أكد الأستاذ فتح الله أرسلان نائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، أن الدعوة إلى ربط تعديل مدونة الأسرة بالاتفاقيات الدولية لا تعارضه الجماعة من حيث المبدأ، ولكن المشكل هو “عندما تتعارض أي اتفاقية مع الأصول ومع المبادئ الأساسية في ديننا”، مشيرا إلى ما تكفله هذه الاتفاقيات نفسها وهو “حق التحفظ” الذي تلجأ إليه جميع البلدان.
حق الجميع ثابت في الرأي والدفاع عما يؤمن به بطريقة حضارية
الأستاذ فتح الله أرسلان في حوار له ضمن برنامج “لقاء خاص” في قناة الشاهد يوم أمس الأربعاء 23 يناير 2025 في موضوع: “أهم أحداث 2024 بعيون العدل والإحسان”، أشار إلى أن واضع الاتفاقيات الدولية في مجال تعديل قوانين الأسرة هو الغرب بإيديولوجيات غربية، لكنه يحاول إضفاء الصبغة الكونية عليها، ومن ثمة يفرضها علينا. وانتقد المتحدث إمكانية منح التحفظ لمن وضعها وتقبله بكل أريحية، في حين يحرمنا منها نحن ويتهمنا بما بدا له من أوصاف.
ورحب الأستاذ أرسلان بالاتفاقيات الدولية إذا لم تتعارض مع المبادئ، وأورد مثالا عن الأسرة في مفهوم الغرب التي يمكن أن تكون في تعريفهم مكونة من ذكر وذكر، أو أنثى مع أنثى، فهل يمكن أن ننخرط في هذا الاتجاه ونتخذ هذا ليكون نموذجا؟ يتساءل الأستاذ أرسلان مستنكرا.
كما أشار إلى الجانب المظلم لدى الغرب في هذا الجانب، لاسيما في مجال القيم، حيث ظهر عوار عدد من الاتفاقيات التي مارستها واستعملتها باسم الحقوق، وظهر التخريب الذي تعرضت له الأسرة هناك، مشددا على أنه لا يمكن أن يطلب إلينا أن ننقل إلينا ونتبنى تجارب فاشلة ثبت عمليا وبالملموس أنها خربت فطرة الإنسان وليس فقط الدين.
وعن تدبير الاختلاف بين من يدعو إلى الانضباط للاتفاقيات الدولية كلية وبين من ينظر إلى بعضها بالتحفظ في المجتمع المغربي، أكد الأستاذ أرسلان حق الجميع في الرأي داخل المجتمع، والتعبير عنه والدفاع عنه ومحاولة إقناع الآخرين به بطريقة سلمية وبطريقة حضارية، مع الاعتراف بحقوق الآخرين، “ولكن ليس من حق أحد أن يفرض رأيه على المجتمع إذا رفضه”.
طوفان الأقصى ستكون له تداعيات كبيرة على مستقبل الأمة
وهنأ الأستاذ أرسلان في بداية الحوار الأمة بالنصر الكبير الذي حققه الله عز وجل على أيدي المقاومة الباسلة في غزة وفي فلسطين، موضحا أن وقف إطلاق النار جاء على صورة فرج من الله عز وجل بعد أن ضاقت بالناس السبل وبلغت القلوب الحناجر وظن الناس بالله الظنون، ودخل الشك في أن ينصر الله عز وجل جنده، فجاء الوعد الإلهي واهتزت الأمة فرحا وسرورا بهذا النصر العظيم.
وخص الإخوة في غزة وفي فلسطين بالتهنئة والتنويه على صبرهم وعلى الدروس العالية التي أرسلوها في الثبات وفي الثقة بالله عز وجل وفي استصغار كل شيء دون رضى الله عز وجل، فجاءت النتيجة كما كانوا يتطلعون إليها. مشددا على أن هذا النصر ستكون له تداعيات على الأمة وعلى الأجيال التي عاشت هذه الأحداث محليا ودوليا وعلى الأجيال المقبلة كلها.
وقال الأستاذ أرسلان إن الحديث عن طوفان الأقصى هو حديث عن نهوض أمة واستنهاض أمة وإعادة إحياء أمة، وما أحدثه ليس شيئا عابرا وإنما هو أمر جلل أحيا الأمة من جديد وأعطى إشارات مهمة جدا، لافتا إلى أنه أعاد الثقة في أن الله سبحانه وتعالى ناصرا عبيده المجاهدين في سبيله أولا، ثم أعطى درسا كذلك بأن المقاومة كانت خيارا صحيحا صائبا وواقعيا، حقق ما كان يرجى منه وكذب الظنون التي كانت تشكك في هذا الخيار.
