مع توالي العصور ثبت أن للمرأة دورا محوريا في نهضة الأمم القديمة والحديثة وذلك لفاعليتها في التغيير والسير نحو الأفضل، فوقوفها اللافت بجانب الرجل وحضورها في مختلف مناحي الحياة، يدل على أنها عنصرا فاعلا ومؤثرا في محيطها ومجتمعها..
لا يمكن لأي كائن أن يتعدى نشاطه الاعتيادي إلى نشاطات متعددة إلا إذا اجتمعت لديه طاقات طبيعية ومكتسبة؛ لتجعل منه نواة تتصل بها وتقوم عليها أنشطة العناصر المحيطة بها.
تسعى المجتمعات إلى التغيير الإيجابي والتطور، وهو ما لا يتأتى إلا بتفعيل دور المرأة وتمكينها من القيام بمهامها الأسرية؛ كأم مسؤولة عن رعاية الأجيال، وكزوجة على عاتقها إدارة أسرتها الصغيرة، وكحلقة وصل تلتحم بها أواصر القرابة لتصبح سببا في لم شتات الرحم لا سببا في قطعها.
تنوعت أدوار المرأة لتجد لها حيزا أمام شقيقها الرجل خارج عش الأسرة، وإن واجهتها عقبات التقاليد والأعراف الاجتماعية التي تتنكر لكيان المرأة، فترغمها على التبعية للرجل، وتفرضها عليها فرضا.
لم تبخل المرأة يوما بعطاء وبذل كل ما في وسعها لتسعد الآخرين، فقد كانت، وما تزال، رمزا للعطاء لما خصها الله به من حنان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصف النساء بسرعة التأثر: “رفقا بالقوارير” (رواه البخاري).
لم تسلم المرأة المسلمة، كما لم تسلم كل النساء من بني جنسها، من التيارات والأزمات التي يمر بها العالم؛ فهي جزء منه ومكون أساسي من مكوناته، يتأثر بكل ما فيه من التناقضات والتجاذبات .
فالحمل إذن ثقيل، والعقبة كؤود، فكيف السبيل لاقتحام تلك العقبات وتجاوز تلك الصعاب؟
لم يخلق الله عز وجل الإنسان عبثا، قال تعالى: أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ (المؤمنون: 115).
حسن قيادة المرأة لأسرتها أساس تماسكها، فهي الأم والبنت والأخت والزوجة، وهي نصف المجتمع، وهي سبب وجود نصفه الآخر، وهي من يسهر على تربيته ويرعاه ويحافظ على فطرته. نجاح المرأة في التغيير رهين بمشاركتها الفاعلة في الحياة العامة، وهو ما يستدعي تجند المرأة المؤمنة وتعبئتها لخوض غمار التدافع مع مكونات المجتمع .
فهي من برجها الاستراتيجي تسعى لتحصين البيت المسلم من كل خطر يتهدده، تبدأ المؤمنة بقضاياها الأربع:
1- قضيتها مع ربها، وهي أم القضايا ومدار حياتها وبحثها الدائم عن إجابات محيرة ومحفزة؛ كيف حالي مع ربي؟ ما اسمي في الملكوت الأعلى؟ هل أنا من الصالحات أم أنا دون ذلك؟ ما مصيري بعد الموت؟ تتعزز هذه الأسئلة وغيرها وتجدي نفعا إن اقترنت بأعمال صالحة ومجاهدة مستميتة.
يبقى حال المؤمنة متأرجحا بين خوف ورجاء وهي دائمة الوقوف على باب الله؛ ترجو رحمته وتخاف عذابه، بالكينونة مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه إلى أن تلقى الله وهي تطلب رضاه.
قضيتها مع ربها هي أم القضايا وعليها مدار حياتها، ترتب المؤمنة معالم حركتها بترتيب أوقات الصلوات، وتجعل من أورادها زادا في طريقها الطويل. وتحتاج إلى رفقة صالحة تنصحها وتكون لها سندا أمام معاول الهدم التي تتهدد البيوت؛ ومنها الإعلام الفاسد، ومواقع التواصل التي تنشر الرذيلة والفساد وتشجع التفاهة.
2- قضيتها مع نفسها، قال تعالى أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (الزخرف: 18).
من المتعارف عليه أن المرأة جبلت على التجمل والزينة، فالزينة فطرة في أصل خلقتها؛ فهي تحب أن تظهر في جميع أحوالها في كامل زينتها، وتستعين بكل وسيلة لتبالغ في إظهار خفايا جمالها، وربما تضطر إلى إجراء عمليات جراحية تجميلية للزينة فقط .
لكن الشريعة الإسلامية تضع ضوابط وحدودا لتعامل كل امرأة مع زينتها، ولم يترك لها الطموح المتزايد في التشبث بزينتها من غير قيود.
إن ما نلفت الانتباه إليه في هذه القضية هو أخذ الزينة مأخذ الشرع الذي يجعل من الاعتناء بالجسد عبادة تتعبد بها وترجو التقرب بها إلى الله تعالى، فاهتمام المرأة بهيئتها وزينتها جزء من دينها الحنيف إن هي وضعتها في مكانها الصحيح، فبيتها ساحتها للتزين وحسن التبعل، والشارع مكان لإخفاء الزينة إلا بقدر ما سمح الشرع .
3- قضيتها مع الرجل، إن المرأة مساوية للرجل في الجنس البشري وفي تكاليف الدين وفي العقاب والجزاء، قال تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ (آل عمران: 195).
ولكنها في نفس الوقت تختلف عنه، قال تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى (آل عمران: 36) . وذلك لطبيعة فطرية أنشأ الله عليها كلا الطرفين نشأة تتناسب مع مهام وأدوار كل منهما، فتجمع بينهما علاقة تكامل تقوم عليها حياتهما وحياة أسرتهما ومجتمعهما، فقد تتفوق المرأة على الرجل في مجالات وتتراجع قدراتها في أخرى، فهي مسؤولة عن حفظ كل ما غاب عن عيني الرجل وضعفت عنه طاقته، وهو ما يسمى بالحافظية، قال تعالى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ (النساء: 34).
فهي المتقنة، بما جبلها الله عليه من خصائص، لدورها الوظيفي الذي خلقت من أجله في حفظ النسل وتعهد الأجسام والعقل وصون حقوق الزوج. أما الرجل فهو القائم على قيادة ورعاية مصالح بيت الزوجية؛ بالتدبير والإنفاق والصيانة. وكلاهما محاسب على ذلك أمام الله إن ضيعا الأمانة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا ومسئولة عَنْ رعِيَّتِهَا..” (رواه البخاري) .
4- قضيتها مع الأمة، المرأة المسلمة مسؤولة عن المشاركة في البناء بقدر إمكاناتها ومن موقعها وبالأسباب المتوفرة لديها، فتقوم بتبليغ رسالتها حسب مؤهلاتها العلمية والفكرية والثقافية ووفق مكانها الاجتماعي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا” (رواه مسلم).
وتبقى أسمى وظيفة أسندت إلى المرأة هي بناء أسرتها بناء متوازنا محصنا؛ يبدأ من إتقان مهمة الأمومة، تلك الوظيفة التي خصها وكرمها الله عز وجل بها، ثم حسن صحبتها وتبعلها لرفيق دربها وشقيق روحها، لمواجهة تكاليف الحياة والسير إلى الله سيرا موفقا.