هي امرأة قوية، شجاعة، سيدة لا كالسيدات، وأم لا كالأمهات.
هي شخصية متميزة، تركت بصمة قوية في التاريخ الإسلامي.
هذه الصحابية كانت مثالا للخدمة، والكرم، والعطاء، والجهاد، والعلم… حتى أنها بشرت بالجنة.
هذه الصحابية كانت سباقة إلى الإسلام.
زوجها هو مالك بن النضر، كانت تربطهما علاقة حب قوية، ولما أسلمت غضب عليها، وظن أنها خانته، وخانت عائلتها وقبيلتها. وحاولت إقناعه بالدخول في دين الله، لكن دون جدوى!
وكانت تلقن ابنها وهو صغير السن الشهادة ومحبة الله ورسوله، حتى قال لها زوجها “إنك تفسدين علي ابني”. غضب عليها غضبا شديدا، وهددها إن هي بقيت على دينها أن يتركها، فهجرها. ولقيه عدوه فقتله.
حزنت الصحابية الجليلة حزنا شديدا لأنها لم تستطع إقناعه بالدخول في الإسلام وتوفي وهو مشرك. وترك لها ابنين؛ أنس والبراء، صغيرا السن.
هذه المرأة الذكية كانت تعلم بأن الأسرة هي المحضن الذي تنطلق منه الدعوة الإسلامية، وأنها أول معقل للدعوة، فتهيأت. كانت تدرك أن ابنها بحاجة إلى العلم والدين والخلق أكثر من حاجته إلى الطعام، فأخذت ترعاه وتنشئه على الإسلام.
خطبها الكثير لسمعتها وكرمها وحسن خلقها وقوتها وشهامتها.. فقد كانت من النساء اللواتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتقدم لها سيدنا أبو طلحة (وكان لا يزال مشركا آنذاك)، وكان ثريا جدا، وعرض عليها مهرا ثمينا، فرفضته وطلبت مهرا لها دخوله الإسلام. وكذلك كان، فقد ذهب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى له القصة وأسلم على يديه. فكانت سببا في دخول سيدنا طلحة الإسلام، وأول من جعلت مهرها إسلام زوجها.
قادها ذكاؤها الوقاد إلى وضع ولدها في حضن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، قائلة له: “يا رَسولَ اللهِ، هذا أُنَيْسٌ ابْنِي، أَتَيْتُكَ به يَخْدُمُكَ فَادْعُ اللَّهَ له، فَقالَ: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ” (صحيح مسلم، 2481).
فهل عرفتم من هي هذه الصحابية الجريئة الشجاعة المجاهدة الصامدة؟
إنها الرّميصاء أم سليم بنت ملحان الأنصارية الخزرجية، أم الصحابي الجليل أنس بن مالك. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْفَةً فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذِهِ الْغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ” (صحيح مسلم، 2456). رضي الله عنهم أجمعين، وجعلنا على دربهم آمين.