نوه الدكتور موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج، باهتمام الأستاذ عبد السلام ياسين “الداعية الصابر المجاهد” بالقضية الفلسطينية التي شكلت “نقطة ارتكاز في أفكاره وأفعاله”.
أبو مرزوق، في مداخلته المعنونة بـ”القضية الفلسطينية من الحصار إلى الانتصار”، التي شارك بها في ندوة “القضية الفلسطينية: المنطلقات والمآلات في ضوء السياقات الجارية” التي نظمتها العدل والإحسان بمناسبة تخليد الذكرى الحادية عشرة لرحيل الإمام عبد السلام ياسين عشية اليوم السبت 16 دجنبر 2023 بسلا، نبه إلى ما سماه “توافقات عجيبة”، موضحا أن أول رسائل الإمام “الإسلام أو الطوفان”، بنما نحن الآن نحتفي بذكراه في ظلال “طوفان الأقصى”.
وتحدث أبو مرزوق عن واقع القضية الفلسطينية الذي أطر عملية طوفان الأقصى، حيث كان مشروع اليمين الصهيوني على أرض فلسطين قد حسم أمره في القضايا الأساسية للصراع، وحصرها في ثلاث قضايا أساسية: الدولة الفلسطينية، حيث قال إنه لا يقبل بدولة فلسطينية ولا حل الدولتين ولكن هناك دولة واحدة هي “إسرائيل”. وحسم الأمر بأن الاستيطان حق لليهود في الضفة الغربية، وصاغ القوانين وفقا لذلك، بل إن سموتريتش وصف نفسه، إضافة إلى وزير المالية، بأنه قائد للقوات في الضفة الغربية ومسؤول عن الاستيطان. ثم حسم الصراع في القدس وهي على رأس القضايا، وهي أم القضايا؛ بأن القدس يجب أن تكون يهودية، وبأن الهيكل يجب أن يكون مكان المسجد الأقصى، وجمعوا البقرات الأربع وينتظرون الخامسة ليطهروا بها الشعب والأرض والهيكل حتى يبدأوا في بنائه.
أما في الإطار الإقليمي، فقد أوضح أبو مرزوق، أن الدول العربية تجاوزت الحق الفلسطيني نحو تطبيع اجتاح المنطقة بأكملها؛ اتفاقيات؛ من الإبراهيمية في الشرق إلى التحالفات في الغرب، وانتشر التطبيع حتى إن هناك دولا وقعت الاتفاقيات الأمنية والعسكرية مع هذا الكيان اللقيط، ودولا أخرى استدعته ليحكم بين أطراف وطنية ويصلح بينها.
أما الواقع الدولي، حسب المتحدث، فقد نسي القضية الفلسطينية، ولم تعد على الأجندة الدولية. ليكشف أنه “كم من مسؤول قابلناه، وقد زرت العديد من العواصم العربية، ولم يطرح أحد من المسؤولين القضية الفلسطينية على أجندة الاجتماع. ولم تعد على الأجندة الدولية حتى في زيارة الرئيس الأمريكي لبيت لحم، حيث قال للرئيس محمود عباس بأن القضية الفلسطينية حلها يلزم له نزول من السماء، وغير ذلك لا حل للقضية الفلسطينية”.
واسترسل أبو مرزوق موضحا جهود حركة المقاومة الإسلامية في تحذير كل من التقت به وطنيا ودوليا من خطورة الأوضاع، معلنة أنها لا يمكن أن تقف ساكتة أمام كل هذه الأحداث، ولا بد لها “من فعل يوازي هذه المسائل التي طرحت على الأجندة الوطنية والإقليمية والدولية”.
وفعلا، يضيف المتحدث؛ لم تقف الحركة مكتوفة اليد بل انبرت لتدافع عن شعبها، ولذا كان طوفان الأقصى مما شكل فارقا في القضية الفلسطينية، حيث أصبح تحرير فلسطين ممكنا ومتاحا، وظهر أن هذا الكيان هش كبيت العنكبوت لم يصمد أمام المجاهدين؛ ساعتين ونصف وانهار عن بكرة أبيه. واستعادت القضية الفلسطينية أبعادها الوطنية والإقليمية والدولية. وأصبح كل من يتحدث عن القضية الفلسطينية يتحدث عن حل الدولتين وعن الرجوع إلى القضية وحلها.
وأكد القيادي في حركة حماس أن طوفان الأقصى لم يبدأ في 7 أكتوبر، بل إن جذوره ممتدة إلى 1948 وبقيت تتراكم حتى فجرت هذا الوضع.
