مرت أربعة عقود وجيل التأسيس يغترف من معاني الصحبة بمجالسة ومشافهة الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، تشرب مبادئ الجماعة في الصحبة والجماعة صافية نقية، إلى أن وافته المنية يوم 13 دجنبر 2012 والتحق بالرفيق الأعلى. وعقبه جيل لم يجالسه ولم يشافهه، بل تشرب معاني الصحبة ممن صحب في ظل الصحبة في الجماعة، فكان جيل الشباب يغشى المجالس التربوية وكلهم عطشى للارتواء واحتضان من سبقهم، ووجدوا ضالتهم ومبتغاهم في كتب الإمام ومرئياته. كيف لا وقد أبدى المرشد رحمة الله عليه اهتمامه الأكبر بهذه الفئة الفتية، اقتداء بنهج المصطفى صلى الله عليه وسلم.
لماذا هذا الاهتمام بالشباب؟
عندما نقرأ في كتب الإمام عبد السلام ياسين رحمة الله عليه نجده خص هذه الفئة بعناية فائقة لما علم من خير فيها، قال: “لكن لا يزال في هذا الشباب حيوية ولا يزال فيهم عناصر لو بايعتها على الإسلام، ووضعت يدك في يدها بعهد الله وميثاقه لوجدتها نواة صالحة لتحريك عجلة العمل المعبئ” 1.
ولقد خص الإمام الشباب برسالة أسماها “رسالة إلى كل طالب وطالبة”، يقول في إحدى فقراتها “هؤلاء الشباب ضحية التغريب الفكري وطمس الشخصية والتهالك على الايديولوجيات المستوردة والشعارات المدوية” 2. فأي شباب نريد؟
كان للشباب في عهد النبوة دور فعال ومهم في نشر رسالة الإسلام، فهم قوة المجتمع، لما لهم من قدرة على العطاء والإنتاج والتضحية.. بث رسول الله صلى الله عليه وسلم الثقة في نفوس الشباب؛ فهذا مصعب بن عمير رضي الله عنه كان داعيا إلى الله، وجعل العديد يقتنع برسالة الإسلام، وهذا عتاب بن أسيد قائدا على مكة بعد أن خرج منها المسلمون آنذاك.. وغيرهم من الشباب كثير تحملوا عبء الدعوة وهي في مهدها.
يتبين لنا كيف أجاد صلى الله عليه وسلم توظيف طاقات شابة، وزرع في نفوسهم الثقة والإرادة والعزيمة، ليتحملوا مسؤوليات كبيرة وخطيرة كان لها الفضل الكبير في توسيع رقعة الإسلام.
الشباب إذن هو الثروة الحقيقية، ودرع الأمة وسياجها. فهو دائم التطلع إلى الأخذ بما هو جديد باستمرار، يتقبل التغيير والتطور، مستعد للإبداع والابتكار، يتكيف مع المنتجات التكنولوجية..
نعلم جيدا أن الإمام عبد السلام ياسين أبدى اهتمامه بهذه الفئة، ليس من محض الصدفة، في كل كتاباته؛ يحث على إشراكهم وإعطائهم الفرصة والثقة؛ “الشباب مرن مطواع للحق، والأمانة في عنق كل تقي رباني من الدعاة أن يسعى جهده لتستعيد التربية الإحسانية العلمية الجهادية شأنها” 3.
“في الشباب خير كثير، نرجو من كرم الملك الوهاب سبحانه أن يفيض في الجيل الحاضر طليعة تتلقى الربانية من أهل الربانية”نفسه..
بهذا وعلى هذا تربى شباب العدل والإحسان، تحملوا عبء المسؤولية، أسسوا لقاعدة تحتضن الناس بالتربية والتعلم في مجالس الخير والنصيحة، فكان منهم رجال تصدوا للدفاع عن الحرية والكرامة والعدل، ومنهم نساء تعلمن أن المؤمنة مجاهدة جنبا لجنب أخيها الرجل.
جل الحركات التحررية تجعل الشباب نصب أعينها، لتصنع منه القائم المصلح، فكل حركة عالمية تغييرية إلا وقامت على أكتاف الشباب.
حتى الشعراء مدحوا الشباب باعتبارهم جيل المستقبل:
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ
إِلى قادَةٍ تَبني وَشَعبٍ يُعَمِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ
إِلى عالِمٍ يَدعو وَداعٍ يُذَكِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ
إِلى عالِمٍ يَدري وَعِلمٍ يُقَرَّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ
إِلى حِكمَةٍ تُملى وَكَفٍّ تُحَرِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ
إِلَيكُم فَسُدّوا النَقصَ فينا وَشَمِّروا
هذه أبيات للشاعر حافظ إبراهيم بمثابة رسالة تدعو الشباب الذين هم رجال الغد إلى العلم والعمل وسد الخلل. وكي لا تبقى فكرة الاهتمام بالشباب حبيسة أسطر الكتب التي خاطب فيها الإمام رحمة الله عليه الشباب رهينة ومقيدة، احتضنت الجماعة هذه الشريحة عبر مناشط متنوعة ومتعددة، إلى أن تأسست الدائرة السياسية لجماعة الإحسان سنة 1998، التي تصدت لتأطير الشباب وتنشيطهم، فأسست شبيبة العدل والإحسان التي تضم فئة عريضة من الطلبة والتلاميذ، وأعدت لذلك برامج هادفة تلائم سنهم وتناسب فئتهم العمرية، وأسست مدارس ميدانية تخرج منها العديد من القيادات الشابة. وهكذا سيستمر الاهتمام بالشباب إلى تحقيق موعود رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ موعود الخلافة على منهاج النبوة.
كان هذا جيل التأسيس وهو جيلنا الذي أصبح اليوم أبا أو جدا، ترعرع بين يديه شباب وشابات.
“أيها الشباب، إننا منصورون إن شاء الله، موعودون بالنصر، سائرون إليه. ادعوا للإسلام، اخطبوا، تجمعوا، تعلموا، علموا، تحركوا، اعمروا مواسم الإيمان، فجروا ينابيعه. لكن لا تحملوا السلاح” 4.