به، ومطاردة كل الأفكار التي تنازعه وتهجم عليه أثناء الصلاة، فيجتهد في صرفها عن ذهنه بتركيزه فيما يقوله ويقوم به، وقبل ذلك التوجه إلى الله تعالى بالدعاء أن يجعله من الخاشعين في صلواتهم.

6- خص الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة البردين بمزيد ترغيب، لماذا؟

صلاة البردين هما صلاة الصبح وصلاة العصر، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صلى البردين دخل الجنة” (رواه البخاري). وذلك لأ‌نّهما يقعان في زمانين يشتركان فيه في الإبراد؛ فتقع صلا‌ة الفجر في أبرد ما يكون من الليل، وتقع صلا‌ة العصر في أبرد ما يكون من النهار بعد زوال الشمس.

فصلاة البردين لهما منزلة خاصة بين كل الصلوات – وكل الصلوات عظيمة – فهما صلاتين تشهدهما الملائكة، وتتعاقب في أوقاتهما؛ يصعد الملائكة اللذين انتهت مهمتهم إلى السماء، فيشهدون للمصلين شهادة حقّ أمام الله تعالى. فقد ورد في الحديث الشريف عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: “يَتَعَاقَبُونَ فِيكم مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وملائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيجْتَمِعُونَ في صَلاةِ الصُّبْحِ وصلاةِ العصْرِ، ثُمَّ يعْرُجُ الَّذِينَ باتُوا فِيكم، فيسْأَلُهُمُ اللَّه وهُو أَعْلمُ بهِمْ: كَيفَ تَرَكتمْ عِبادِي؟ فَيقُولُونَ: تَركنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتيناهُمْ وهُمْ يُصلُّون” (متفق عليه).

إن أفضلية صلاة الفجر باعتبار أنها صلاة مشهودة بقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء: 78]، أما صلاة العصر فهي الصلاة الوسطى – على أرجح الأقوال – والتي خصها الله تعالى بمزيد من الحفظ، بأن أمر بالمحافظة عليها بعد تعميمه ذلك على جميع الصلوات. قال سبحانه وتعالى: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى [البقرة: 238].

7- كانت الصحابيات يحرصن على حضور الصلاة في المسجد مع أنها غير واجبة عليهن، واليوم نرى أن الأمر يكاد ينعدم إلا في مواسم خاصة كرمضان والأعياد.. ما هي شروط ارتياد المسجد بالنسبة للنساء؟ وما الإضافة التي ترجوها المرأة من ذلك؟

من المعلوم أن صلاة المرأة في بيتها هو الأصل، وهو الأفضل باعتبار خصوصيتها وخصوصية وظيفة الأمومة لديها، لكن ليس لأحد الحق في منعها من ارتياد مساجد الله إن كانت ظروفها تسمح وليس في ذهابها إلى المسجد حقوقا لذويها تضيع. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تمنَعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ وبيوتُهنَّ خيرٌ لهن..” (رواه الإمام أحمد وأبو داود).

إن حرص الصحابيات رضوان الله عليهن على حضور وشهود الصلاة في المسجد يعكس حرصهن على الغنم من الفوائد الإيمانية والإضافات العلمية التي كان المسجد يحققها للمصلين؛ حيث كان المسجد قلب الأمة النابض ومجمع وظائفها ومهامها ومنبع حيويتها… ناهيك عن حرصهن الحثيث على صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتلمذهن على يديه.

وبعد أن أصاب الفقه ما أصابه خصوصا في جانب أحكام النساء؛ حيث أسفرت الأحداث التاريخية والسياسية التي مرت منها الأمة وقصمت ظهرها.. عن بروز بعض الآراء الفقهية المانعة النساء من الخروج البتة وليس منعهن من ارتياد المساجد فحسب.. توارث المسلمون مثل هذه الأحكام واعتمدوها أحكاما شرعية مطلقة، لا كونها أُنشئت في سياق تاريخي سياسي خاص. ذاك من جهة، ومن جهة أخرى علينا استحضار أن روح المسجد قد طُمست، ووظائفه قُزمت، ومن ثم نجد غيابا واضحا لتواجد النساء في المساجد عبادة وتعلما وتعليما وحركة وتأثرا وتأثيرا.

وعلى المؤمنات اليوم مجاهدة الموروث القديم المخالف لجوهر الدين؛ بالحضور المتوازن الفعال في بيوت الله، والحرص على إحياء معاني ووظائف المسجد؛ تعليما لبنات جنسها وصحبتهن لينتقلن من الغفلة والسلبية والجمود إلى مراقي التعلم والعلم والفعالية والشهود.

8- قد تتهاون المرأة في أداء الصلاة في وقتها لأسباب (أعمال البيت، تربية الأبناء..)، هل من وصية في الباب؟

نعم، كثيرا ما يحصل ذلك عند النساء عموما وعند الأمهات على وجه الخصوص، باعتبار شغلهن المستمر رعاية للأولاد وتدبيرا للبيت وقياما بمهام متنوعة أخرى.. قد تنهمك في إنجازها المرأة فلا تنتبه إلا وتجد نفسها قد أخرت الصلاة عن وقتها الضيق أو الموسع، أو قد ضيعتها تماما بدخول وقت الصلاة الموالية..

ولتفادي ذلك، وجب على المؤمنة ضبط توزيع وقتها والتزاماتها بشكل يمكنها من الحفاظ على إقامة صلاتها؛ وقد مر بنا آنفا أن الصلاة فرض مؤقت معلوم، ومن ثم عليها الحرص على توزيع انشغالاتها وفقه.