من إيجابيات طوفان الأقصى أيضا أنه أوقف الانحدار العربي خاصة في موضوع التطبيع الذي تم إيقافه، ولم يعد هناك الكثير مما كان مطروحا سواء أكان ذلك أحلافا أو تطبيعا دبلوماسيا أو تعاونا اقتصاديا مع كثير من البلاد العربية.
وتطرق أبو مرزوق أيضا لعلاقة الكيان بالدول الغربية موضحا “أن هناك مصالح للدول الغربية وخاصة أمريكا في المنطقة، تدفع أمريكا هاته الدول لتطبيع علاقاتها مع الاحتلال لإنشاء تحالفات اقتصادية لمواجهة خط الحرير الصيني، حتى تبقى هذه المنطقة تحت هيمنة إسرائيل والهيمنة الصهيونية. وهذه المصالح أيضا قضى عليها طوفان الأقصى”.
وزاد باسطا حسنات طوفان الأقصى، موضحا أنه “أزاح من الخارطة مكانة إسرائيل الإقليمية، وقد كان يستعان بها هنا وهناك في الشرق والغرب كونها دولة قوية ذات جيش على مستوى عالمي متقدم وولها ذراع أمنية قوية واستخبارات قوية. فحطم طوفان الأقصى كل هذه الادعاءات”، بعدما كانت تهدّد كثيرا من دول المنطقة لم تعد قادرة على حماية نفسها، وأصبح من يتحالف معها يعرف أنه يتحالف مع كيان هش.
وأشار المتحدث في حديثه إلى ان رجال المقاومة أعدوا واستعدوا وأخذوا العزيمة واستعانوا بالله سبحانه وتعالى، فواصلون الليل والنهار من أجل هذا اليوم؛ تدريبا وتصنيعا وبحمد الله صنعوا سلاحهم والتصقوا بكتاب ربهم، فما كان منهم إلا حافظ أو ذاكر أو متهجد في يومه ونهاره، هؤلاء هم جند الله بذلوا أقصى الجهد وأقصى الاستطاعة ونصرهم الله سبحانه وتعالى وتنزل بنصره عليهم لأنه “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”. فنصروا الله سبحانه وتعالى وكانوا على قدر المسؤولية.
واسترسل موضحا أنه كان قبل أيام من طوفان الأقصى بين رجال المقاومة “وما وجدت واحدا طالبا للدنيا، كلهم كانوا مشاريع شهادة. ولقد اجتمع قادتهم معهم في أول ساعات الانطلاق، وبعد منتصف الليل بثلاث ساعات وخيروهم بين الشهادة والانسحاب، فما انسحب منهم رجل واحد وتوكلوا على الله سبحانه وتعالى. فكانت الغزوة المباركة، وحطموا فرقة غزة عن بكرة أبيها أسرا وقتلا وجرحا، ولم يبق منهم أحد”.
فقد عجز الكيان بطائراته ومدرعاته ودباباته أن يقف في وجه هؤلاء، يقول أبو مرزوق ثم يضيف “لأنه نصر الله سبحانه وتعالى. صحيح حصل كثير من الفوضى، ودخل الكثير من المدنيين ومن إخواننا في فصائل المقاومة، ولكن النتيجة كانت انتصارا مبهرا ولم تقو إسرائيل على مجابهتهم”.
وأضاف: “ابتغينا الحرية لأسرانا، ابتغينا الحرية لشعبنا، ابتغينا الحرية لوطننا، نحن نريد أن نكون أحرارا، لا عبيدا تحت الاحتلال، ولا أذلاء تحت الحصار، وبذلنا كامل الجهد وأقصى الاستطاعة، ووعدنا الله وصدق وعده، فنصرنا وأعز جنده”.
وتابع يقول: “إسرائيل هي صنيعة المشروع الغربي، صنع في قلب الأمة الإسلامية، وصنع ليبقى ولذلك انتفض الغرب كله ليحارب مع الكيان الصهيوني، انتفض الغرب كله ليحمي هذا الكيان لأنه مشروعه”.
