دموع غالية

Cover Image for دموع غالية
نشر بتاريخ

نعيش، بحمد الله ورحمته، أنوار شهر رمضان الكريم؛ شهر الصيام والقرآن والقيام وقوفا بين يدي الله عز وجل تذللا وتضرعا وزلفى لديه سبحانه. نذرف العبرات، ونبسط عبارات الاعتذار إليه مما اقترفنا من ذنوب ومعاصي. نتودد إلى الكريم المنان بعيون باكية وقلوب وجلة. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “طوبى لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته” رواه الطبراني.

نتعبد الله بعيون تبكي من خشيته سبحانه، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ  بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ  بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله” 1.

ألا إنها دموع غالية تبعدك عن النار وتجعلك من الفائزين، قال تعالى فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ (آل عمران: 185).

دموعك تقربك إلى الله تعالى وتجعلك في زمرة المنعم عليهم مصداقا لقوله تعالى: أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (مريم: 58).

دموعك تجعلك من المحبوبين المقربين لله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم: “ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة من دموع خشية الله وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران، فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله” 2.

دموعك تجعلك من المظللين بظل الرحمن فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله.. وذكر منهم: ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه” 3.

دموعك تدخلك على الله من باب الخاشعين قال عز وجل: إذا تتلى عليهم آيات الرحمان خروا سجدا وبكيا ، ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا (الإسراء: 109).

عَن عبد اللَّه بنِ الشِّخِّير – رضي اللَّه عنه – قال: “أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ” 4.

وعن عبيد بن عمير رحمه الله: “أنه قال لعائشة – رضي الله عنها -: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فسكتت ثم قالت: لما كانت ليلة من الليالي قال: “يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي”، قلت: والله إني أحب قُربك، وأحب ما يسرك. قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي. قالت: فلم يزل يبكي، حتى بل حِجرهُ! قالت: وكان جالساً، فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته! قالت: ثم بكى حتى بل الأرض! فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: “أفلا أكون عبداً شكورا؟! لقد أنزلت علي الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ…} الآية كلها [آل عمران / 190]” 5.

اللهم ارزقنا لساناً ذاكرا وعيناً دامعة وقلباً خاشعا وعلماً نافِعا وجسداً على البلاء صابراً، اللهم أعنّا على ذكرك وشُكرِكَ وحُسنِ عِبادتك.


[1] رواه الترمذي وحسنه، وصححه الألباني.
[2] رواه الترمذي.
[3] رواه البخاري ومسلم.
[4] رواه أحمد (15877)، والنسائي (1214) وهذا لفظه، وأبو داود (904) بلفظ “… كأزيز الرحى”، وصححه الشيخ الألباني في “صحيح الترغيب” (544). المِرْجل : القِدر الذي يغلي فيه الماء.
[5] رواه ابن حبان.