لا يملك كل عاقل منصف إلا أن يرفع القبعة للعمل العسكري المضبوط في الزمان والمكان والسريع، الذي أنجزته المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وذلك بمفاجئتها الباهرة المتمثلة في عملية “طوفان الأقصى” والتي أصابت من خلالها العدو الصهيوني في مقتل.
ذلك أن عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها كتائب الشهيد عز الدين القسام بمشاركة باقي فصائل المقاومة الفلسطينية، قد أظهرت المستويات العليا في التخطيط والتنفيذ التي يمتلكها رجال المقاومة، ليس فقط على المستوى العسكري، وإنما كذلك في الجوانب اللوجيستيكية، على قلتها ومحدوديتها، والاستخباراتية والإعلامية.
يضاف إلى ما سبق، النتائج العسكرية الميدانية الكبيرة التي حققها طوفان الأقصى بالنظر إلى حجم الخسائر التي تكبدها الصهاينة في العتاد والجنود سواء قتلى أو جرحى أو أسرى، ومنهم الضباط وقادة الفرق العسكرية الصهيونية المختلفة. ثم كذلك نظرا لحجم الرقعة الجغرافية التي بلغها رجال المقاومة على أرض فلسطين المحتلة، وامتدت إليها أياديهم الطاهرة الباطشة، ووطئتها أقدامهم الراسخة.
تفاعلت جموع المسلمين وكل الأحرار في العالم مع هذا الحدث العظيم غير المسبوق، بالفرح والاستبشار والإشادة بما أنجز على أرض الميدان في تراب فلسطين الحبيبة، وفي زمن قياسي، وفي مواجهة قوة غاشمة تصنف من بين أكبر وأحدث الجيوش في العالم.
لم يستثن المغاربة أنفسهم من هذه الفرحة الكبرى التي عمت العالم من شرقه إلى غربه، بل ظهرت تباشير ذلك على وجوه وألسنة المغاربة كبارا وصغارا، نساء ورجالا، وعلى واجهات صفحات التواصل الاجتماعية التي غدت كلها تعكس مشاعر واحدة وموحدة: مشاعر الفرح والعزة والفخر {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم}.
لفرحة المغاربة بنصر طوفان الأقصى دواعي ودوافع كثيرة، نذكر أهمها فيما يلي:
رابطة الدين الاسلامي التي تجمع سكان المغرب بأهل فلسطين المرابطين على الثغور، المجاهدين ذودا عن حمى الدين والأرض والعرض، في وجه آلة الحرب الهمجية الصهيونية التي لا ترقب في الفلسطينيين إلّا ولا ذمّة، ولا ترعى لهم حرمة وقيمة سواء كمسلمين موحدين، أو كشعوب سامية تشترك مع اليهود في الأصل العرقي أو كبشر مفروض احترامهم وعدم الاعتداء عليهم بنص القوانين والتشريعات السماوية والأرضية.
بعد هزيمة يونيو 1967م ودخول وسيطرة الصهاينة على الجزء الشرقي من القدس قاموا مباشرة بتدمير وإزالة كل معالم حارة المغاربة، التي كان يقطنها عشرات العائلات المغربية التي بقيت مرابطة بأرض فلسطين محافظة على كل خصائصها وملامحها المغربية من أسماء عائلية وعادات وتقاليد. وعرضهم الصهاينة بذلك الفعل الشنيع للتشريد والهجرة، غير آبهين بكل الاعتبارات الدينية ولا الإنسانية ولا التاريخية إذ كان المغرب عبر تاريخه الطويل موطن استقرار وعيش للآلاف من اليهود بكل أمن وسلام.
في فلسطين وبالضبط على حدودها الشمالية الشرقية وقبل نصف قرن، استشهد في أرض الجولان مئات الجنود المغاربة الذين قامت بإفنائهم جميعا الآلة العسكرية الصهيونية العمياء، وذلك ضمن أطوار وجولات حرب رمضان 1393ه / أكتوبر 1973م. وقد تمت إبادة كل عناصر وقادة الفرقتين العسكريتين المغربيتين بشكل يدل على أن نية الصهاينة هو القتل والإبادة الشاملة للطرف الآخر وعدم فسح المجال أمام هروب أو استسلام أي عنصر منها. يضاف إلى ذلك غياب الجرحى وهو ما لا يمكن تفسيره بظروف المكان أو نوعية السلاح أو حجم ونوع تحرك الجنود المغاربة، باستثناء التفسير الوحيد وهو النية المبيّتة للقتل والإفناء.
الفرح شعور إنساني نبيل يتملّك كل البشر عند حدوث ما يبعث على السرور والانشراح، ويتم التعبير عنه بتقاسيم الوجه وتعابير الفم من كلام وضحك أو بالسلوكات الفردية والجماعية للناس. وفرح المغاربة بنصر طوفان الأقصى لا حد له، وما عشرات الوقفات التي تم تنظيمها أمس الأحد في مختلف مدن المغرب إلا واحد من تجليات تلك الفرحة وذاك الاستبشار.