من يحاول تحرير أرضه لا بد ثم لا بد أن يحقق النصر
وأشار إلى أن الطوفان أسقط مما أسقطه؛ أسطورة “الجيش الذي لا يقهر والدولة العظمى وهذه الشعارات العالية التي كانت ترفع”، وهز الكيان المحتل الغاصب وهز معه “الاعتقاد الخاطئ في أن المستعمر يمكن أن يبقى مستعمرا وأن الذي يحاول أن يحرر أرضه لا بد لا بد ثم لا بد أن يحقق النصر ويصل إلى النتيجة، وهذه سنة الله عز وجل في التاريخ”.
وتابع: “كذلك طوفان الأقصى أخزى الظالمين وأخزى المتخاذلين وأظهر وفضح المتآمرين، هذا شيء مهم جدا، كما كشف التواطؤ والنفاق الغربي وكشف زيف شعارات حقوق الإنسان وحقوق الشعوب والحريات التي كانت تُرفع”.
وعن تقييمه للمبادرات الشعبية التي انخرطت فيها الجماعة، أكد الناطق الرسمي باسم العدل والإحسان أن الجماعة نزلت منذ البداية إلى الساحات، وأكثرت من الفعاليات في مختلف المدن المغربية وبمشاركتها مع مجموعة من الهيئات الأخرى داخل المغرب، ووضعت المغرب بذلك في مقدمة الدول التي وقفت مع الفلسطينيين ومع غزة طيلة هذه المدة، ومنذ اليوم الأول إلى يومنا هذا لم تتوقف هذه الفعاليات وهذا الدعم.
المقاومة رفعت السقف عاليا
ولفت المتحدث إلى أن الدعم الذي قدمه المغاربة جعل إخواننا في فلسطين سواء المقاومة أو الشعب الفلسطيني أو القيادة السياسية كلها تبعث لنا الشكر، موضحا أن الشعب المغربي الآن أصبح يضرب به المثل على مستوى العالم في تضامنه مع القضية الفلسطينية، ذلك لأن القضية الفلسطينية بالنسبة للشعب المغربي هي قضية مصيرية وقضية أساسية وليست قضية تعاطف وقضية مساندة فقط.
ورغم ما قدمته الجماعة والشعب المغربي، فقد أكد الأستاذ أرسلان أن كل ذلك “غير كافٍ لأن المقاومة رفعت السقف عاليا، ومهما قدمنا من تضحيات وعطاء فسيبقى البون شاسعا بين المقاومة وبين غيرها”.
وقدم الأستاذ أرسلان الشكر الجزيل لكل أبناء وبنات جماعة العدل والإحسان على صبرهم وانخراطهم القوي في كل فعاليات إسناد الشعب الفلسطيني منذ بداية العدوان، ونوه بالتعاون مع باقي الكيانات الأخرى السياسية والنقابية والحقوقية وغيرها، آملا أن ينسي هذا النصرُ المحنَ التي امتدت طيلة السنة.
الأمر تجاوز التطبيع في المغرب إلى “شبه استيطان”
وفي جوابه عن سؤال مرتبط بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، أكد الأستاذ أرسلان أن خطر الاختراق الصهيوني للنسيج المغربي مرعب وليس فيه مبالغة، لأن كلمة “تطبيع” لا تعبر عن حقيقة هذا الاختراق، وحالة المغرب ليست هي حالة مصر أو الأردن، نحن هنا لدينا اختراق في جميع المجالات بدون استثناء.
واسترسل يقول: “لدينا شبه استيطان الآن في المغرب؛ في الدفاع، في الأمن، في الثقافة، في الفنون، في الاقتصاد.. في كل شيء”، وأكثر من ذلك – يضيف المتحدث – فإن الآلة الصهيونية الآن تحرك فئة المتصهينين بيننا في المغرب بوجوههم علانية، ويخرجون ما كانوا يفعلونه في المستور إلى العلن مع إعلان موالاتهم للصهيونية، وبالتالي فالأمر هو أكبر وأخطر وهو ما يفرض تضافر الجهود لتسليط الأضواء على هذا الخطر وعلى المستوى الذي وصل إليه.
وقال الأستاذ أرسلان: إن الجميع يتحمل المسؤولية؛ الفرقاء والأحزاب والمنظمات، لأن المسألة ليست موكَّلة إلى فئة دون أخرى، وهذا الخطر يهدد الجميع ويكتسح، لذلك يجب أن يتداعى الجميع للوقوف أمام هذا الخطر الماحق، وإلا فإن سيادة المغرب أصبحت مهددة ووجوده أيضا.
