اعتبر الدكتور منير الجوري، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، أن الوثيقة السياسية التي أصدرتها الجماعة تعبير عن رأي فاعل من الفاعلين الأساسيين داخل المجتمع المغربي، وهي تبتغي تقديم رؤية الجماعة وتصورها فيما يرتبط بإدارة وتسيير الشأن العام في قضاياه وفي مجالاته المتعددة.
الجماعة أثارت نقاشا يعيد للممارسة السياسية أدوارها داخل المجتمع
الجوري في حوار مع قناة الشاهد الإلكترونية أجراه معه الإعلامي محمد الإبراهيمي، شدّد على أن تقديم التصورات ورؤى الجماعة في هذه المواضيع ليس جديدا، إذ كانت منذ سنوات تعبر في وثائق سابقة وأيضا في تصريحات وفي بيانات وفي تقارير تصدر بشكل منتظم عن هذه الآراء وعن هذه التصورات.
وضمن حديثه عن سياقات ظهور هذه الوثيقة، اعتبر الجوري أن النقاش الداخلي حول القضايا التي تهم الشأن العام وتهم المجتمع وتهم المواطنين تطور بشكل أنضج معه مجموعة من الأفكار والمقترحات ووضح عددا من التفاصيل، وانسجاما مع مبدأ الوضوح الذي تتبناه الجماعة، كان لزاما عليها أن تكون واضحة مع المجتمع ومع مختلف الفرقاء السياسيين.
ولفت الجوري إلى أن المشهد السياسي الذي نتابعه جميعا والذي يمكن أن نصفه بأنه مشهد راكد حيث تم تجريف السياسة بشكل غير مسبوق، مع الغياب المطبق للمبادرات السياسية سواء على مستوى النقاش أو طرح الأفكار أو إثارة المداخل الحقيقية لتجاوز الوضع الذي يعيشه المغرب، فإن الجماعة باعتبارها فاعلا سياسيا مثل غيرها من الفاعلين السياسيين، شعرت بهذه المسؤولية وارتأت في ظل هذه الظروف أنه لا بد أن تتحمل مسؤوليتها من أجل إثارة النقاش الذي يعيد للسياسة قيمتها ويعيد للممارسة السياسية أدوارها داخل المجتمع المغربي قبل أن نسقط أكثر في وضع أخطر مما نحن فيه.
الجماعة تعيش حيوية وفاعلية داخليا وخارجيا
وحول ما إذا كانت الجماعة تعيش أيّة أزمة وتريد التنفيس عنها من خلال إصدار هذه الوثيقة كما ذهب إلى ذلك بعضهم، أكّد الجوري أن الواقع هو العكس تماما، حيث إن الجماعة تعيش حيوية وفاعلية داخليا وخارجيا، موضحا أن حيويتها تبرز في عدة مناسبات وفي كل مجالات اشتغالها سواء على المستوى التربوي أو الدعوي أو السياسي أو التضامني أو الحقوقي، وهي حاضرة من خلال تقديمها لمقترحات في بعض الأوراش المفتوحة على صعيد النقاش العمومي بأطرها وحاضرة أيضا بقياداتها.
وفي هذا الصدد أشار المتحدث إلى نشاط الجماعة الدائم والمستمر على المستوى المحلي. وهو ما لا يتأتى رؤيته لمن هو خارج الجماعة في ظل هذا التعتيم الذي تعاني منه، وما يمكن اعتباره مبررا لمثل هذه القراءات التي تبقى قاصرة هو التوفر على معلومات ناقصة أو ضعيفة.
وشدد على أن الوثيقة ينبغي أن تقرأ على أنها دليل إضافي على حيوية الجماعة وعلى عافيتها، معتبرا أن اجتماع مؤسسات الجماعة لتناقش وثيقة من هذا الحجم وبهذه الرهانات التي تحملها وأن تصدق عليها كلها، فهذا في حد ذاته دليل على أن هناك انسجاما وحيوية وعملا دائما تقوم به الجماعة من أجل تطوير مقترحاتها وإسهاماتها في الفعل المجتمعي وألا تكون منعزلة عنه.
من ينتظر الجماعة أن تؤسس حزبا في ظل هذه الظروف فهو لا يعرف عمق تصورها
وعما يمكن أن يعتبره مراقبون إيذانا بإرادة الجماعة دخول الدائرة الرسمية والمشاركة من خلال الانتخابات، اعتبر الجوري أن موقف الجماعة واضح وقد عبرت عنه مرارا وتكرارا، ومما زاد ترسيخ موقفها هو أنها إلى عهد قريب شاهدت وعاينت تجارب عملية في مثل هذه الخيارات والتي باءت بالفشل.
فسيكون من باب السذاجة والعبث فعلا، يقول الجوري، أن تكون الجماعة من خلال هذه الرؤية تطرح إمكانية تأسيس حزب من أجل الاشتغال في ظل هذه الشروط وهذا الوضع القائم، ومن يفكر بهذا المنطق فهو لا يعرف حقيقة الجماعة ولا يعرف عمق تصورها.
