في سياق استمرار إغلاق وتشميع بيوت أعضاء جماعة العدل والإحسان، نجدد عرض القراءة الهادئة للأستاذ حسن السني، المحامي بهيئة الدار البيضاء، المبنية على قراءة النصوص القانونية، للقرارات التعسفية للسلطات الإدارية التي طالت العديد من البيوت في مختلف المدن.
الأستاذ السني قدم لهذه القراءة بحديثه عن السياق قائلا: “الحديث عن قرارات إغلاق بيوت مجموعة من أعضاء جماعة العدل والإحسان يستدعي التحدث أولا عن سياق هذه القرارات قبل التفصيل في الأساس القانوني المعتمد.
هذه القرارات، سواء منها قرار إغلاق بيت وجدة أو قرارات إغلاق بيوت الدار البيضاء والقنيطرة وإنزكان والقرارات الصادرة اليوم، هي كلها قرارات إغلاق صادرة عن السيد العامل.
سياق هذه القرارات يمس بمبادئ كبيرة أقرها الدستور المغربي سنة 2011 ونخص بالذكر “حرمة المنازل” التي نص عليها الفصل 24 من الدستور، ثم “حق الملكية” و”حق التجمع والاجتماع”.
عندما نرى المساس بمثل هذه الحقوق والحريات الأساسية يجب أن يتبادر إلى ذهننا أن المجال حكر على القضاء بدءا، فلا يمكن، مثلا، للسيد العامل أو أي سلطة إدارية أن تأمر بإعدام شخص وتنفذ حكم الإعدام مساسا بحق الحياة الذي هو حق مقدس، أو تمس بحق الحرية فتأمر باعتقال وحبس شخص معين لأية مبررات كانت دون المرور عبر المؤسسة القضائية، فكذلك عندما نتكلم عن حق “الاجتماع” و”حرمة المنازل” فقرارات الإغلاق لا يمكن أن تؤخذ من طرف سلطة إدارية، فالإغلاق هو تدبير وقائي عيني نص عليه المشرع في القانون الجنائي ونظمه ونظم تدابيره، واشترط كي يتم الإغلاق أن تكون هناك محاكمة بخصوص جريمة جارية، وأن تأمر المحكمة بإغلاق البيت وليس السيد العامل.
وبالتالي فهذه القرارات تأتي خارج السياق العام، هذه إشارة أولية مهمة، تجعلنا نتكلم على أن هذا الملف لم يعد ملف أشخاص أو جمعية بعينها ولكنه ملف مجموع المجتمع المغربي لأنه يتعلق بأسس بناء دولة الحق والقانون.
نتكلم عن استقلال السلطة القضائية، والسلطات التي منحها المشرع للقضاء يعبث بها بهذا الشكل، هذا يجعلنا نعتقد أن الملف ينبغي أن يعرف حجمه الحقيقي الذي هو كونه ملف مجتمع لا أشخاص بذواتهم”.
ظهير التجمعات العمومية
استنادا إلى هذا الأساس، قال المحامي بهيئة الدار البيضاء في التصريح الذي سبق أم نشرته قناة الشاهد “الأساس الأول المعتمد من طرف السيد العامل في قرار الإغلاق هو ظهير التجمعات العمومية، ظهير 1958 كما وقع تتميمه وتغييره، هذا الظهير أظن أنه لا يسعف السيد العامل فيما ذهب إليه من أوامر بإغلاق البيوت، لاعتبارين إثنين أساسيين؛
أولا- أن الاجتماعات المتحدث عنها، التي تمت في بيوت أعضاء جماعة العدل والإحسان، هي ليست اجتماعات عمومية، هي اجتماعات خاصة تهم أعضاء جماعة العدل والإحسان، وأحيانا المدعوون إلى اجتماعات هذه الجمعية في إطار أنشطتها، بأسمائهم وصفاتهم وألقابهم، فبالتالي هي ليست اجتماعات مباحة للعموم، هي اجتماعات خاصة لها برنامج خاص وتأطير خاص وتحت غطاء جمعية قانونية، جمعية العدل والإحسان هي جمعية مؤسسة وفق ظهير 1958 وأنشطتها قانونية، وتقام في بيوت، فهل هناك خصوصية أكثر من خصوصية البيت؟
ثانيا- حتى إذا فرضنا جدلا بأن هذا الاجتماع هو اجتماع عمومي ودخله كل من شاء ورغب في ذلك، فظهير 1958 لا يخول للسيد العامل إغلاق البيت لهذا السبب، لأن القانون برمته وفي جميع فصوله لا تتحدث عن الإغلاق كتدبير عيني وقائي، أقصى ما في الظهير الغرامة وفي حالات خاصة الحبس، ولكن الإغلاق كتدبير غير موجود، القانون لا يعطي هذه المُكنة.
وسبق للسيد الوكيل العام لمحكمة الاستئناف في وجدة، في نازلة ما، أن أمر بإغلاق بيت الأستاذ جمال بوطيبي في ملف مشهور في إبانه، ووضع الأختام عليه تحت مبرر عقد اجتماع عمومي بدون تصريح، فمحكمة الاستئناف، بعد أن كسر الأستاذ بوطيبي الأختام ودخل إلى بيته وتابعه السيد الوكيل العام بجنحة كسر الأختام، كان لها رأي آخر، واعتبرت أن هذا العمل مشروع نظرا لأن عملية وضع الأختام بدءا لم تكن تتسم بالمشروعية، لأن ظهير 1958 المتعلق بالتجمعات العمومية لا يخول لا للسلطة الإدارية ولا للسلطة القضائية وضع أختام لمخالفته. فحتى وإن خالف مواطن هذا الظهير فالقانون لا يعطي لا للسلطة الإدارية في شخص السيد العامل أو القائد ولا حتى للمحكمة أن تأمر بإغلاق بيته، فاعتبرت المحكمة بالتالي أن دخول صاحب البيت إلى بيته ولو بكسر أختام هو دخول مشروع، لأن وضع الأختام كان يفتقد المشروعية.
