نبه الأستاذ رشيد العدوني الباحث في القانون الدولي إلى أن قضية صراع الأجيال تم تسييسها، من أجل تحريف حقيقة الصراع والتدافع السياسي والاجتماعي بما صراع وتدافع على الثروة والسلطة والقيم، منبها إلى أن هذه العلاقة لا تتخذ هذا الشكل الوحيد بين الأجيال (الصراع) بل هناك صيغ أخرى للتفاعل بين الشباب والشيوخ تتجلى في التواصل والتوارث والتعاقب، المبني على نقل التجارب وتوريث الخبرة مقابل الاعتراف بفضل السابقين والبناء على منجزهم.
ونوّه العدوني، أثناء مشاركته في ندوة “الشباب ورهانات البناء والتحرير” التي نظمتها جماعة العدل والإحسان، إلى أن القرآن الكريم نقل لنا عددا من القصص بخصوص العلاقة بين الأجيال بين الآباء وأبنائهم؛ كما في قصة إبراهيم مع أبيه وقصته عليه السلام مع ابنه إسماعيل وقصة نوح مع ابنه وقصة يعقوب مع أبنائه، وهي قصص تقدم لنا وضعيات مختلف تعكس إما التوافق أو التعارض بين الأجيال. مشددا على أن أول عتبة للتفكير في موضوع الشباب هي تحديد هويته.
وللتدليل على ما ذهب إليه، ربط الباحث في الجيوبوليتيك بين ذلك وعنوان الندوة حين اعتبر أن الغاية وهي التحرير والبناء لابد وأن تنطلق من تحرير المفاهيم، تحريرا معرفيا من أجل التأسيس لما سيأتي من أسئلة ورهانات.
السؤال الأول الذي تقاسمه مع الحاضرين “يتعلق بعلاقة الشباب بالتدين”؛ ففي السنوات الأخيرة حضر الدين والتدين حضورا متميزا في فضائنا العربي والإسلامي بل على المستوى العالمي، إذ تتوالى التقارير والدراسات التي تؤكد العودة المتنامية للدين والتدين خاصة لدى الأجيال الشابة، مشيرا إلى تقرير الباروميتر العربي لسنة 2023 الذي أكد على أن مستويات التدين في المغرب قد ازدادت؛ حيث تراجعت فئة من يعتبرون أنفسهم غير متدينين من 13 إلى 6 في المائة ما بين 2018 و2022 وسط الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29. مشيرا إلى أن أنماط التدين الشبابية الجديدة مختلفة عن الأجيال السابقة، بل بات هذا التدين أكثر انفتاحا ومرونة ومتأثرا بالنزعة الاستهلاكية وبالنزعة الفردانية ولم يعد مرتبطا بالضرورة بالتنظيمات الإسلامية عكس المراحل السابقة التي كانت فيها حالة التدين مرتبطة بالتنظيمات وبالحركات الإسلامية.
وأشار إلى أن مقولات تحولات التدين مقبولة مبدئيا لدى الحركات الاسلامية المعتدلة بالمغرب، منوها إلى أن حركة التوحيد والاصلاح ترى أن التدين هو كسب خاص بكل جيل بل بكل إنسان لقوله تعالى “تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون”، بينما نجد جماعة العدل والاحسان في وثيقتها السياسية الأخيرة تنطلق من الإسلام كمرجعية لكن من منظور منهاج لا يرتهن للاجتهادات المظروفة بزمانها ومكانها بل بإرادة جهادية تسعى لإقامة الدين في نفسها وفي المجتمع، عبر الدعوة السلمية الرفيقة والحراك المجتمعي المدني على جميع أصعدة الفعل الإنساني.
ولم يفت الباحث في قضايا الأمن الوقوف عند الواقع الاجتماعي الصعب الذي يعيشه الشباب؛ إذ استدعى ما صدر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مؤخرا من تقرير “من أجل بيئة رقمية دامجة” ليقف عند رقم غاية في الدلالة وهو أن 70% من الفئة ما بين 8 و20 سنة يلجون شبكات التواصل الاجتماعي و43% يعانون من اضطرابات في النوم و45% في نزاعات مع أسرهم وأصدقائهم فيما 41% عندهم تعتر في نتائجهم الدراسية. مذكرا بالرقم الأصعب وهو أن مليونا ونصف مليون شاب ما بين 15 و24 سنة لا يعملون ولا يدرسون ولا يتلقون أي تكوين، ناهيك على أن 330 ألف تلميذ يغادرون مقاعد الدراسة سنويا.
وعاد العدوني إلى مسألة تدين الشباب ليشير إلى اقترانها بعودتهم للسياسة والمشاركة في الفضاء العمومي المدني، ليشدد على ضرورة استثمار هذا التدين في البناء والتحرير ليكون تدينا منتجا ومثمرا ومباركا عائده وإيجابيا ونافعا للبلاد والعباد.