وذكر أبو مرزوق أن القائد المظفر محمد الضيف منذ يوم انطلاقة كوفان الأقصى ناشد العرب والمسلمين وناشد كل أحرار العالم منذ اللحظة الأولى لأنه كان يعلم بأن الغرب سيقف إلى جانب الاحتلال، وسيلجأ وزراء الدفاع إلى غرفة القيادة في الكيان الصهيوني ليشاركوا هذا الكيان الصهيوني في الحرب، وأن أساطيلهم ستأتي إلى المكان، فحاملتا طائرات أمريكية جاءت إلى البحر المتوسط على شواطئ فلسطين، وعشرات الجنود من مختلف الدول جاءت إلى قبرص لتحرر أسرى الحرب من عند كتائب القسام، وأرسلت بريطانيا وألمانيا طائرات التجسس، كلها تجندت في حرب عالمية ضد قطاع غزة فكان لا بد لأهلنا في قطاع غزة، ولكتائبنا المظفرة ولقائدها المسدد بإذن الله أن يناشدوا الأمة لتتحمل مسؤولياتها لتواجه مجموعة من الحاقدين القتلة الجبناء الذين لا يستطيعون أن يواجهوا جنودنا في الأرض وفي الميدان، وعثوا في الأرض في فسادا، ولم يحصل في تاريخ البشرية أن يقتل الأطفال والنساء على شاشات التلفزة ولا يتحرك الكثير من المسؤولين في المنطقة وفي العالم، وألا يتحرك العالم كله لوقف هذا العدوان.
صحيح أن مقاومة الشعب لها أكثر من 100 عام، يضيف أبو مرزوق، لكن شكلت هذه المعركة نقطة انطلاق جديدة نحو نهاية هذا المشروع الذي كان ينطلق من نجاح إلى نجاح، وكان يأخذ من جسم الأمة ومن عقلها ومن أركانها الكثير الكثير حتى وصلنا إلى ما وصلنا اليه. فكانت هذه الانعطافة وكان هذا النصر، وكان هذا النموذج الذي سيمثل حجة على كل شعوب العالم العربي والإسلامي.
وأضاف “واجهنا أكثر الطائرات تقدما، وأكثر أجهزة التجسس المسلطة على رؤوسنا ليل نهار”، موضحا أن الطائرات المسيرة لا تختفي من سماء غزة التي تعيش الحصار المطبق بدون أي منفذ، وبقيت في أكبر سجن في التاريخ. أليس هذا بحجة؟ يتساءل المتحدث، الذي أكد أن شعوبنا وأمتنا آن لها أن تتحرر من الضغط الأمريكي ومن الضغط الصهيوني، ومن كل هذه الأوزار التي وضعت عليها.
علينا أن نقطع علاقاتنا مع هذا الكيان اللقيط، يقول أبو مرزوق، وقد شاهدتم أنه من الضعف بحيث لم يقوى ثلاث ساعات أمام المجاهدين، لتنتهي أسطورة الجيش الإسرائيلي، وليلجأ إلى الاستعانة بأمريكا وأوروبا وبكل الغرب. ثم أضاف أنه بعد سبعين يوما من القتال لم يظفر بشيء من الاستقرار في قطاع غزة الذي مساحته 362 كيلو متر مربع. إذ لم يستطيعوا أن يحوزوا انتصارا على هذا الشعب لأنه اتصل بربه، يضيف ثمّ يعقّب، والنصر يحوم فوق رؤوسنا دائما، ولا ينتظر إلا كلمة كن فيكون، ولكن إن تنصروا الله ينصركم.
ودعا إلى قطع العلاقات مع كيان الاحتلال الذي لا يُرجى منه خير “يجب أن نقطع علاقاتنا بهذا الكيان على الفور، وألا ننتظر مهما كانت الأسباب، ومهما كانت التداعيات. نحن أقوياء بالله”، من اغتصب الأرض ومن قتل الأطفال والنساء، هؤلاء قتلة عادوا الله قبل أن يعادوا شعبنا الفلسطيني على أرض فلسطين، يقول.
وأكد في نقطة أخرى أن الغرب يريد كسر حركة حماس المجاهدة، “هذه حركة تحرر، هذه حركة إسلامية ترتكن إلى ركن كبير”، وشدد على أنهم راعوا الله تعالى في تعاملهم مع الأسرى “نحن أطعنا الله فيهم”، وهو الأمر الإلهي الذي يسبق مواثيق حقوق الانسان وأوامر القوانين الدولية التي تدعو إلى احترام الأسرى.
ثم عرج على مسألة أخرى هامة بقوله “يجب أن نبذل الوسع كل الوسع، يجب أن نبذل ما استطعنا من قوة، يجب أن ننبذ الخلاف فيما بيننا، يجب أن نوحد صفوفنا، يجب أن نتكامل في أعمالنا من أجل عزة شعوبنا، ومن أجل مستقبل أبنائنا. هذا ما نريده من كل شعوبنا ومن كل أحرار العالم”.