للإشارة فهذا القرار تم إبرامه من طرف محكمة النقض وأصبح الآن نهائيا مكتسبا لقوة الشيء المقضي به”.
قانون التعمير
وتابع الأستاذ السني توضيحاته المبنية على قراءة الأسس القانونية التي بني عليها قرار التشميع قائلا: “وبالنسبة للأساس القانوني الثاني المعتمد من طرف السيد العامل في إصدار قرار الإغلاق والذي هو قانون التعمير 12-90، فأيضا ما قلناه بخصوص ظهير التجمعات العمومية نقوله كذلك هنا إذ إن قانون التعمير لا يعطي السيد العامل هذه الصلاحية أبدا.
قانون التعمير كله، بتعديلات قانون 12-66، يتكلم مرة واحدة على الإغلاق، إغلاق ماذا؟ هو لا يتكلم عن إغلاق بيوت ومنازل معتمرة بل يتكلم عن إغلاق ورش، يعني أشغال بناء جارية ومخالفة لما تم الترخيص به، فهنا يعبئ التقني محضرا وينبئ صاحب الورش بتدارك المخالفة، فإذا رفض صاحب المشروع التدارك وتصحيح الخلل فآنذاك يحق للسلطة المحلية أن تأمر بإغلاق الورش، وليس بيتا مغلقا موصد الأبواب.
فإذن صلاحية إغلاق البيت بناء على قانون التعمير غير واردة بتاتا، بل الأكثر من ذلك في حال ثبوت مخالفة وأشغال البناء منتهية والبيت معتمر أو موصد الأبواب يعطي القانون الصلاحية كي يحرر محضر مخالفة ويحال على المحكمة، فليس فيه إغلاق ولا هدم ولا مصادرة ولا تشميع.. إذن فقانون التعمير لا يسعف السيد العامل في ما ذهب إليه”.
قانون أماكن إقامة الشعائر
حول هذا الأساس أوضح الأستاذ السني: “فيما يتعلق بالأساس الثالث المعتمد من طرف السيد العامل في قرار الإغلاق هناك ظهير 1984 المتعلق بأماكن إقامة شعائر الدين الإسلامي، كما وقع تغييره وتتميمه، هذا الأساس أيضا لا يبرر الإغلاق، لثلاث أسباب على الأقل:
السبب الأول: هو أن هذا القانون ينظم بناء مساجد وأماكن عبادة؛ عملية البناء والترخيص بها ومسطرة البناء المتبعة فيها، ولا ينظم إقامة شعائر الدين الإسلامي من طرف الأفراد، ولا يدل المواطن المغربي على كيفية عبادة الله، كيف تعبده؟ هل تصلي في بيتك أو في مسجد؟ هذا ليس موضوعه، فبالتالي كل ما يمت إلى ممارسة الشعائر الدينية فرادى أو جماعات في البيوت أو في أماكن أخرى يخرج عن نطاق هذا القانون، فهو قانون يتعلق ببناء المساجد ومثله، ولا يتعلق بممارسة شعائر الدين الإسلامي. إذن فهذا معيار لا يسعف.
ثانيا: بالنسبة لبناء المسجد، ما هو المسجد؟ بناؤه يتميز بخصوصية معمارية تتميز بوجود صومعة ورفع الأذان والمناداة للصلاة، والأهم من ذلك كله، وهو ما ينص عليه القانون بظهير 1984 نفسه، الفصل 7 منه، هو أن يفتح في وجه العموم، وهذا هو المعيار الفيصل في تمييز البيت عن مكان العبادة، وهذا معيار أيضا غير متوفر في بيوت أعضاء جماعة العدل والإحسان التي تم إغلاقها.
ثالثا: هذا القانون بدوره يحيل صراحة على قانون التعمير 12-90، يتحدث الفصل 5 منه عن مخالفة مكان العبادة للظهير، أي أنه إما لم يتم الترخيص ببنائه أو تم الترخيص ببنائه ولم تحترم الإجراءات المنصوص عليها في الرخصة، وبالتالي فصلاحيات السيد العامل في هذا الباب هي التي يوفرها له أصلا قانون التعمير، وتحدثنا على أنه لا ينص على الإغلاق، وبالتالي فهذا الأساس لا يسعف السيد العامل بتاتا فيما أصدره من أوامر، فهي خارجة عن نطاق القانون”.
وناشد المحامي السني، في آخر تصريحه، “المحاكم أن تكون في مستوى اللحظة، فالملف – كما سبق وأشرت – ليس ملف أفراد أو جمعية العدل والإحسان أو صاحب البيت، بل هو ملف يهم القضاء، فسلطة القضاء مبدأ انتزعه المغاربة عبر نضالات متتالية، يلزم أن يكرسها القضاء اليوم، فيلزم أن يتولى القاضي والسلطة القضائية الدفاع عن هذا المبدإ حتى لا يتم العبث به”.