بمناسبة قرب الإفراج عن الدكتور بلقاسم التنوري، المعتقل الثاني عشر، ضمن ملف “طلبة العدل والإحسان”، والتحاقه بإخوانه خارج أسوار السجن، بعد أن قضوا 18 سجنا في سجون الظلم المخزني المغربي، نعيد نشر هذا الحوار الذي كنا أجريناه مع الأستاذ فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي لجماعة العدل والإحسان، حول ملف المعتقلين، وذلك حين انكسر القيد عن المعتقلين الأحد عشر قبل حوالي 10 أشهر.
سؤال:
هل يمكن أن تحدثنا عن سياق اعتقال طلبة الجماعة الإثني عشر؟
جواب:
بسم الله الرحمن الرحيم. لقد جاء اعتقال طلبة جماعة العدل والإحسان الإثني عشر سنة 1991 في وقت أصبح فيه حضور الجماعة وازنا على عدة مستويات؛ على مستوى الامتداد التنظيمي والتظاهرات الشعبية كما الساحات الجامعية، خاصة بعد الإعلان عن فصيل طلبة العدل والإحسان بخطابه الواضح والرشيد. فدشنت الدولة سلسلة اعتقالات جديدة طالت مختلف المناطق والحيثيات وعلى رأسها المرشد العام الأستاذ عبد السلام ياسين الذي فرضت عليه الإقامة الجبرية، ثم مجلس الإرشاد الذي زج به في السجن، فشكل اعتقال الطلبة الإثني عشر جزءا من مسلسل قمع وانتهاك لحرية الجماعة ولحق أعضائها في التنظيم والحركة.
سؤال:
تعرف جماعة العدل والإحسان بنبذها للعنف، فما هي ملابسات هذا الملف؟
جواب:
اجتمعت إرادتان لحياكة فصول هذه القضية؛ فالدولة لم تكن مرتاحة للنشاط المتزايد للجماعة داخل مختلف الميادين والمجالات ومنها الجامعات، كما أن الحضور والإقبال الذي عرفه فصيل طلبة العدل والإحسان دفع بعض الفصائل الطلابية إلى إعلان حرب استئصاليه ضد أي وجود إسلامي في الجامعات، ففضلت لغة العنف الدموي على أساليب الحوار والتواصل، وهو خيار ألزم هذه الأطراف إلى يومنا هذا حيث ما زالت الساحات الجامعية تكتوي بلظاه بين الفينة والأخرى، ومن آخر الأمثلة على ذلك ما حدث الأسبوع الماضي في مراكش حينما اعتدت عصابة طلابية يسارية على طلبة العدل والإحسان بمختلف الأسلحة البيضاء أثناء تنظيم فصيلنا الطلابي نشاطا احتفاليا بخروج معتقلينا الطلبة من السجن بعد عقدين من الاعتقال، وقد خلف هذا الاعتداء إصابات بالغة في صفوف عدد من طلبتنا. وأمام هذا التوافق الرامي إلى تحقيق أهداف مشتركة، لم يكن من الصعب تلفيق ملف لطلبة الفصيل الطلابي لجماعة العدل والإحسان بعد توزيع المهام بين الأطراف المستفيدة، ثم كان الحكم القاسي بعشرين سنة على إثنا عشر طالبا، وبمدد بين ثلاثة وخمس سنوات على ما يقرب من أربعين طالبا، كلهم من فصيل طلبة العدل والإحسان. وقد تابع الجميع حينها كيف كانت المحاكمة مهزلة مفضوحة كانت الأحكام فيها سياسية ولا تستند على دليل إثبات واحد، بل إن أدلة النفي هي التي كانت قوية، لكن تم إغماض الأعين عن ذلك ووزعت الأحكام الثقيلة الظالمة جزافا.