وتابع: مبدئيا لا إشكال لنا مع تأسيس حزب، هذا معروف وكانت الجماعة قد بادرت إلى ذلك، لكن إذا أردنا أن نحلل الأمر من منطلق الجدوى فسنتساءل هل الجماعة فعلا الوحيدة التي يمكن أن تقرر بشأن تأسيس هذا الحزب؟
واسترسل موضحا أن الشروط التي وضعها النظام المغربي، يتبين من خلالها أن الهدف هو تقييد الفاعل السياسي لإفقاده مكانته ودوره ووظيفته الأساسية التي من أجلها يؤسس هذا الحزب. وبالتالي فعدم تأسيسنا للحزب ينطلق من هذا العائق الأول وهو عائق سياسي بالدرجة الأولى.
هذا العائق المرتبط بالنظام المغربي في كيفية تعاطيه مع الأحزاب، يضيف عضو الأمانة العامة، ندرك بأن الحزب ليست له جدوى، فيمكنك أن تؤسس حزبا وتصبح لك مقرات وأجهزة وتستفيد من منح “لكن لا أنت ستؤطر المواطنين كما ينبغي، ولا أنت ستمثلهم تمثيلا حقيقيا يجعلك تحمل همومهم وآمالهم في تغيير منشود ولا أنت مخول لك أن تطبق برنامجك”.
هذه رؤيتنا نطرحها للنقاش والتداول والتجويد والتطوير
وعن إمكانية اعتبار الوثيقة دعوة للتفاوض مع الدولة، أجاب الدكتور الجوري، معتبرا أن ما نعرفه عن الدولة هو أنها تفرض ولا تتفاوض لذلك فإن الوثيقة أساسا موجهة إلى الفاعلين والباحثين الذين يريدون أن يعرفوا مواقف الجماعة ومبادئها، وإلى عموم المواطنين داخل المجتمع الذين يبحثون عن ماهية الجماعة ويريدون أن يبددوا بعض الشائعات وبعض الاتهامات ضد الجماعة.
هذه رؤيتنا وهذا مشروعنا نطرحه للناس للنقاش والتداول والتجويد والتطوير، وللبحث عن المساحات المشتركة، يقول الجوري، ثم يضيف متحدثا عن دلالات الدخول في التفاصيل بأن ذلك هو نوع من التطور العادي والطبيعي الذي يحدث في النقاش الداخلي.
كما أن ذلك له دلالة على أن الجماعة حية وتتطور ونقاشها الداخلي حاضر بشكل قوي، وهي قوة اقتراحية تستطيع أن تتقدم في مقترحاتها إلى ما هو تفصيلي بدل ما كانت توصف به بأنها طوباوية وبأنها متعالية في مقترحاتها.
وتلك التفاصيل وفق حديثه تعد دليلا على أن ما كانت تقترحه من تصورات ومن أهداف كبرى، هي أمور فعلا قابلة للأجرأة وقابلة للتفعيل. وليست عامة منقطعة عن الواقع، كما أنها دليل على أن الجماعة حريصة على أن توضح نفسها وأن تكون قريبة من الناس وتتفاعل مع ما يطرحه المجتمع بشأنها.
الوثيقة وفاء لفكر الإمام عبد السلام ياسين أم قطيعة معه؟
وفي حديثه عن علاقة الوثيقة بالفكر المنهاجي للإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، شدد الجوري على أن الوثيقة جاءت لتفصل ما أجمله الأستاذ ياسين في كتاباته وفي نظرياته وفي رؤيته للشأن العام وللعمل بشكل عام وفي مشروعه المجتمعي.
فالوثيقة وإن كانت تحمل الصفة السياسية، إلا أنها تضمنت مقتضيات مرتبطة بمشروع مجتمعي متكامل ومنسجم مع ذاته. الأستاذ عبد السلام ياسين كان ينادي بالحوار وبالعمل المشترك، وقد ترجمت الوثيقة هذا الأمر في تفاصيل كثيرة، كان يناهض الاستبداد والحكم الفردي والوثيقة حاولت تفصيل آليات ووسائل كفيلة بتحقيق هذا المراد.
وإذا كان رحمه الله قد تحدث عن الديمقراطية وتبنى آلياتها وتحدث عن التعددية الحزبية وقضايا متعددة، فإن الوثيقة أكدت هذه الأسس وهذه المبادئ. وإذا كان قد جمع في مشروعه ما بين العدل والإحسان ولا يمكن الفصل بينهما، فإن الوثيقة حاولت من خلال مقترحاتها أن تعكس هذا الجمع وهذا الترابط الموجود الدائم بينهما.
وأضاف: كان رحمه الله في فكره يدعو إلى محورية الإنسان في كل شيء، وهو ما اقترحته الوثيقة وجعلت منه محوريا سواء في تربيته أو في تأهيله أو في الحفاظ على كرامته أو في إشراكه أو في بناء إرادته.
لمشاهدة الحوار كاملا: