د. الخطيب: دعوات “التحرر من قيود الزواج” لا تعدو أن تكون بؤسا وشقاء وتعاسة

Cover Image for د. الخطيب: دعوات “التحرر من قيود الزواج” لا تعدو أن تكون بؤسا وشقاء وتعاسة
نشر بتاريخ

قال الدكتور عبد المجيد الخطيب إن من نعم الله سبحانه علينا أن شرع لنا الزواج ورغبنا فيه، وجعله طريقا إلى بناء الأسرة التي تتحقق فيها المساكنة النفسية، والسعادة الجسدية والتعاون على البر والتقوى؛ مستدعيا لتبيان ذلك قول الله عز وجل وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، سورة الروم (21)، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أمر بالزواج وشجع عليه متى توافرت شروط نجاحه؛ فقد روى البخاري ومسلم عن سيدنا  ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ).

وأوضح الباحث في التربية والأدب، في تصريح لبوابة العدل والإحسان بمناسبة الحملة الرائجة حاليا على منصات التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ #الأسرة_نعمة #الزواج_عبادة، أن الزواج “ليس ارتباطا عاديا بين رجل وامرأة. وإنما لقداسته وعلو قدره جعله الله ميثاقا عظيما بين الزوجين حين يعقدان الزواج بشروطه وأركانه؛ قال تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا. (النساء 21)”. وأن الله تعالى “يحب أن يرى أصحاب هذا الرباط المقدس ينعمون بالسكينة والصفاء والمحبة والود والرحمة. وفي حال تدهور العلاقة الزوجية بسبب من الأسباب، فيجعلهم أمام خيارين لا ثالث لهما، حيث يقول سبحانه: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (البقرة 229)”.

بالزواج تتشكل الأسرة التي هي نواة وأساس المجتمع ومنطلق بناء رجاله ونسائه، يضيف الدكتور الخطيب، فـ”فيها يستقبل الوليد الجديد، ويؤذن في أذنه اليمنى ويقام في يسراه، حيث يكون أول ما يسمعه نداء الفطرة التي فطر الناس عليها جميعا. ويحرص الأبوان على حماية هذه الفطرة وتنشئة الأطفال عليها، وغرس القيم النبيلة في نفوسهم التي جاءنا بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم”. وبذلك تكون “الأسرة حضنا لجميع أفرادها، صغارا وكبارا. ينعم فيها الآباء بالمساكنة والمودة والرحمة، وتكتمل إنسانيتهم بتذوق طعم الأمومة والأبوة حين يرزقهم الله الذرية، وينعمون بإحسان الأبناء ورعايتهم حين يبلغون الكبر، ويحضنونهم بالرفق والعناية مع التعظيم والتبجيل”.

ويسترسل مبينا مآلات الأسر “في المجتمعات التي فقدت البوصلة وأصابها التيه والعمى؛ يرسل الآباء في سن الكبر إلى دار العجزة، وينهون أعمارهم بعيدين عن حضن وعطف الأبناء والعائلة. مأساة ومعاناة يكتوي بها الصغير والكبير حينما سادت الحضارة المادية المتجردة من القيم الإنسانية، وسيطرت الأنانية الفردية، وانتشرت دعوات الانحراف والفساد الأخلاقي”.

ويصف الباحث حال مجتمعاتنا اليوم، التي “تغزوها ثقافة هذه المجتمعات الدوابية التي انسلخت من الدين، وتصور لشبابنا الزواج سجنا وقيدا يحول بين الإنسان وحريته، وتزين لهم المنكرات وتدعوهم إلى التحرر من كل القيود. دعوات ظاهرها السعادة والرقي والتحرر، لكن حقيقتها لا تعدو أن تكون بؤسا وشقاء وتعاسة وضلالا مبينا”.

ثم يعود المتحدث ليؤكد أن سعادة المؤمن والمؤمنة تكمن “في اتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاءنا بهدى من الله كله رحمة وخير وفضل منه سبحانه؛ قال تعالى: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (البقرة 120)”. إذ إن “ديننا دين الفطرة، شرع الله لنا فيه الزواج وجعله بابا من أبواب الخير والفضل والعبادة. ومقاصده لا تكاد تحصى؛ فبه يتحقق الإحصان والعفاف، ويستمتع الجسد بالأجر والثواب، وبه يكتمل دين المؤمن والمؤمنة بالتعاون على البر والتقوى. لكن نجاحه واستمراره رهين بمستوى إيمان الزوجين وترفعهما عن سفاسف الدنيا، والتحلي بمكارم الأخلاق، خاصة في هذا الزمان الذي أصبحت فيه أسرنا مستهدفة من كل جانب”.