اعتبر الدكتور محمد الزاوي أن أفضل الشهور “ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده”، وبذلك يلتحق شعبان بفضل رمضان لقربه منه، وتكون منزلته منه بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض واستعداد وتعظيم لها، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة، فكذلك الأعمال ما قبل رمضان وبعده أفضل مما بعد منه من الأعمال وفق الباحث في علوم الشريعة.
وأضاف الزاوي في تصريح لبوابة العدل والإحسان حول الاستعداد لاستقبال شهر رمضان المعظم؛ أن أيام شهر شعبان ولياليه بهذا المنطق “فرصة مثلى للمسارعة إلى الخيرات، ودقائق غالية لطلب الزلفي لدى الكريم الوهاب الذي يعرض سلعته الغالية على العباد في مواسم نفيسة رحمة بهم وتوددا إليهم واستنهاضا لهممهم”.
فالمطلوب من المؤمن الراغب في فضل الملك الوهاب -يضيف الزاوي- أن يشمر على ساعد العمل الصالح، ويجبر كسر الأيام الخالية بالتوبة النصوح والعزم على طلب وجه الله مع الطالبين المتشوقين لاقتحام العقبة إليه استجابة لندائه الخالد فلا اقتحم العقبة.
ويرى الزاوي أن مداومة صيام النبي صلى الله عليه وسلم لشعبان دون غيره من الشهور يؤكد ما ذهب إليه، موضحا أن ذلك فيه معان أخر؛ ذكر منها النبي في حديث أسامة معنيين: أحدهما: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه فصار مغفولا عنه.
وأشار المتحدث إلى أن شهر شعبان فيه معنى آخر؛ فهو كالتمرين على شهر رمضان لئلا يدخل في رمضان على مشقة وكلفة، بل قد تمرن المؤمن على الصيام واعتاد على الأعمال الصالحة، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في رمضان بقوة ونشاط وإرادة عازمة وهمة عالية.
وعن استقبال شهر رمضان المعظم، أورد الزاوي ما قاله سيدنا أنس رضي الله عنه: كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرؤوها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان.
ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي نفحات رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن. وقد كان يقال إن شهر شعبان هو شهر القراء.
وعلى هذا الأساس ينبغي للمؤمن أن يتفرغ في شعبان لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب وأن يقدم على ذلك التوبة النصوح.
واسترسل متحدثا عن أفضل الأعمال في شعبان، ومنها “سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها لعموم المسلمين وإرادة الخير لهم ونصيحتهم ودلالتهم على الله، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الرقي في مدارج الإحسان…” مشيرا إلى وصف الله تعالى للمؤمنين عموما بأنهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم، وما جاء في سنن ابن ماجه [عن عبد الله بن عمرو قال: قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد].
وأضاف الزاوي أنه بمجموع خصال وشعب الإيمان، الفردي منها والجماعي بلغ من بلغ من الرجال مقامات القرب عند الله.
وأشار المتحدث إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان كما خرجه الإمام أحمد والنسائي [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه يقول: قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم].
وأورد قول بعض العلماء حول هذا الحديث قائلا: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين.
وفي حديث آخر، يقول الزاوي، [أتاكم رمضان سيد الشهور فمرحبا به وأهلا]، كما روي: [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ببلوغ رمضان فكان إذا دخل رجب يقول: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان] خرجه الطبراني وغيره من حديث أنس.
وأضاف الزاوي موضحا أن السلف كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ويدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم، وكان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلا.
ووضح أن بلوغ شهر رمضان وصيامه هو نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه ويدل عليه، وأشار في ذلك إلى [حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم ثم مات الثالث على فراشه بعدهما، فرؤي في المنام سابقا لهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاة وأدرك رمضان فصامه؟! فوالذي نفسي بيده إن بينهما لأبعد مما بين السماء والأرض] خرجه الإمام أحمد وغيره.
وقال الزاوي محفزا على اغتنام الشهر الفضيل: “من رُحم في رمضان فهو المرحوم، ومن حرم خيره فهو المحروم، ومن لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم”.
وختم تصريحه بأبيات شعرية يقول فيها:
أتى رمضان مزرعة العباد … لتطهير القلوب من الفساد
فأد حقوقه قولا وفعلا … وزادك فاتخذه للمعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها … تأوه نادما يوم الحصاد