سؤال:
تزامن هذا الحدث مع انتصار جبهة الإنقاذ في الجزائر، ما هي دلالات ذلك؟
جواب:
انتصار جبهة الإنقاذ في الجزائر لم يكن إلا واحدا من عوامل أخرى إقليمية ودولية صاحبت حياكة هذا الملف، حيث سعت السلطات وقتئذ إلى “تأمين” الحدود من أي اختراق لانتصار الجبهة، فكانت مدينة وجدة، حيث كان المعتقلون الإثنا عشر يتابعون دراستهم، مسرحا لطبخ ملفهم، وقد كان المتابعون السياسيون والإعلاميون والباحثون واعون بهذه الرسالة غير المشفرة.
سؤال:
عرف المغرب خلال فترة الاعتقال أكثر من حالة عفو شامل كان يستثنى منه دائما طلبة العدل والإحسان. ما هو السبب في نظركم؟
جواب:
أولا إن العفو لا يكون إلا عن المذنبين، ومعتقلونا الإثنا عشر أبرياء مما نسب إليهم والدولة أول من يعرف ذلك. ثانيا إن استمرار اعتقال طلبة العدل والإحسان عقدين من الزمن دليل واضح على أن ما سمي بالعفو الشامل لم يكن سوى تسويقا لشعارات فارغة وبعيدة عن الواقع، وقد ظل هذا الملف يكذب كل الافتراءات والشعارات التي تعرت أخيرا أمام الانتهاكات التي تعرفها حاليا الحريات العامة في بلادنا. ثالثا إن ملف الطلبة المعتقلين هو جزء لا يتجزأ من ملف جماعة العدل والإحسان، والعفو لم يستفد منه إلا من أحدث تراجعات في فكره وموقعه السياسي واختياراته المبدئية، وهو ما لا ينطبق على الطلبة الإثني عشر وجماعة العدل والإحسان التي ينتمون إليها الذين ظلوا أوفياء لخطهم الدعوي والسياسي.
سؤال:
راج في وسائل الإعلام أن ملف المعتقلين كان هو العقبة التي حالت دون التوصل إلى اتفاق بين الجماعة والدولة. ما صحة هذا الكلام؟
جواب:
الاتفاق بين جماعة العدل والإحسان والدولة دونه قضايا كبرى وجوهرية، وتوظيف ملف المعتقلين الإثني عشر للضغط على الجماعة لا ينسجم مع روح التفاوض والتواصل، ورضوخ الجماعة لمثل هذه الضغوط غير وارد بالنظر لحجم المشروع الذي تدافع عنه.
سؤال:
هل يمكن أن نقول بأن رهان المخزن خاب حين حاول الضغط على الجماعة بهذا الملف؟ وهل يمكن تعميم نفس الاستنتاج على قضايا أخرى ما زالت عالقة (قضية ذ. محمد العبادي، ذة. ندية ياسين..)؟
جواب:
الحقيقة ما ترى لا ما تسمع. فقد انقضت مدة سجن الطلبة الإثني عشر كاملة، وسجل المعتقلون ثباتا ووفاء مشرفا، وخرجوا برؤوس شامخة وشواهد جامعية عليا وثوابهم عند الله أكبر وأعظم، ولا أظن أن بعد هذا من بيان أكثر إفصاحا ووضوحا.
سؤال:
كيف تتصورون مستقبل العلاقة بين الجماعة والدولة بعد الإفراج عن هؤلاء المعتقلين؟
جواب:
الأمر متوقف على الدولة ومدى استفادتها من مجريات هذا الملف، نتمنى أن يكسبها ذلك فهما أعمق لمن نحن وماذا نريد؟ فأسلوب الضغط ولي الذراع ليس أسلوب العقلاء، والحمد لله أنه ليس من أسلوبنا، فنحن نسعى بكل جهدنا لما فيه مصلحة شعبنا، ولنا مشروع نحسب أن فيه الخير الكثير لبلدنا، ونعمل على المساهمة به إلى جانب كل الفضلاء والأخيار بعيدا عن أسلوب الصراع وافتعال التوترات والقلاقل، لكن مع الأسف فإن هذا الأسلوب يصر الطرف الآخر على جعله جوهر سياسته في التعامل مع جماعة العدل والإحسان.