وقد تكون رعاية الأولاد؛ عناية بهم وبقضاء حاجياتهم وهم صغارا ومتابعة وهم كبارا، من أهم أسباب تهاون المرأة عن أداء صلاتها في وقتها وإقامتها كما يجب.. وهنا وجب التذكير بالوصية النبوية الشريفة في الحديث الشريف الذي أخرجه البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “فاعمل عمل امرئ يظن أنه لن يموت أبداً، واحذر حذر امرئ يخشى أن يموت غداً” (ضعيف)، وكذا استحضار قول سيدنا سلمان الفارسي لأخيه أبي الدرداء لما لاحظ فيه جنوحا إلى عدم التوازن بين الواجبات الدينية والدنيوية: “إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، فأَتَيَا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فذكَرَا ذلكَ، فقال له: صَدَقَ سَلمان” (رواه الترمذي).

فلا بد للنساء الواقفات على ثغور بيوتهن وأولادهن وأهليهن من الانتباه إلى أهمية مجاهدة الظروف واقتحام العقبات لتحقيق التوازن بين واجباتهن الدينية وعدم التفريط فيها، وبين القيام بمهامهن الجسام باعتبارهن أزواجا وأمهات وراعيات لبيوتهن.. وذاك امتحان كبير وتحد عظيم وعقبة كؤود لا تقتحمها إلا ذات طلب وعزيمة وصاحبة صدق وإرادة.

9- كان السلف الصالح يحرصون على عبادة الصلاة، وهو ما لا نلمسه في واقعنا الحاضر؛ حيث أصبح الكثير من المسلمين يتهاونون في أدائها. ما أسباب ذلك؟ وما خطورة التقصير في القيام بها؟

أسباب ذلك كثيرة، منها: الغفلة عن الله تعالى، والجري وراء شهوات وملذات ومغريات الحياة الدنيا، وعدم وعي المسلم أن حياته ما هي إلا ابتلاء له ولغيره: أيهم أحسن عملا، وأيهم استحضارا لمحدودية سنوات وأيام ولحظات عمره، وأيهم يقينا بوعد الله تعالى ووعيده.

قد يبرر أحد مضيعي صلاته بزحمة الانشغالات وقلة الوقت و… وما ذاك لعمري إلا تبريرات زائفة واهية؛ وذلك باعتبار أن وقت الصلاة لا يتجاوز بضعة دقائق، ناهيك أن إرادة الله تعالى وحكمته اقتضت أن تكون الصلاة موزعة على يوم المؤمن وليلته لتكون محطة تنقذه من هوس الحياة وتخفف عنه كدحها لترده إلى خالقه راحة، كما كان يعتبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أرحنا بها يا بلال” (رواه أحمد وأبو داود)، ولتكون صلة له بربه ولقاء، تمهيدا للقاء الأكبر به سبحانه بمغادرة الدنيا إلى دار البقاء.

أيضا، قد يوهم بعض مضيعي الصلاة أنفسهم أنهم مهملون لصلاتهم باعتبار أنهم ما زالوا منغمسين في المنكرات والشهوات المحرمة.. ومن ثم فسيلتزم بالصلاة ويتوب حال تراجعه عن أفعاله المحرمة.. ولهذا نقول: إن الصلاة في حد ذاتها هي المعينة على التراجع عن الفواحش والمنكرات والانتهاء عنها، كما نسأل هذا الصنف من المسلمين عن الضامن لهم أنهم سيحيون إلى أن يتوبوا، فقد يأتي الموتُ العاصي وهو في خضم المعصية -والعياذ بالله-.

وقبل ذلك وبعده، وبالرغم من كل الأسباب والمبررات التي قد يتذرع بها المتهاون في صلاته، نهمس في أذنيه بأن الله تعالى لما شرع الصلاة وجعلها كتابا موقوتا، شرعها سبحانه وهو أعلم بكل تغيرات أحوالنا وتحول ظروف حياتنا وكثرة انشغالاتنا، ومن ثم وجبت الطاعة والالتزام خصوصا مع فريضة الصلاة التي مر بنا سابقا أهميتها ومركزيتها بين باقي أركان الإسلام وفرائضه، وحسبنا مما ذكرنا أنها أول ما يحاسب عليه المؤمن، وهي أصل ومعيار صلاح أو فساد باقي أعماله وواجباته، ومن ثم فإن أي تهاون في أداء الصلاة أو تضييعها -والعياذ بالله- فيه تعريض المسلم نفسه لغضب الله تعالى ومقته، وفيه تضييع لكل أعماله وقرباته، كما أن ذلك فيه حرمان المسلم نفسه من شرف صلته بخالقه.. وحسب ذلك خزيا له في الدنيا وخسارة في الآخرة. 

10- هل من توصيات، خصوصا للنساء، قياما بهذه العبادة الجليلة على الوجه الذي يرضاه الله سبحانه وتعالى؟

أيتها السيدة القائمة على ثغر بيتك، المدبرة لشؤونه، المجاهدة لأجل راحة زوجك وأبنائك، المربية لأجيال الأمة إنجابا وتعليما وتلقينا وإعدادا وتوجيها ومتابعة.. كل ما سبق قربى لك إلى مولاك وزلفى ومرقاة في سلم نيل الأجر والثواب إن أنت جددت النية وأخلصت الفعل.. وسيكون – بفضل الله تعالى وجوده – أجرك جزيلا وثوابك مضاعفا إن أنت جاهدت العقبات وتجاوزت المعيقات فحرصت على إقامة صلاتك والحفاظ عليها، لكن كل ذلك سيكون – لا قدر الله – هباء منثورا وسرابا مكذوبا إن أنت فرطت في صلاتك أو استهنت بإقامتها. فالله تعالى أعلم بحالك وحال عباده، وعلى قدر المشقة والجهد يكون الأجر والثواب.

والحمد لله رب العالمين.