لا خوف على الشباب من هذا الجيل الذي عاش الانتصارات
وعن تعزيز الوعي بقضية الأقصى لدى الشباب المغاربة بعد أحداث طوفان الأقصى، أكد الأستاذ أرسلان أنه لا خوف على الشباب من هذا الجيل الذي عاش مرحلة الانتصارات، مرحلة المقاومة وانتصار القضية الفلسطينية، وما عشناه في هذا الطوفان سيعزز لدى الشباب مستوى الحافزية والجاهزية لخدمة القضية الفلسطينية.
ونبه إلى خطورة إساءة الظن بالشباب خاصة من هذا الجيل والاعتقاد بأنهم متصفون بعدم المبالاة وعدم الاهتمام، في حين أن الواقع يكذب ذلك، موضحا أن الشباب منذ الربيع العربي هم الذين تصدروا الأحداث وهم أصحاب المنجزات التي تحققت، وفي المغرب هم من قادوا الحراكات الاجتماعية والقطاعية.
وأشار إلى أن الشباب يحتاجون إلى تجديد الثقة فيهم ووضعهم في مكانتهم التي تليق بهم وعدم الاستهانة بوعيهم وفهمهم، داعيا إلى فتح المجال أمامهم وتكثيف العمليات التواصلية معهم ومنحهم الوقت والقيمة والفرصة ليكونوا إن شاء الله في أكثر من المستوى المطلوب.
الجماعة تقول بالاجتهاد مع التحرر من كثير من القيود
وفي تفاعله مع موضوع تعديل المدونة، قال إن من يتهم الجماعة بالتشبث بالميراث الفقهي الذي ظلم المرأة مجانب للصواب، موضحا أن هذا الاتهام لا يمكن أن يوجه إلى الجماعة التي عرفت بانتقادها للجمود على الاجتهادات السابقة والحرفية، مشيرا إلى أن هذا التشبث إذا كان المقصود به التشبث بأصول الدين والتشريع فهذا نعتز به ولا يمكن تجاوزه، أما إذا كان المقصود بالميراث الفقهي اجتهادات الفقهاء لزمانهم؛ فهذه نحترمها ونقدرها ولكن اجتهاداتهم تبقى اجتهادات مظروفة بظرفها وزمانها ومكانها وبالوقائع التي وقعت فيها، ونحن زماننا غير زمانهم وواقعنا غير واقعهم وأحوالنا غير أحوالهم.
الجماعة تقول بالاجتهاد، يؤكد الأستاذ أرسلان، ثم يوضح أن هذا الاجتهاد يجب أن يكون واسعا وأن يكون متحررا من كثير من القيود، طالما أنه يبقى داخل النصوص الشرعية وداخل الأصول الشرعية. مشيرا إلى أن الجماعة لها لجان وفرق من العلماء ومن الفقهاء ومن الباحثين رجالا ونساء من ذوي الكفاءات العالية التي يمكن أن تتصدى للاجتهاد وتطرح البدائل.
وانتقد الأستاذ أرسلان “تجزيء” موضوع التعديل وربطه بتجويد – مثلا – بعض النصوص، في حين أن موضوع الأسرة هو موضوع عام موضوع وشامل ويجب أن يعالج معالجة شاملة، وتابع المتحدث موضحا أن تجويد النصوص جيد، ولكن بعد تلك النصوص توجد إدارة تضعها وتراقبها، وهناك قضاة ينفذونها، وهناك مجتمع ستنزل فيه، فما هي أوضاعه وكيف هو تعليمة وتربيته وعقليته؟
في حاجة إلى مقاربة شمولية بعيدا عن تجزيء التعديل
وبالتالي استحضار كل هذه الجوانب وأخذها بعين الاعتبار مهم، والاكتفاء بتجويد النص لن ينتج عنه شيء وسنسقط في نفس التجربة السابقة، لأنها كانت هناك نصوص لكنها في واد والمجتمع في واد آخر، لذلك نركز على الشمولية بعيدا عن تجزيء الموضوع.
وتساءل المتحدث عن دور الدولة التي تريد التنصل من واجباتها وتخفي هذا التنصل وراء ورش التعديل في وقت نتحدث فيه عن الدولة الاجتماعية، مشددا على أن الأسباب الأساسية لمشاكل الأسرة هي الفقر والهشاشة وعدم وجود عمل، وهي أيضا أن المرأة لا استقلالية لها في دخلها لتحظى بكرامتها وبشخصيتها داخل الأسرة، مبينا أن قضايا التعليم والصحة أساسية في هذا الباب في إطار المقاربة الشاملة للموضوع.
ولفت المتحدث إلى أن ما برز إلى السطح في إطار مناقشة إصلاحات مدونة الأسرة هو الصراع بين الرجل والمرأة والأبناء، ومن يستفيد ومن لا يستفيد، والإرث.. وكأن الأسرة حلبة للصراع، في حين أن النهوض بالأسرة وبمصالحها أوسع من ذلك، ويحتاج إلى معالجة داخل إطار عام في المجتمع.